تجربة الصحافة في مسيرة الشيخ جلال الحنفي

Sunday 12th of June 2022 10:55:59 PM ,
5203 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

د. انوار ناصر حسن

في بداية فتوته مارس جلال الحنفي العمل الصحفي، إذ كان يدرس مساء في المدرسة المأمونية، ويعمل نهارا ً في مجلة الهداية الأسلامية التي ظهرت في عام (1930)، وقد دخل أليها من خلال أعجابه بها عندما قال فيها شعرا ً نشرته المجلة وكان شعره يدور حول الفوارق الطبقية بين الناس وعرف من ذلك أدانته للطبقات البرجوازية المتخمة.

وأستحسنت قصيدته هذه فألحقوه في العمل بالمجلة. فأفاد من وجوده فيها فؤائد عدة حيث عمل في التصحيح والمحاسبة وحتى الجباية كما أستفاد من عمله بالأطلاع على عدد كبير من الصحف التي تصل إلى المجلة عن طريق التبادل فضلا ً عن تعرفه على عدد من رجال الدين وأئمة المساجد والكتاب وساعدته هذه الأجواء على زيادة وتوسيع خزينه الثقافي والمعرفي .

وبعيدا ً عن عمله في هذه المجلة، كان يحرر صحيفة أسبوعية شخصية لها سجل محفوظ في مكتبته الخاصة، وكانت هـذه الصحيفةتـخـط بيد الحنفي وأعوانه في بداية الثلاثينات وتحديدا ً في (يوم السبت بدايات الشهر الثامن من عام 1930). وقد أستمر صدور هذه الصحيفة لمدة عامين إذ حمل آخر عدد لها الرقم الأربعين. وعاونه في كتابتها من أقرانه زكي السلامي ونديم الأطرقجي وعبد الله فاضل الدليمي وغيرهم والهدف من تحريرها حتى « تكون تاريخا ً لنا في المستقبل وسجلا ً لأعمالنا ليس في الامكان طيه « .

وأطلق الحنفي بادئ الأمر على صحيفته اسم (السيف) ثم غير أسمها بعد صدور أعداد منها إلى أسم (الشريعة) وغلب عليها الطابع الديني.

وفضلا ً عما تقدم، فأنه أصدر صحفا ً جعلها ميدانا لبث الدعوات الأصلاحية الأجتماعية والتي من بينها مجلة دينية أدبية أسبوعية هي مجلة (الفتح).وفي مكتبته الخاصة يوجد الكتاب الرسمي الخاص بالموافقة على أصدارها ويقع تاريخه في(23 كانون الثاني 1939)وبتوقيع(ابراهيم حلمي العمر) مدير الدعاية،كما كان الحنفي رئيسا ً لتحرير مجلة(الناشئة) التي صدرت في بغداد عام(1935).

وقد ناقش الحنفي في مذكراته فوائد العمل في الصحافة بكونها « مدرسة صغيرة تمرن الكاتب على أن ينشغف بكتابة المقالات المتنوعة والتحرير في مختلف الأفانين وتهيب به إلى أن يدرس ليتمكن من تحسين إنشائه وتحبيره «.

وأستشهد في هذا المجال بالكاتب المصري (مصطفى لطفي المنفلوطي) الذي قال عنه « أن من الأسباب التي جعلت المنفلوطي ممن يشار اليه بالبنان في الأنشاء والبيان أنه تمرن على التحرير مدة طويلة في صحيفة صغيرة يدوية كان يصدرها سماها المدرسة « .

ولهذا عدَّ التمرين على الكتابة من الأدوات الرئيسة لمن أراد العمل في الصحافة وذكر في هذا الصدد نصيحة أستاذه حسين أفندي الأعظمي الذي طلب من طلابه قائلا ً « أعينوني أيها الطلاب بكتاباتكم والأ فأني غير قادر على تبريزكم في الكتابة وأنها لتحتاج إلى تمرن ومطالعة للوصول إلى باب الحكمة « .

لقد عمل الحنفي مع مجموعة من الصحفيين ونشر مقالاته في عدد من الصحف كما بين آراءهُ في كتابات البعض منهم حيث عـــد (كمال الدين الطائي) من الأفراد القلائل من رجال الدين ممن يحسنون المقالة الصحفية ولاسيما ما كان منها متميزا ً باللهجة الشديدة والنقد الرهيب. كما عدَّ (مهدي حيدر) صاحب مجلة (الأقتصاد) مـــن البارزين في مجال النقد الصحفي ولاسيما في مواضيع الصناعات والحرف والتجار.

وأعترف بأن مهدي حيدر له فضل كبير عليه في حثه على النشر في مجلته الأقتصاد. وممن أشتغل في صحفهم (نور الدين داود) الذي وجده ذا حذق في العمل الصحفي، والمعروف عن نور الدين داود هذا أنه أول من دعا إلى تأسيس وكالة للأنباء وأسسها بالفعل اوائل الخمسينات. والحنفي كان من بين بضعة الأفراد الذين عملوا في هذه الوكالة التي كانت تزود الصحافة والأذاعة بالأخبار وكان مقرها في عمارة تقع في باب الآغا. وقد أجروا حينها أتصالات واسعة بكثير من الصحف العربية والعالمية وقد حملت هذه الوكالة عنوانا ً لها (وكالة أنباء الشرق) ألا أنها لم تستمر سوى ثلاثة أشهر بسبب عجز الجماعة عن دفع رواتب العاملين وتسديد بدل أيجار المقر.

كما كانت له تجربة طريفة مع سليم حسون رئيس تحرير جريدة (العالم العربي) حيث يقول « أتذكر أني نظمت قصيدة عنوانها (الكتاب) وذهبت بها إلى صحيفة (العالم العربي) فوجدت الأستاذ سليم حسون يستصغرأن ينظم صبي قصيدة وطلب مني العودة اليه في اليوم الثاني غير أني جلست أمامه أقوم القصيدة وأنقحها على هدى أشارته ثم رفعتها اليه وكان يراقب ما أصنع فأذابه يتسلمها مني ويعد بنشرها وقدنشرها بعد يوم أو يومين « .

ومن الصحفيين الذين أعجب بحذقهم الصحفي فضلا عن سليم حسون صاحب جريدة (العالم العربي) رزوق غنام (3) صـاحــب جريدة العراق، وخالد الدرة في مجلته (الوادي) وعبد القادر البراك صـاحـب صحيفة (الأيام والبلد) والحاج نعمان العاني صاحب جريدة (العرب).

وفي رأي الحنفي ان معظم رجال الصحافة القدماء تخرجوا على يد رزوق غنام صاحب جريدة العراق الصادرة في العشرينات ويقول الحنفي عن رزوق غنام ودوره في الصحافة العراقية « أنه بحق شيخ الصحافة العراقية في جيل العشرينات والثلاثينات اذ كان حاذقا ً في التعبير الأعلامي حذقا ً عجيبا ً «.

أما المواضيع التي نشرها الحنفي فكانت البداية في مجلة الهداية الأسلامية حيث نشر فيها قصائده التي كانت من مقدمة نتاجاته الشعرية وان القصائد التي نشرها في المجلة كانت بدافع أعجابه بها وبرجال الدين الذين كانوا ينشرون فيها مقالاتهم التي تدعو للأصلاح والتهذيب. وكانت صحيفة بغداد لصاحبها الشاعر (عبد الرحمن البناء) تنشر له مقالات كثيرة وفي بعض الأحيان كانت مقالته تنشر بدلا ً من أفتتاحية الجريدة .

ويعترف أن الذي ساعده في نمو ثقافته اللغوية فضلا ً عن دور أساتذته في اللغة والأدب هو تراكم قراءته للألفاظ والتراكيب الجميلة وانواع الاشتقاقات والأبدال وهذا كله قد حصل عليه من خلال المطالعة اليومية للكتب والصحف والمجلات آنذاك (4).

وفي معرض مقارنته بين الصحفيين الذين عاصرهم والــذين سبقوهم ذكر « أن صحفي اليوم أفضل حظا ً من صحفي الأمس –أي في فترة الثلاثينات والأربعينات – لأن عناء الصحفي الحديث أقل بكثير من عناء الصحفي القديم. فلقد كان الصحفي آنذاك في الغالب هو المحرر وهو المحاسب وهو المصحح وهو المخبر المحلي. فهو يركض وراء الدوائر الرسمية للحصول على شيء من الأعلانات وعلى شيء من الأخبار وكان المقص خير معوان له في تزويد جريدته بمقالات مما ينشر في صحف أخرى لاسيما ما كان واردا ً منها من الخارج « .

وأضاف بأن صحف الأمس لم تكن صفحاتها لتزيد على الأربع فلما أصدر رفائيل بطي جريدة (البلاد) أواخر العشرينات جعلها ست صفحات. وكان يزين كل عدد بصورة أو أكثر، وجعل فيها أركانا ً وأبوابا ً ويوميات. وأشار أيضا ً إلى أن يونس بحري لما أصدر جريدة (العقاب) وضع لنشر المقالات منهجا ً صار متبعا ً حتى اليوم وهو منهج (البقية) في الصفحة كذا وكذا. وبذلك صارت الصفحة الأولى مشحونة بالعناوين ذات الحروف الكبيرة التي توضع لمقالات وأخبار كثيرة تكون بقاياها على صفحة أخرى .

هذا من جانب ومن جانب آخر قام الحنفي مع مجموعة من أصدقائه بتشكيل ما يعرف بأسم (مديرية الصحافة العامة) ووضـعوا لها نظام بأسم (قانون الصحافة العام) رقم 3 لسنة 1930م وقد اشتمل قانون الصحافة هذا على ثمانية أبواب (فصول) وكل فصل أحتوى على مجموعة من المواد. وكان الفصل الثاني قد عالج موضوع مواصفات الصحف، والثالث في طلب الأجازة والخامس في النشر .

عن رسالة(جلال الحنفي وأثره الثقافي في المجتمع العراقي)