العقد الستيني والغناء النسائي العراقي..هناء مهدي.. جمال الصوت ورصانة الغناء

Monday 6th of June 2022 01:02:14 AM ,
5198 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

حيدر شاكر الحيدر

بدا العقد الستيني بذائقة جديدة وبأسلوب مواكب العصر آخذا بنظر الاعتبار التطور الحاصل بعالم الأغنية العربية عموماً ظلت الأسماء لها ذائقتها من الملحنين والشعراء وكذلك الحال من المطربات اللواتي ظهرن في العقد الخمسيني والاربعيني يقدمن الابداع المتجدد المتماشي مع ذائقة أبناء المجتمع العراقي والعربي.

إن عفيفه اسكندر واحلام وهبي ومائده نزهت والاخريات لم يغيبن عن المشهد الغنائي العراقي والعربي بل أضيفت لتلك الأسماء , أسماء أخرى مثل هناء مهدي / خالده / هيفاء حسين / أمل خضير / غاده سالم ليتنوع عطاء الصوت النسائي ويبلغ جمال ذروته بتلك السنين التي شهدت ظهور ملحنين جدد مثل حسين السعدي وداود العاني وجاسم الخياط مع من ذكرتهم من ملحني المدارس البغدادية وآخرون..

هكذا كانت الأغنية من ذاكرة الناس على اختلاف مستوياتهم هنا تغير اللحن والكلام والأداء أيضا بذلك العقد الذي هو امتداد لعقود سبقته مع إضافات التغيير وصناعه.

في العقد الستيني تطورت وسائل البث الإذاعي والتلفزيوني لتساهم ببناء ثقافة الغناء العراقي وفي نفس الوقت من خلالهما كان معظم أبناء الشعب لا يمتلكون أجهزة التلفاز لذلك كان الاعتماد على البث الإذاعي فمن خلاله تواصل أبناء المجتمع العراقي مع ما يقدم من خلاله تطور الغناء العربي بل وحتى الأوربي كل تلك الأمور ساهمت بتطور النسيج اللحني العراقي لتصبح صورة الأغنية الستينية مميزة حتى إعداد هذه السطور.

الحق يقال إن العقد الستيني زاخر بتفاصيل الغناء العراقي حيث شهد عند نهايته وتحديداً في العام 1969 ظهور أسماء من الملحنين الكبار مثل طالب القرغولي ومحمد جواد اموري وكوكب حمزه وحسن الشكرجي وأسماء عدت إضافات مهمة بتأريخ الموسيقى والغناء العراقي ربما قد تكون الفنانة سيتاهوكيبان قد ظهرت عند نهاية هذا العقد إلا أن نشاطها الغنائي عرف في العقد السبعيني.

المهم لدينا ان نستذكر أسماء مطرباته اللواتي ذكرت أسمائهن كونهن إضافة حقيقية للأصوات النسائية العراقية التي تربعت على عالم الأغنية العراقية وظلت حاضرة بما قدمته من أسلوب غنائي رسمته لها أسماء خلدها تاريخ الغنائي العراقي.

ونحن نصل للعقد الستيني الغنائي الذي أتى مكمل للعقد الخمسيني حيث ظهرت أسماء أخرى من المطربات ومن بين الأصوات الغنائية بهذا العقد صوت هناء مهدي التي ولدت بمدينة بغداد عام 1945 من بيت لا يخلو من رائحة الفن الغنائي حيث عاشت مع اثنين من الفنانين الكبار الذين عرفهم التأريخ الغنائي العراقي هما الراحلين خزعل مهدي وجميل قشطه أزواج الشقيقتين للمطربة هناء وهذه الأسماء كانت داعمة لمسيرة فنانتنا هناء مهدي والتي قدمت للأغنية العراقية صور جمال ظلت حتى يومنا هذا تتذكرها الأجيال , تفيد المصادر إن الفنانة هناء في عام 1960 كانت إحدى أعضاء فرقة الإنشاد العراقية وقد اكتسبت خلال تواجدها مع الفرقة خبرة بمجال الغناء المتعدد الألوان مع أصوات زميلاتها وزملائها.

وفي العام 1966 ذاع صيتها عراقياً من خلال الأغنية الرياضية (يلعب ابو جاسم) التي كتبها ولحنها خزعل مهدي لتظل هذه الأغنية إلى الآن إيقونة للغناء الرياضي العراقي والعربي لتتوالى بعدها الروائع الغنائية عند هذه الفنانة وما زلنا نتذكر من أغانيها رائعة الصباح المتمثلة بأغنية (كَلي حبيبي صباح الخير) والتي هي الأخرى من الحان وكلمات خزعل مهدي.

كلما تمر تلك السنوات , كلما قدمت هناء قصص غنائية أحلى وأجمل للذائقة العراقية كانت الإلحان من مدارسها المعروفة عاملاً من عوامل تميز هذه الفنانة فأغنية الماجينه الرمضانية لملحنها علاء كامل هي نقطة ضوء بمسيرتها فلشهر رمضان قدسية وقيمة دينية عندنا لذلك نجد ان ما قدمته هناء من غناء ديني هو الأخر ذو ذائقة رصينة.. ما زال المثقف العراقي يعلم بقيمته.

في أغنية (على شواطي دجلة) التي لحنت من قبل الملحن ناظم نعيم نجد جمال اللحن البغدادي الذي صورته لنا حنجرة هناء بطريقة تجعل المتلقي جالس أمام هذا النهر الخالد بجماله وحب العراقيين له.

الحقيقة أن هناء أتحفت الذاكرة العراقية بروائع كثيرة فرائعة طالب القرغولي لصوتها (ياحبيبي بس الك وحدك) لشاعرها زامل سعيد فتاح ان من يستمع لصوت هناء ينبهر من جماله ونقائه كل من يستمع إليه وهذا ما حصل للموسيقار بليغ حمدي يوم استمع إلى صوتها وهي تؤدي احد الإعمال الدينية وكاد أن يقدم لصوتها لحناً من الحانه إلا أن الظروف حالت دون ذالك.

بتلك العقود قدمت هناء نفسها واحدة من الأصوات النسائية العراقية التي لم يظهر صوت آخر يعوض ما قدمته من روائع غنائية ولمواضيع متعددة بين الحياة والدين فكانت تلك المواضيع ذائقة حقيقية بنفوس محبي الغناء العراقي.

اختفت هناء عن الأنظار ربما في العقد الثمانيني او عند نهاية العقد السبعيني تاركةً اثر غنائي مازال محافظاً على رصانته العراقية ربما يسأل سائل أين هي هناء فالإجابة هي في بيت بمدينة بغداد تعيش مع ابنة الراحل خزعل مهدي السيدة (زينب) ترعاها وتسهر على راحتها فلها العمر والعافية.ومن الجدير بالذكر إن الفنانة هناء هي عضو متميز بجمعية الموسيقيين العراقيين المركز العام.

من كتاب (الاصوات النسائية في الغناء العراقي) المعد للنشر.