إنقلاب بكر صدقي 1936 ومجلسه النيابي .. حقائق وطرائف

Monday 4th of July 2022 12:24:22 AM ,
5218 (ذاكرة عراقية) (نسخة الكترونية)
ذاكرة عراقية ,

د. حميد حسون العكيلي

نتيجة لحدوث انقلاب بكر صدقي عام 1936، الذي أطاح بحكومة ياسين الهاشمي، تمّ تكليف حكمت سليمان بتأليف الوزارة الجديدة، وقد بادر الأخير بسرعة إلى إصدار إرادة ملكية بحل المجلس النيابي الذي جاءت به الوزارة الهاشمية الثانية، والشروع بانتخابات مجلس جديد، وقد حاول بكر صدقي وأنصاره من العسكريين، إجراء هذه الانتخابات وفقاً لرغباتهم.

بالمقابل، دعا الاصلاحيون إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة ومباشرة، معتمدين بذلك على شعبيتهم، لاسيما وانهم اعتبروا ان الانتخاب غير المباشر من مخلفات الانتداب، لذلك لا بد من مجيء مجلس نيابي يمثل تمثيلاً حقيقياً، ولكن بالرغم من كل هذه الدعوات، جرت الانتخابات على قاعدة ارضاء الجميع، لذلك فلا غرابة، أن يكون أعضاء المجلس من المقربين والأصهار وذوي الأسر المعروفة، حيث سادت المحسوبيات والمنسوبيات، وأدت المجاملات والصداقات. فضلاَ عن، الرغبة في تكوين الأنصار والأتباع المجردين من كل المؤهلات, دوراً كبيراً في حرمان البلاد من الشباب الطموحين الراغبين في خدمة بلدهم من خلال مجلس النواب.

وبناءً على ما تقدّم، وصل إلى مجلس النواب ثلاثة أعضاء من أسرة السعدون وهم، عبد الكريم السعدون وعبد العزيز الفالح السعدون وسعود السعدون، وثلاثة أعضاء يمثلون أسرة الراوي, وهم جميل الراوي ونجيب الراوي ورشيد الخوجة، وعضوان من أسرة الطالباني الكردية, هما عبد القادر الطالباني وحبيب الطالباني، وعضوان أيضاً من أسرة الجميل, هما فخري الجميل ومكي الجميل, والأخير شقيق حسين جميل. أما ناجي الأصيل فلأنه وزيرٌ للخارجية فاز في الانتخابات إلى جانب شقيقه إبراهيم الأصيل. وينطبق الأمر نفسه, على عبد اللطيف نوري الذي فاز بالانتخابات لأنه وزيرٌ للدفاع، وفاز معه قريبه قاسم الخضيري، والأخير بالرغم من مكانة أسرته الاقتصادية، إلا أنه يرتبط مع وزير الدفاع المذكور بروابط المصاهرة، وذلك بزواج علي الخضيري من شقيقة الوزير، الأمر الذي عزز من مكانة أسرته سياسياً.

وفي السياق ذاته, تواجد الشيخ عبد الواحد الحاج سكر وابن عمه تكليف مبدر الفرعون في المجلس النيابي، إلى جانب موجد الشعلان نجل عضو مجلس النواب في الدورة الرابعة شعلان العطية، والشيخ شعلان سلمان الظاهر، نجل سلمان الظاهر، كما تواجد عبد السادة حسين شقيق النائب السابق عبادي حسين، إلى جانب عبد الجبار الملّاك شقيق عبود الملّاك عضو مجلس النواب في دورات مختلفة سابقة، فيما فاز سلمان الشيخ احمد الداود في هذه الدورة, وهو نجل وزير الأوقاف النائب السابق الشيخ احمد الداود. فضلاً عن، فوز حامد النقيب شقيق طالب النقيب الشخصية البصرية المعروفة، ومحمد أمين الجرجفجي نجل عضو مجلس النواب في دورته الأولى وزعيم حزب «النهضة» أمين الجرجفجي.

بالمقابل، حضرت المصاهرات بقوة في المجلس النيابي، إذ شهدت تواجد سلمان البراك إلى جانب صهره عبد المحسن نايف الجريان، وعزيز شريف صهر عضو مجلس النواب في الدورة السابقة سليمان فيضي، ومحمود رامز صهر أمين زكي، وكذلك شريف الصابونجي ومحمد حديد، والأخير صهر عائلة الصابونجي، لأنه متزوج من وجيهة مصطفى أحمد الصابونجي. فضلاً عن، تواجد محمد علي محمود، وهو من أصهار جعفر العسكري، وحسين آغا النفطجي، وهو عديل أمين زكي علي عضو مجلس النواب الأسبق.

أما جعفر أبو التمن، فقد أدخل إلى جانبه في مجلس النواب، صهره عبد النبي الدهوي، وابن عمه محمد باقر أبو التمن، الأمر الذي لم يعجب نوري السعيد، وقد تحدث عنه بصراحة إلى الشيخ محمد مهدي كبه، لنقرأ معاً الحوار الذي دار بين الطرفين حول هذا الموضوع تحديداً:

«عندما كنا على مائدة العشاء سألني نوري السعيد أثناء الحديث عن الوضع في العراق، وعن السيد عبد النبي الدهوي وعن شغله ومهنته، فقلت له أحد التجار والمزارعين في الكاظمية، ثم قال: ومحمد باقر ابو التمن، من هو وما شغله وعمله، وكان قد انتخب نائباً، فأجبته انه ابن عم الحاج جعفر ابو التمن، ويشتغل في البيع والشراء، قال لا بأس، ولكن هل سبق لهما الاشتغال بالسياسة والقضايا العامة، وكان الدهوي قد صاهر آل أبي التمن في عهد قريب، وخرج نائباً عن بغداد، فأدركت من أسئلته هذه، أنه يريد التعريض بالمرحوم أبي التمن، والانتخابات التي أجرتها وزارة حكمت سليمان، وتأثيرها بالقرابات والمحسوبيات».

إن نظرة معمقة لما ذكره محمد مهدي كبه، يؤكد ومن دون شك، على أن نوري السعيد، كان متحسساً جداً من تواجد الأقارب في المجالس النيابية، ولاسيما المحسوبين على المعارضة في المجالس النيابية.

ومهما يكن من أمر، فقد شهدت الدورة الانتخابية السابعة، تواجد أسر الجادرجي والشبيبي والعمري والوادي، حيث مثلها كل من، كامل الجادرجي ومحمد باقر الشبيبي وأمجد العمري و حامد الوادي، فيما مثل أسرة الشاوي والسنوي والبستاني, كل من مظهر الشاوي وكمال السنوي وعبد القادر إسماعيل البستاني. أما أسرة طالب الكهية المعروفة, فقد مثلها حكمت سليمان رئيس الوزراء في هذه الدورة, وتواجد حامد الجاف، وهو ينتمي إلى إحدى الأسر الكردية التي رفدت المجالس النيابية بالعديد من الشخصيات.

ومهما يكن من أمر، لم يكتب لهذا المجلس الاستمرار أكثر من ستة أشهر، فعندما استقال حكمت سليمان من الوزارة، حل محله جميل المدفعي الذي اتبع سياسة إسدال الستار على الماضي، وقام بحلِ مجلس النواب في 26 آب 1936، ودعا إلى انتخابات جديدة لم تخلُ هي أيضاً من التدخل الحكومي أسوة بالانتخابات السابقة.

عن رسالة ((المصاهرات الإجتماعية وصلات القربى وأثرها السياسي في العراق الملكي)