قراءة في مسرح بيتر بروك

Wednesday 6th of July 2022 12:27:23 AM ,
5220 (منارات)
منارات ,

سعاد خليل

إننا نذهب إلي المسرح كي نعثـر علي الحياة، لكن تلك الحياة يجب أن تختلف عن الحياة القائمة خارج المسرح، إذا على الممثلين إن يتدربوا ويجتهدوا إلى درجة الرغبة بالتضحية بتدريباتهم واجتهاداتهم.

بيتر بروك يعتبر من أهم المسرحيين في العالم المعاصر فهو ظاهرة تمتلك الجرأة في تغيير العرض المسرحي وإلغاء الحواجز بين الممثلين والجمهور بيتر بروك المسرحي الانجليزي هو مشروع ببحث عن أصول المسرح وعلاقة الممثل والجمهور.

بيتر بروك في إخراجه المسرحي يستند على الإدارة الجيدة وحسن التصرف ورسم خطة العمل وقيادة الفرقة إلى الطريق الصحيح ويعتبر الإخراج مهمة أساسية لان المخرج هو الذي يغير النص الأدبي ويعطيه الروح والحياة، فيجب إن يطور في أسلوبه بما يتمشي مع الآلية الإبداعية، يقول بيتر بروك:

إن عمل المخرج يتلخص في النص والجمهور والفرقة، فالنص هو أساس العمل وعلي المخرج ان يكشف أهداف المؤلف ليجسدها بما يتاح له من وسائل فالمسرح يتطور وجغرافيته تتغير، لذلك يجب علي إن يكون الأسلوب الإخراجي أيضا يتطور ويتغير / وفي كتاب بيتر بروك: (النقطة المتحولة) يضع كل العناصر المختلفة والوسائل طوع إرادته: كالأزياء، والألوان، والماكياج والأضواء إضافة إلي الأداء والنص فعلي المخرج إن يلتفت إليها جميعا ويضمها إلي بعضها لخلق لغة أخراجيه خاصة يكون للممثل فيها اسما هاما كما لباقي عناصر النحو كي يكتب المعني، إن هذا هو مفهوم المسرح الذي يعني المسرح في أقصي درجات تطوره.

يري بيتر بروك إن الاعتقاد بان المسرح يجب إن يبدأ من المنصة والديكور والأضواء والموسيقي، هذا خطأ إن عمل المسرح يحتاج إلي شيء واحد هو العنصر البشري إن بروك حقق دراسات في المسرح الروسي والمكسيكي والأمريكي والألماني، بروك يصر علي الا يكون المسرح غبيا ولا يجب ن يكون تقليديا بل يجب إن يكون فجائيا، إن المسرح يقود إلي الحقيقة من خلال المفاجأة عبر الإثارة من خلال المتعة في المسرح يجعل الماضي والمستقبل جزء من الحاضر، فهو يلغي المسافة القائمة بينه وما هو بعيد.

وفي كتابه الباب المفتوح يعرج علي التجريب: يقول إن التجريب لمجرد التجريب الفوضوي يتواصل بشكل غامض دون إن يصل إلي نتيجة منطقية انطلاقا من مبدأ الفوضى الشاملة لا يمكن إن تكون مفيدة إلا إذا كانت تقود إلي نظام ما، ومن اجل ذلك يجب علي المخرج إن يكون لديه حس باطني عديم الشكل، أي قوة محددة (إن أكثر ما يحتاجه المخرج لتطوير عمله هو حس الإصغاء، يجب إن تكون خطوته منطقية، الوضوح والصفاء والسرعة والنطق والطاقة والموسيقي والإيقاع، والتعود كل هذه الأشياء تحتاج إلي مراقبة بشكل صارم وحرفي وعملي ولا مكان للحيرة فهذا ما يجعل التجريب عمليه من التخبط بل عميلة نمو وهذا هو السر.

كتاب الباب المفتوح هو فيه السيرة الذاتية لبيتر بروك وكذلك التفاصيل الضرورية لإنجاح العمل المسرحي وتحديد مستواه الفني والإبداعي.

من أشهر الأعمال لبروك ملحمة المهابهاراتا الهندية وأبرزها فنيا التي أخرجها سنة 1987 وهي عن المثيولوجيا الهندية والتي واجهة عند إخراجها عاصفة من الاحتجاجات حيث اتهم من رجال الدين الهنود واتهم بالافتراضية.

يقول بيتر بروك: علينا إن نقوم بعمل يشبه وخز البشر بالإبر إن ميلاد الحدث وانبثاق الشكل هما عنصران جوهريان لبنية أي عمل مسرحي بالتناغم الهرموني والاستجابة لبعضهم يحددان وحدة العناصر الفنية والفلسفية والتقنية للفكرة المراد عرضها علي الخشبة فهاتان كانتا موضوعا تجارب وأبحاث - بيتر بروك وقد بين حلولها من خلال كتبه الثلاثة: المساحة الفارغة ونقطة التحول والباب المفتوح.

يرى بيتر بروك إن أهم عناصر تجسيد العرض المسرحي ليس فقط بالشكل بل عبر التمرينات علي الخشبة ويعبر إلي الضفة الاخري وهي القاعة حيث الجمهور لكي يستكمل تكوينه عبر التفاعل بين المتلقي والممثل والطاقة المسرحية هذا التفاعل يفضي إلي نتائج علمية لعملية اختراق. ولأجل العثور علي حدث حقيقي يعتقد بروك لا يكفي إن يكون الحدث محاكيا كما يجري في الحياة حيث الكثير من الأحداث تتوقف عن إن تكون حقيقية لذلك ابتكر بروك مصطلح اسما المسرح الميت أي اللاحدث.

من خلال أعمال بتر بروك نجد تأثيره الكبير بكثير من رواج الإخراج المسرحي أمثال المخرج لروسي ستاسلافكي وكذلك المخرج الفرنسي انطونان ارطو صاحب النظرية مسرح القسوة وفسفولوما بترو مولد صاحب التصور الجيوميكانيكي والشكلاني في المسرح وكذلك المسرحي الملحمي لبترتولد بريخت. أيضا نظرية المسرح الفقير بكرثوفسكي التي استعان بها في تدريب ممثلي فرقة مسرح شكسبير.

قدم بيتر بروك تجارب عديدة في مدرسة القسوة لانطونان ارطو حيث قدم خمس مسرحيات علي ضوء هذه النظرية ما بين سنوات 1955 و1965 أنجز بتير بروك مجموعة من المسرحيات.

إن مسرح بيتر بروك يعتمد علي طريقة اخراحية تمثل تقنيات لأسلاف من المخرجين القدامى معا استيعاب تصورات المعاصرين كذلك فان الطريقة الميراستينية عند بروك تصف بكونها منهجية تلفيقية تعتم علي اجتهاد الآخرين وكذلك تستند علي التجريب النظري والتطبيقي لكل الآراء الدرامية المعروضة في الريبروتار المسرحي والإخراجي القديم والمعاصر

إن منهجية بيتر بروك الإخراجية تستند إلي عدة مبادئ والي المرتكزات الميزانسينية مثل:

ــ الاعتماد علي الاستماع الجماعي لانتقاء من يدخله إلي معمله التجريبي. يكتفي بعدد من الممثلين لا يتجاوز اثني عشر ممثلا.

ــ المزاوجة بين طريقة ستاسلافسكي ونظريات المدارس الانجليزية في مجال تدريب الممثلين.

ــ تبني طريقة الارتجال ألمشهدي لاختيار أفضل الممثلين لدعم مسرحه التجريبي.

ــ الدخول في تدريبات وبروفات شاقة لمدة تزيد عن ثلاث شهور.

ــ تدريب الممثلين علي الكلمة الصرخة والكلمة الصدمة. لان الكلمة جزء من الحركة.

ــ الخروج من منهج الأداء النفسي الطبيعي كما هو معروف لدي ستانسلافسكي نحو تمثيل لغة الأصوات وإشارات والحركات المستوحاة من مسرح انطونان ارطو.

ــ اكتشاف أصوات من الممثل دون اللجوء إلي كلمات اللغة وتعني انه يعود إلي لغة الإنسان والبدائي ولغة الحيوان.

ــ مطالبة الممثلين براوية النص بالأصوات دون الاستعانة بألفاظ اللغة

ــ تكوين معجم تمثيلي وتدريبي خاص بالأصوات والمواصفات

ــ اعتماده في انجاز عروضه المسرحية علي إحساسه الداخلي.

كما ميز بروك بين المسرح الغربي والمسرح الثقافي واللغة المسرحية العالمية المشتركة وما بين المساحة الميتة المساحة الحية وبين المساحة الوظيفية والغير وطيفية، وبين المساحة التقليدية والمساحة الجديدة، وبين المساحة الباردة المساحة الدافئة ن وبين المساحة الجيدة والمساحة الرديئة.

بيتر بروكك من أهم المخرجين الذين حاولوا تجديد المسرح الغربي من خلال تلقيحه بالأشكال الفرجوية الثقافية والشرقية والأمريكية والأفريقية فقد تنوع منهجه بالتنوع النظري والمدرسي حتى سمي منهجه ميزانيسني بالمنهج التلفيقي لأنه يجمع مناهجه في عروضه بين عدة تقنيات وتصورات إخراجية للذي سبقوه من المخرجين العظام ولم ينغلق عن المسرح الغربي بل اهتم أيضا بالمسرح الشرقي القائم علي الطقوس الدينية والمسرحية والميتافيزيقية والفانتاستيك.