من أسرار الساسة قبل ثورة 14 تموز 1958..الصراع بين الامير عبد الأله والدفتري وطه الهاشمي

Monday 27th of June 2022 12:50:19 AM ,
5213 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

عبد القادر البراك

سمعت من المرحوم محمود صبحي الدفتري احد وزراء العهد الملكي الذين استبعدوا من الحكم في الهزيع الاخير من ذلك العهد. انه كان من بين الساسة العراقيين الذين استطلعت اراؤهم في اسناد رئاسة الوزراء الى الامير زيد بن الحسين، الشقيق الاصغر للملك فيصل الاول، والذي كان يشغل يومذاك منصب سفير في وزارة الخارجية.

وكان الباعث على هذه الاستشارة ان عبد الاله الوصي على عرش العراق يومذاك لاحظ ان اقطاب المعارضة كانوا يستلطفون الامير زيد عندما كان يتولى منصب النيابة عن الوصي خلال سفراته المتصلة الى اوروبا ولعل في اسناد الوزارة اليه ما يخلق (جسور اتصال) مع المعارضة ولكي لا يظل البلاط معتمدا في تدوير شؤون البلاد على نوري سعيد الذي كان يومذاك مغضوبا عليه بشكل غير ظاهر من قبل الوصي وحاشيته في البلاط.

وذكر لي الدفتري انه نصح بعدم اسناد رئاسة الوزارة للامير زيد لان رئيس الوزراء يكون مستهدفا لهجوم المعارضة ولربما انسحب هذا الهجوم بصورة غير مباشرة على الاسرة المالكة التي ينتمي الامير زيد اليها. ولست ادري ببواعث فتوى الدفتري، فهل قصد بذلك ألا يشعر الوصي عبد الاله بتعاطفه مع الامير زيد لشعوره ان الوصي غير جاد باسناد الوزارة اليه.. أم لأنه أراد حماية الأسرة المالكة من هجوم قد تتعرض له من قبل المعارضة.

ولكن الذي ادريه ان الدفتري قد انقذ نفسه من (ورطة) تنجيه من التعرض لما تعرض اليه بعد معارضته لتعديل القانون الأساسي بعد الاحتلال الثاني للعراق بزيادة حقوق الملك وبالتالي الوصي على العرش يمنحه حق اقالة الوزارة اذا اصرت على السياسة التي لا يقرها عليها البلاط. ولتفادي وقوع عبد الإله في المحنة التي وقع فيها يوم لم يستطع اقالة رشيد عالي الكيلاني عقب احداث مايس الامر الذي ادى الى هروب الوصي الى (الديوانية) مرة والى (عمان) مرة اخرى بحيث استغل الكيلاني هذه الفرصة – فرصة هروب الوصي – وجمع المجلس النيابي ليعزل عبد الاله من (الوصاية) وتنصيب الشريف شرف بدله على النحو الذي لا يحتاج الى التفصيل.

والواقع ان المعارضة في السنوات الاخيرة من العهد الملكي قد استهدف شن الهجوم المباشر على الوصي لانه (تفرعن) بعد فشل حركة مايس الوطنية واستخف بكل رجال الحكم وانتهزت المعارضة قيام ثورة 23 يوليو 1952 التي اطاحت بفاروق والانقلاب الذي اطاح بشكري القوتلى من رئاسة الجمهورية في سوريا لتنذر عبد الاله من المصير المماثل لمصير فاروق والقوتلي.

وكان طه الهاشمي رئيس حزب الجبهة الشعبية المتحدة يومذاك اصرح الساسة الذين واجهوا عبد الاله بهذا الانذار عبر المذكرة الشهيرة التي رفعتها الجبهة مع المذكرات التي رفعتها الاحزاب المعارضة الى الوصي قبل اندلاع ثورة 14 تموز 1958 باشهر قليلة وحاول (الوصي) ان يظهر بمظهر الزاهد في الحكم والقوي على المضي فيه – في وقت واحد – يوم قابله زعماء المعارضة وذكر بعض هؤلاء ان (الوصي) كان (ثملا) فوجه كلمات قاسية الى طه الهاشمي، الامر الذي حمله على مغادرة الاجتماع وشاطره في ذلك زميله كامل الجادرجي.

وهنا يطرح سؤال.. لماذا انفرد الوصي بمهاجمة طه الهاشمي دون غيره من الرؤساء؟ ان كثيرا من الذين دونوا مذكراتهم السياسية لم يذكروا سبب حقد عبد الاله على الهاشمي وخصه بالهجوم دون غيره وانشغالهم ببحث جوانب اخرى من نشاط المعارضة بعد هذا الاجتماع العاصف الواقع ان الوصي كان يحقد على طه الهاشمي لانه لم يستطع كبح جناح العقداء الاربعة الذين قادوا حركة مايس الوطنية بحيث عرضوا الوصي للهروب من البلاد والعودة اليها في ظل الحراب البريطانية هذا من جهة ومن جهة اخرى فان الوصي كان يعتب على الهاشمي لانه لم يلتحق به الى الديوانية ليتعاونا معا في اتخاذ القرارات التي تحول دون اندلاع ثورة مايس الوطنية.

وهناك اسباب اخرى مضافة الى السببين المذكورين وهما ان الهاشمي كان قد ادلى بتصريحات خطيرة الى جريدة (بردى) الدمشقية لصاحبها منير الريس بعد وقوع وتبة كانون ضد معاهدة (بورتسموث) نسب فيها الى الوصي كل مساوئ الحكم واتهمه بالرشوة واستغلال النفوذ والمساهمة بالمشاريع الزراعية والصناعية مع عدد من رجال الاقطاع في العراق وبصورة خاصة ما يتعلق بمعمل النسيج. وقال الوصي لبعض مريديه ان طه الهاشمي استغل ضعف موقعي خلال اندلاع الوثبة ليهاجمني.

ولقد علمت من الاستاذ حسين جميل ان الوصي كان يريد ان يهين الساسة المعارضين المعتقلين في (ابي غريب) بعد احداث الانتفاضة ضد وزارة مصطفى العمري. وكان حسين جميل بين هؤلاء المعتقلين فقد اعلمهم امر المعتقل يومذاك ان الوصي سيزورهم وربما كرر معهم تصرفاته القاسية كما فعل مع اعوان رشيد عالي الكيلاني الذين قصدهم الى السجن واسمعهم كلمات معينة وقد ابلغ كامل الجادرجي امر المعتقل انه سوف لن يتردد في الجواب على عبد الاله ان وجه اهانة لاحد من زملائه المعتقلين. فلما سمع عبد الاله ذلك صرف النظر عن هذه الزيارة.

ويبدو ان عبد الاله قد شعر بقسوة مواقفه من المعارضة بعد تقديم مذكراتهم اليه في البلاط فمر ببيوتهم تاركا لهم (بطاقات زيارة) معتبرا ذلك بمثابة اعتذار. وكان بعد ذلك ان حلت الاحزاب السياسية وتولت السلطات الحاكمة انذاك ارضاء طه الهاشمي فاسندت له نيابة رئاسة مجلس الاعمار.

جريدة (الأتحاد) 1987