الفنان والملحن والموسيقي كمال السيد ملحن من الزمن الجميل...

Thursday 26th of May 2022 12:52:17 AM ,
5191 (عراقيون)
عراقيون ,

قاسم حسن

في عام 1968 برز الفنان كمال السيد ملحنا لنصوص وكلمات لم يعتد عليها المستمع العراقي من قبل ولخيرة المطربين العراقيين الذين اكتشفهم الملحن نفسه او كانت لديهم مساهمات في الاغنيه ولكن لم تكن لهم بصمات حيث جاء كمال السيد ليختارهم ليأدوا الحانه وبدقة متناهية في الاختيار.

يقول الكاتب والناقد الفني حسين السكاف في مقال له عن الفنان كمال السيد (الكثير أسموه صاحب أغنية “ المكَير “) على الرغم من أن له أغاني لا تقل جمالاً وحلاوة عنها وربما تفوقها جمالاً. غنى له أغلب المطربين العراقيين، فما من مطرب عراقي سمعه الجمهور باحترام، إلا ولكمال السيد حصة في صوته، وما من مطرب أدى لحناً له إلا وزادت شعبيته، فأغاني السيد لها ميزة لم يعرفها المستمع العراقي من قبل، تكمن في طبيعة القصائد المختارة، فأغنية “ ياريحان “ للشاعر مظفر النواب وأداء المطرب فاضل عواد، هي ببساطة أغنية صورة شعرية لم تألفها أذن المستمع العراق.

الفنان كمال السيد واحد من اهم الموسيقيين واهم الملحنين العراقيين في عقد السبعينات حيث ان الحانه واغانيه يرددها الناس في جميع ارجاء العراق نظرا لذكاءه الخارق في اختياره للكلمه حيث تعاون مع شعراء مهمين امثال مظفر النواب وزامل سعيد فتاح وكريم العراقي وكاظم اسماعيل كاطع وعريان السيد خلف..وغيرهم الكثير وكذلك قدرته على اختيار المطرب او المطربه حيث اعطى الحانه الى مطربين جميلين باصواتهم وبألحانه نالوا الشهرة في ذلك العقد من القرن الماضي ولازالت اغانيه تتناقلها حناجر المطربين دون الاشارة الى ملحنها مع الاسف... أمثال “ حسين نعمه وياس خضر” انوار عبد الوهاب “ فاضل عواد “ وسامي كمال “ وفلاح صبار “ ومائده نزهت “ وغيرهم الكثير....

المثير والغريب جدا أن الفنان مغيب عن الصحافة والاعلام بطريقه غير عادية فهو لم يظهر في مقابلة صحفية او تلفزيونية وحتى اذاعية... لافي العراق ولا في المنفى الذي دام اكثر من 22 عاما حتى وفاته في كوبنهاغن في الدانمارك عام 2001.والكاتب حسين السكاف هو الكاتب الوحيد الذى تناول تجربة الفنان كمال السيد الموسيقيةِ واللحنية

عندما وضع الفنان كمال السيد جمله اللحنية على مقاطع قصيدة “ المكير “ للشاعر زامل سعيد فتاح، وقف الكثير من أصدقائه وبعض أساتذته ومن بينهم الموسيقار جميل سليم موقف عدم الرضا، كان ذلك قبل تسجيلها، وعلى الأخص عندما عرفوا بأن المطرب ياس خضر ذا الصوت والأداء الريفيين هو الذي سوف يغنيها، ولكن كمال السيد أصر على تسجيل الأغنية وتقديمها للجمهور العراقي، فخرجت عام 1969 بصوت الفنان ياس خضر الذي كان في بداياته الغنائية كمطرب ريفي، كان يغني أغانيه البسيطة مثل “ أبو زركة “ و “ الهدل “، ولكن “ المكير “ فتحت له أفقاً جديداً، حيث وجد الناس أن الأغنية الحديثة تتسع له، كما فتحت آفاقاً لشهرة هذا المطرب الواعد، حيث كشف الملحن كمال السيد أجمل ما في صوته من إمكانات غنائية، مما دفع بقية الملحنين العراقيين إلى الإقبال بألحانهم إلى هذا المطرب بعد أن تعرفوا على ثراء وعمق صوته.

وإذا كان لأغنية “ المكير “ حلاوتها وتأثيرها الخاص على الأذن العراقية، فهناك أغاني أخرى خرجت من جعبة الملحن كمال السيد لا تقل حلاوة وأهمية في تاريخ الأغنية العراقية، مثل أغنية “ كون السلف ينشال “ التي سمعناها مطلع السبعينيات بصوت المطرب حسين نعمة،. بالإضافة إلى أن أرشيف الأغنية العراقية يحتفظ بالكثير من الأغاني لهذا الملحن مثل “ كصت المودة “ للمطربة أنوار عبد الوهاب و “ حبنه حبيبي لولاه “ لعارف محسن و أديبة و أغنية “ يا غريب الدار “ و “ سلمت وإنت ما رديت السلام “ للمطرب قحطان العطار، وللمطرب الراحل صباح السهل أغنية “ العشك مو بالشكل “، وللمطربة غادة سالم أغنية “ هنيالك “، أما أغنية “ تُمُرْ بيه “ فلقد غناها المطربان سالم رمضان ومرتضى العراقي الذي غنى بعد ذلك أغنية “ ألف مرحب “ وأغنية “ ليش حبينة “ التي عرفها الجمهور العراقي في فترة السبعينيات بصوت المطرب فتاح حمدان، أما المطرب حميد منصور فقد غنى للملحن كمال السيد العديد من الأغاني نذكر منها أغنية “ نجمة حبيبي “ وهي أغنية مبنية على تركيبة شعر الأبوذية في مقاطعها الغنائية، وأغنية “ مثل الحدايق “ و “ قالت لي الشموع “، أما سعدون جابر فقد غنى أغنية “ يا أهيف الطول “ التي وضع كمال السيد ألحانها منتصف السبعينيات.

في عام 1974 قدم الملحن كمال السيد صوتاً غنائياً جديداً إلى المستمع العراقي من خلال أغنية “ مدللين “ من كلمات الشاعر إسماعيل محمد إسماعيل، كان اسم هذا المطرب سامي مناتي، الذي غيره إلى سامي كمال حباً وولاءً لأستاذه الملحن. توالت ألحان كمال السيد

لصوت هذا المطرب، حيث غنى سامي العديد من ألحان السيد مثل أغنية “ أحبه وأريده “ للشاعر كاظم اسماعيل كاطع و “ الحب ضاع “ كلمات كريم العراقي، وأغنية “ بين جرفين العيون “ من كلمات الشاعر مهدي عبود السوداني، هذه الأغنية بصورتها الشعرية الدافئة

وبالأخص الكوبيليه الأول منها الذي يقول:

يا البريسم شرد أعاتب..

شرد أعاتب يا البريسم..

وإنت تسبكَني بعتابك يا البريسم..

وأنسى كل ما أرد أكَلك يا البريسم..

من كثر هم الليالي.. ذوبت حتى الليالي

أثرت بشكل ملحوظ على مطرب شاب كان أسمه (حسن غضيب) ليغيره إلى “ حسن بريسم “ ليكون هذا الاسم أشهر الأسماء الغنائية العراقية في وقتنا الراهن. منذ ذلك الحين حتى السنوات الأخيرة من حياة الفنان الراحل كمال السيد، لم يفترق المطرب سامي كمال عن أستاذه الملحن، حيث شاركه ترحال المنافي بعد الهجمة البربرية التي شنها نظام الدكتاتور الزائل على مثقفي ومبدعي العراق نهاية السبعينيات.

فرق المهجر الغنائية كانت اليمن الديمقراطية(وقتذاك) هي محطة المنفى الأولى لهذا الفنان وآخرين غيره، حيث عمل كمال السيد في مجال التعليم كأستاذ للموسيقى في معهد الفنون الجميلة هناك، وهناك شارك زميله الملحن حميد البصري في تأسيس “ فرقة الطريق الغنائية “ التي ضمت بالإضافة إلى السيد والبصري، المطرب سامي كمال وجعفر حسن وعازف الإيقاع حمودي عزيز والمطربة شوقية، عملت هذه الفرقة عدة سنوات في اليمن بطابعها الحيوي المعروف، حيث أغناها كمال السيد بألحانه الرائعة. غادر كمال السيد اليمن بعد أن قضى عدة سنوات فيها إلى سوريا، وهناك أسس كمال السيد مع زميل منفاه الفنان كوكب حمزة “ فرقة بابل الغنائية “ عام 1983 وبالإشتراك مع المطربين فلاح صبار، سامي كمال وسالم البهادلي، وعازف الإيقاع حمودي عزيز، ثم انضم إليهم صوتان نسائيان وهما حنان وشقيقتها جنان سامي كمال. لقد كانتا “ فرقة الطريق “ وفرقة “ بابل “ الصوت الحقيقي للإنسان العراقي المنفي، حيث كانت الأغنية الوطنية والتراثية تشكل المصدر الروحي الملهم لهاتين الفرقتين. قدم كمال السيد عشرات الألحان لهاتين الفرقتين نذكر منها أغنية “ مضايف هيل “ للشاعر مظفر النواب، وأغنية “ هلاهل “ بصوت المطرب فلاح صار، والأغنية الشهيرة “ ويها يا أهلنا “ والتي تقول في مستهلها:

ويها يا أهلنا واحنه منها وبيها

بغداد شمعة ولا هوه ايطفيها.

في كل بلد يحل فيه كمال السيد ضيفاً (لاجئاً) كان يسعى لتشكيل نواة لفرقة أطفال، كان أهمها الفرقة التي شكلها في سوريا والدانمارك، حيث ضل كمال السيد يدرب الأطفال على الموسيقى والغناء سنوات عديدة. من أغانيه الجميلة التي لحنها للأطفال أغنية “ أجمل وطن “ و “ يا بلبل الصباح “ و “ يا بنيات المحلة “ و “ ما أبسط الحياة “ و “ يمه يا يمة “ و “ قلم التلوين “ والأغنية الرائعة “ محروس يا عراقنا “ وغيرها الكثير.

(من المهم أن نذكر في حديثنا عن الملحن كمال السيد أغنية “ هي ولك يا بلام “ التي غناها المطرب حسين نعمة، والتي قال عنها الملحن المبدع كوكب حمزة: “ إن هذه الأغنية من أهم الأغاني العراقية، لأنها تكشف لنا الجرأة الكبيرة التي يحملها ملحن الأغنية، والتركيبة الخاصة لها، حيث شملت الكورال والوقفات الموسيقية الدقيقة، والمهارة الفائقة التي أبداها الملحن كمال السيد في الإنتقال من (كوبليه) إلى أخر وبالتالي الإنتقال من نغم إلى لآخر «.

تعمق إحساس الملحن كمال السيد في غربته التي نحتت في ذاكرته صورة العراق وهو بعيداً عنه جغرافياً، فأبدع ألحاناً تعد صوراً حقيقيةً لغربة العراق التي عاشها تحت وطأة حكم الدكتاتور، فسمعنا منه أغنية “ كل سنة وإنت طيب يا وطني الحزين “ و “ يا غريب الدار “ بصوت المطرب قحطان العطار، وأغنية “ أبو المواني “ بصوت المجموعة، وهي أغنية جميلة جداً تمتزج فيها روح التراث العراقي وحلاوة الأغنية الحديثة، وأغنية “ ترافة وليل “ من كلمات الشاعر مظفر النواب، والكثير من الأغاني التي كان يؤديها كمال السيد بصوته في الحفلات العراقية التي كانت تقام في بلدان المنافي.

عرفته عام 1974 في بغداد هادئا خلوقا دمثا “ سريع البديهية والنكتة في آن واحد “ لا تفـارقه آلتـه(العود) إلا ماندر وافترقنا ثم التقيت به في دمشق منتصف الثمانينات وكان قد افتتح محلا للتسجيلات الصوتية اضافة الى انشغاله في التلحين لاكثر من فرقة ومطرب وكذلك مساهمته في وضع الالحان والموسيقى التصويرية لاغلب المسرحيات التي تقدمها الفرق المسرحية العراقية آنذاك في دمشق قرابة الأربعين عام.

في الثاني عشر من تشرين الأول عام 2001، نُقل كمال السيد من داره التي كان يقيم فيها مع آخر زوجاته السيدة إيمان عبد الجبار الجزائري وولده “ كيم الحسين “ إلى إحدى مستشفيات كوبنهاكن، على أثر مرض عضال لم يمهله كثيراً، ففاضت روحه العاشقة للعراق في يوم الرابع والعشرين من الشهر نفسه، ودفن في المقبرة الإسلامية التابعة للعاصمة، حيث تجمع أصدقاؤه ومحبوه من العراقيين والعرب والدانماركيين، وكانت مراسيم دفنه تليق برجل خدم الفن العراقي.