(فرقة الطريق) ودروب الشجن العراقي الطويلة

Thursday 23rd of June 2022 01:29:44 AM ,
5211 (عراقيون)
عراقيون ,

فادي بعاج

فرقة الطريق أسرة موسيقية مزجت أغاني الناس مع سلالم المقام العالية.أسرة توصف بأنها فرقة ثورية لكل العرب لا لفئة أو جماعة معينة، ومع أن مؤسسيها من اليساريين العراقيين المناهضين لحزب البعث الذي حكم العراق، إلا أن فرقة “الطريق العراقية”،

كانت قد مثلت الأغنية السياسية العربية والعراقية أفضل تمثيل، شعبياً ونخبوياً، رغم أنها غيرت عنوانها مرات عدة، منذ نشأتها في العراق وتنقلها بين الدول العربية، وصولا إلى هولندا التي أصبحت بلد اللجوء للعائلة ـ الفرقة، وهي أسرة الموسيقار العراقي حميد البصري المؤسس الرئيسي.

مع زهير الدجيلي

القصة بدأت مع تأسيس فرقة “جماعة تموز للأغنية الجديدة” عام 1976 خلال جلسة تشاور ونقاش بين البصري والشاعر زهير الدجيلي حيث تم الاتفاق على تأسيس فرقة غنائية مصغرة يكتب كلمات أغانيها الدجيلي ويقوم بتلحينها حميد البصري، على أن يكون مضمون الأغاني غير مباشر، يتكلم عن حب الوطن والتمسك به وحب الناس، مع تضمين مبطن لقضايا العراق والوطن العربي.

وقدمت الفرقة أغاني وطنية في حفلات جماهيرية كبيرة في بغداد وبعض المحافظات، نالت تلك الأغاني إعجاب كل من سمعها، ولكن المسؤولين في النظام العراقي السابق لم يسمحوا بتسجيل تلك الأغنيات في الإذاعة أو التلفزيون لأسباب سياسية، وفي نهاية سبعينات القرن الماضي، وبسبب الظروف السياسية، غادرت الفرقة العراق مضطرة إلى عدة دول، أما عائلة البصري فقد سافرت إلى اليمن الجنوبي، وهناك كانت بداية فرقة الطريق التي تأسست امتدادا لفرقة “جماعة تموز للأغنية الجديدة”، فقدمت الفرقة حفلات غنائية في مختلف محافظات اليمن الجنوبي في العام 1981.

التوجّه الحزبي الذي يطبع غالبية الفرق الغنائية الملتزمة طغى على توجه “فرقة الطريق” في بداياتها، فكانت بعض الأغنيات تشيد بنضال الثائرين، وتحيي صمود من في السجون، وكان أعضاء الفرقة يسجلون تلك الأغاني ليتداولها المعارضون سراً، وكان من بينها “حرية”، “كل الأغاني انتهت”، “غنوا لرفيق”، “الفكهاني”، “أهون ألف مرة” والأغنية الشهيرة “أعود” التي تقول كلماتها:

“أعود أعود وكيف لا أعود

أعود بالطيارة، محلقاً أعود

إن دمّروا الطيارة ألحق بالسيارة، ومسرعاً أعود

إن أحرقوا السيارة فإن لي رجلين وراكضاً أعود

إن قطعوا الرجلين فإن لي يدين، مجدفاً أعود

إن بتروا اليدين فإن لي صدراً وزاحفاً أعود

إن قطعوا الرجلين فإن لي يدين، مجدفاً أعود

إن بتروا اليدين فإن لي صدراً وزاحفاً أعود

وكيف لا أعود؟ لا بدّ أن أعود”.

وكان أول انتشار واسع لأغاني فرقة الطريق السياسية في أوائل الثمانينات من القرن الماضي عندما قدمت الفرقة أكثر من ثلاثين حفلاً جماهيرياً في لبنان للمقاومة اللبنانية والفلسطينية، وقتها سجلت الفرقة أكثر من عشرين أغنية منها “كفر قاسم”، “صبرا وشاتيلا”، “يا سما أكتوبر”، “لا تسألني عن عنواني” و “صوت الشهيد”، ثم توالت حفلات الفرقة في سوريا حيث كانت الفرقة تدعى سنوياً إلى تسجيل أغان جديدة وتقديم حفلات جماهيرية، كما قدمت الفرقة أغاني وطنية خاصة لسوريا مثل “دمشق أبهج ما غنى به الغابرون” وأغنية “هلا هلا هيا”.

استمرت الفرقة بإنتاج الأغاني التي تواكب الأحداث في الوطن العراقي والعربي، تذكّر العراقيين في الخارج بضرورة الالتصاق بوطنهم والعمل، لكن ومع هذا فقد أنتجت الفرقة الكثير من الأغاني الغزلية البعيدة عن السياسة، وأشهرها “تدرون ليش نحب”، “للمرأة غواتنا”.

حميد البصري الذي يعد المؤسس والأب لفرقة الطريق وملحن كافة أغانيها، كان شابا صغيرا أصر ذات يوم على شراء آلة عود دون علم أبيه فنان الموشحات الشهير خلف البصري الذي تمنى له مستقبلا دراسيا ومهنيا آخر

حميد البصري

مؤسس فرقة الطريق وملحن جميع أغانيها هو الموسيقي العراقي حميد البصري الذي أصرّ على شراء آلة العود دون علم أبيه فنان الموشحات الشهير خلف البصري الذي تمنى له مستقبلا دراسيا ومهنيا آخر، لكن حميد الذي برع في التدرّب على آلته الموسيقية التي عشقها، سينطلق في العام 1955 بمسيرة فنية حافلة بالأعمال الغنائية الموسيقية، ليحصل بعدها على أولى شهاداته الأكاديمية التخصصية العليا من تونس في العام 1976.

وقد غادر العراق مكرها في العام 1978 ليبدأ وعائلته وفرقته رحلة المنفى، وليلحّن في مطلع هذه الرحلة بعض أغاني الأطفال في الكويت، ليتنقل بعدها بين بيروت ودمشق وعدن واحتفاليات وسط جموع هادرة بكلمات أغانيه حتى استقر صحبة زوجته وشريكة حياته شوقية العطار في المهجر الهولندي.

وهو أستاذ الموسيقى العربية الذي بدأ تدريس الموسيقى في معهد الدراسات النغمية ببغداد ودرّسها في محافل أكاديمية أوروبية عدة، ولكن البصري الذي اشتغل في الموسيقى العربية طويلا، قرر أن يتحول في انعطاف مهم في حياته الفنية نحو التركيز بالأساس على الموسيقى العراقية وتحديدا منها المقامات، الأمر الذي أثّر على شكل ألحانه ونمطها آنذاك، للبصري أكثر من 150 عملا غنائيا وثلاثة أوبريتات هي “بيادر خير” و”أبجدية البحر” و”الثورة وزنوبيا” وله مؤلفات أثرت المكتبة الموسيقية العربية، منها كتاب “الأغنية الشعبية” و”سجل الكلمة والنوتة” الذي قضى في عمله عليه سنوات طويلة.

شارك حميد البصري صحبة فرقته في العديد من المهرجانات الموسيقية العربية والعالمية بالإضافة إلى العراقية، كمهرجان الموسيقى الشفاهية في غرناطة/أسبانيا، ومهرجان ألين ماك في بلغاريا، ومهرجان الموسيقى العربية في الجزائر والوفد الفني لمهرجان الشبيبة في موسكو وطوكيو.

حميد البصري صاحب طموح متجدد ولهذا فقد قرر، وهو يجتاز الخامسة والسبعين من عمره المديد أن يحصل على الدكتوراه بدرجة امتياز، من جامعة لاهاي العالمية، وكانت الأطروحة التي قدّمها دراسة منهجية اعتمد فيها على تجربته الذاتية وقدّم فيها بحثا نموذجيا في التحقيق والإبداع لينقل تعلّم دراسة المقام من الشفهية إلى الضوابط العلمية المسجلة، وليقدم إلى طلبة هذا الفرع من الدراسة أسلوب التعلم الأكاديمي الموثق.

ابتكر ابن البصرة العريقة مقاما موسيقيا عربيا جديدا وهو الراست البصري وألف فيه سماعي وموشح وأعاد ترتيب الفرقة الموسيقية العربية على نمط يجعلها أقرب إلى أوركسترا مقامي عربي وألّف عشرات الأغاني والمقطوعات الموسيقية الخالصة ودرّس أصول الموسيقى العربية للناشئة في كل مكان عاش فيه.

الفرقة الأم “جماعة تموز للأغنية الجديدة” تتأسس في العام 1976 خلال جلسة تشاور ونقاش بين البصري والشاعر زهير الدجيلي حيث تم الاتفاق على تكوين فرقة غنائية مصغرة يكتب كلمات أغانيها الدجيلي ويلحنها البصري، على أن يكون مضمون تلك الأغاني غير مباشر، يتناول حب الناس والوطن

شوقية العطار صوت الطريق

العمود الغنائي الأساسي لفرقة الطريق العراقية هو شوقية العطار التي بدأت الغناء منذ منتصف خمسينات القرن الماضي، حيث قدمت أغنيات انفرادية لأشهر مطربات ذلك الزمن، مثل أم كلثوم وأسمهان وغيرهما في العديد من الحفلات المدرسية في مدينة البصرة، وكانت أول أغنية خاصة بها عام 1959 من ألحان الفنان حميد البصري الذي تزوجها بعد ذلك بفترة قصيرة.

وبوجودهما معا تدربت شوقية العطار على مختلف أنواع الغناء العراقي والعربي، وفي عام 1969، قامت بدور البطولة في الأوبريت الشهير “بيادر خير” مع الفنان العراقي الكبير الراحل فؤاد سالم ومجموعة كبيرة من الفنانين البصريين، وتكررت التجربة في الأوبريت الثاني “المطرقة” عام 1970.

انتقلت شوقية العطار في العام 1971 مع عائلتها إلى بغداد، فدخلت معهد الدراسات النغمية في بداية تأسيسه، لدراسة المقام العراقي وآلة القانون، لكنها لم تكمل الدراسة في المعهد لكثرة التزاماتها الأسرية والفنية، واستمرت بالتدرب على الغناء العراقي والمقامات وغيرها مع زوجها حميد البصري، ثم أصبحت عضوا في فرقة الإنشاد العراقية التابعة للتلفزيون في بداية تأسيسها كمغنية انفرادية وجماعية.

وقد اكتسبت من ذلك خبرة في غناء الموشحات، وفي منتصف السبعينات، سجلت مع الفنان فؤاد سالم الأغنية الثنائية الشهيرة “يا عشقنا” من ألحان زوجها حميد البصري، والتي اشتهرت في العراق على كافة المستويات الفنية والاجتماعية وإلى حد الآن، فكانت شوقية نموذجاً مكثفاً للمرأة العراقية التي تعمل وتدرس وتربي خمسة أولاد وتعتني بزوجها وتلحق به في مهجره أينما كان، وهي تبدع في كل ذلك وتبقى لديها طاقة تكفي للغناء الجميل.

العطار التي تلقّب بـ”قارئة المقام” لديها عدد كبير من الأغاني بعيدا عن كونها شريكا حقيقيا في فرقة الطريق، ومن تلك الأغاني “اللول لوه”، “اشتقنالك يا نهر” و”اسهرنالك دهر” وهي من كلمات الشاعر العراقي الكبير “مظفر النواب” وألحان زوجها البصري الذي لحن جميع أغانيها.

فرقة البصري الجديدة

بعد ما التأم شمل العائلة كاملة في هولندا، أعيد تأسيس الفرقة، وهنا كان الاسم موضع نقاش بين أفراد العائلة، هل الفرقة تبقى نفس الاسم أو يتغير اسمها، حينها ألح الأبناء على والديهم بتغيير الاسم إلى اسم يدل على العائلة أي “البصري”، ويذكر حميد البصري في أحد لقاءاته التلفزيونية هذا الأمر قائلا “كوننا ديمقراطيين فالأكثرية غطوا على المسألة، فلم نستطع أن نعارض المسألة فسمينا الفرقة فرقة البصري، وأيضا الفرقة لها مبرر لأنها صارت فرقة عائلية فقط، يعني أنا وزوجتي وأولادي وبنتي”.

قدمت الفرقة العديد من الحفلات في مناطق مختلفة في هولندا، كما جالت الكثير من الدول الأوروبية حيث التقت بالجاليات العراقية وغنت التراث العراقي والألوان الغنائية العراقية، مثل المقامات والأطوار والأغاني الشعبية، والألوان العربية كالموشحات والقصائد والأدوار.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أفراد العائلة الفنية بامتياز وهم أربع أولاد وبنت واحدة، نديم الابن الأكبر وهو عازف كمان وفيولا، رعد الابن الأصغر المعروف بـ”رعد خلف” الموسيقار والمؤلف الموسيقي البارز في سوريا، وهو أيضاً عازف كمان من الطراز الرفيع، كما أنه مؤسس فرقة “زرياب” الموسيقية، أما الابن الثالث فهو سامر الذي تخصص في الإخراج المسرحي الغنائي في موسكو، و الابن الأخير “أور” تخرج من أكاديمية ملكية بدانهاخ بهولندا قسم الجرافيك، وأخيرا آخر العنقود وهي بيدر التي صار لها اسمها الفني في عالم الأغنيتين العراقية والهولندية، وهي عضو أساسي في فرقة البصري حيث أنها ورثت من والدتها صوتها الجميل، وما زالت تحمل إرث العائلة الفني بصوتها وتقديمها حفلات في دول أوروبية عدة.