ثورة العمال الصامتة..كيف بدأ إضراب العمال الشهير سنة 1931

Sunday 22nd of May 2022 10:35:56 PM ,
5188 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

شهاب احمد الحميد

حين تولى نوري السعيد اول وزارة في 23 اذار 1930 اصدر موافقات سريعة على الاتفاقيات البريطانية المبرمة سابقا وعمل على توثيق الانظمة والتعليمات الانكليزية حيث تميزت وزارته الاولى بكثرة اصدار القوانين والانظمة وكان من بينها قانون الرسوم البلدية الذي اشتمل على (114) حالة من حالات فرض الرسوم ثم الزام دفعها حتى على نزاحي المياة الثقيلة وصباغي الاحذية والحمالين.

لقد طرح هذا القانون على مجلس النواب في جلسته الاربعين حيث نوقش في العاشرة من صباح العاشر من اذار 1931 وكان النقاش فيه محتدماً بين النواب واول المتحدثين النائب احمد الجليلي وكان قد ايد ضمنياً تشريع القانون لوجود مادة في الدستور تتيح للبلدية جمع مثل هذه الرسوم.

اما النائب ابراهيم عطا رباشي فقد وصف هذا القانون بانه نوع من الرسوم الثقيلة التي ترهق كاهل المواطن ودعا الحكومة الى تخفيفها شارحاً الحالة المزرية التي يعانيها المعنيون بدفع الضرائب من اصحاب معامل الثلج والصودا والطابوق وغسالي الملابس وصقالي الجلود والدباغين والحدادين وغيرهم من اصحاب الحرف.

ان صيف عام 1931 كان صيفاً ملتهباً ساخناً في وقت مبكر مشفوعاً بغليان شعبي متفجرحيث استقال ثلاثة من اكثر نواب بغداد قوة احتجاجاً على مناقشة قانون ادارة البلديات فذكروا في بيان الاستقالة (ان الادلة والبراهين قد توفرت لدينا بان الحكومة لم تحترم الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور ولم تعبأ بأحكام القوانين في تنفيذ اغراضها وغاياتها التي لم تأتلف والصالح العام) وكان هؤلاء النواب هم من الذين تناوبوا على رئاسة الوزارات السابقة وهم السادة رشيد عالي الكيلاني وياسين الهاشمي وعلي جودت الايوبي: ترى الا يفرز هذا الموقف السياسي المعلن على رؤوس الاشهاد موقفاً تعزيزياً للنضال العمالي المشروع في المطالبة بحقوقهم المهدورة؟

قام عمال السكك الحديد باضرابهم الثاني الذي تكلل بالاتفاق بين مدير السكك الحديد ووفد جمعية اصحاب المصانع والحرف لكن الالتفاف على مطاليب عمال السكك كان السبب المباشر في التهيئة الجماهيرية لاعلان اضراب الرسوم البلدية بل ساهم في ايجاد قاعدة عمالية متحمسة لتعبئة الاضراب بالتزام وانضباط عال وتنديد الخلاف بين مديرية السكك وجمعية اصحاب الصنائع. انتهى الاضراب الثاني الذي قام به عمال السكك بموجب اتفاق تم بين اصحاب الصنائع ومدير السكك الحديد وحسمت القضية في 1931/4/3 في مكتب وزير الاقتصاد والمواصلات حيث كان الوزير المختص وسيطاً في حل الخلافات بين الطرفين. ومبدئياً نفذت ادارة السكك الشروط التي تم الاتفاق عليها لكن مديرية السكك قلبت ظهر المجن للعمال وعمدت الى مخالفة قسم من نقاط الاتفاق الامر الذي دعا طلب معاونة الوزير المختص لاجبار السكك على تنفيذ بنود الاتفاقية لكن الوزير المختص لم يتدخل بشكل حاسم فظلت الحالة عائمة فبدا التأجيل والتسويف طلبت اثناءه مديرية السكك اختيار احد أمرين مدعية انها كانت مرغمة على تنفيذ احدهما وهما: أ- الموافقة على تنسيق عدد معين من العمال العراقيين لسد اجورهم والنقص الموجود في ميزانيتها. ب- الموافقة على توزيع هذا النقص على اجورهم. تمت الموافقة على الطريقة الاولى لكن (انحاز الوزير المختص لجانب السكك في الوقت الذي كان فيه الاختلاف بين السكك وجمعية اصحاب المصانع بالغاً ذروته) وحدث ان اصدرت أمانة العاصمة قراراً يقضي بمنع الباصات الكبيرة من السير بالشوارع العامة...

انتهزت جمعية اصحاب الصنائع هذه الفرصة لمجابهة السكك وتمت دعوة اصحاب الباصات لتشكيل شركة نقل اهلية قوامها السيارات الممنوعة لنقل الزوار بين بغداد والاماكن المقدسة وكانت الفرصة سانحة لقرب مراسيم عاشوراء وتعهد فريق من رجال الدين والوجهاء على معاضدة هذا المشروع فانسحبت جمعية اصحاب الصنائع عن تنفيذ الاضراب الثالث المتوقع حدوثه. اعتقدت جمعية اصحاب الصنائع ان هذا الاجراء يكبد السكك اضراراً مادية كبرى اكثر مما يكبدها الاضراب فعملت على اخراج هذه الفكرة الى الوجود وهي بنفس الوقت تنعش العمال المنكوبين برزقهم من خلال تشغيلهم في هذه الشركة الاهلية لكن مدير السكك شعر بفحوى الخطة فهرع راكضاً الى وزير الداخلية لاقناعه بسحب القرار القاضي بمنع الباصات من السير في الشوارع العامة وكان له ما اراد فأصدرت أمانة العاصمة بياناً بتأجيل موعد التنفيذ الى اشعار اخر بدل ان يتم منع الباصات اعتباراً من 1931/7/1.

هذه النتيجة السلبية انسحبت على العمال وتلقوا صدمة ثانية لكن العمال لم ييأسوا بل ازدادوا صلابة واصراراً على مواصلة النضال وكان هذا التصرف قد شكل مسكاً لزمام المبادرة في قيادة النضال العمالي واصطف معه الرأي العام بمختلف طبقاته وشرائحه الاجتماعية فكسب العمال تأييد الرأي العام الامر الذي أدى الى وقوف كل القوى الوطنية الى جانب القضايا العمالية الموجهة اساساً ضد المصالح والوجود البريطاني في العراق وكان الاضراب الثاني لعمال السكك قد بدأ في 12 شباط 1931 فكانت حقاً تعبئة جماهيرية. قامت جمعية اصحاب الصنائع والحرف بالتعاون والتنسيق مع بقية الجمعيات المهنية العمالية.

وهنا انبرت الصحافة السياسية والقوى الوطنية والقومية تعبر عن تقديرها واعجابها بوحدة القوى العاملة العراقية وفي الوقت نفسه أثنت على المنهج الكفاحي الحازم والمستقل للحركة النقابية في تحديها للشركات الاجنبية وغطرسة المدراء الانكليز وتواطؤ ادارة الحكم الخاضعة لمشيئتهم. استطاع هذا الواقع الجديد بلورة التنظيم النقابي من خلال توحيد جهوده ونصرة عمال السكك حيث تشكلت لجنة خاصة من منتسبي جمعية اصحاب الصنائع وعمال الميكانيك لجمع التبرعات لعمال السكك الذين دام اضرابهم اكثر من(21 يوماً).

ومن باب حشد التأييد لمطاليب العمال المضربين خرجت من جامع الحيدر خانة مظاهرة سلمية عقد بعدها اجتماع عام في مقر جمعية اصحاب الصنائع والحرف حضره بعض من الاعيان والنواب ووفود من هيئات وجمعيات العمال وجماعة من العلماء والصحفيين والادباء والقيت في الاجتماع خطب وقصائد حماسية متنوعة كانت ذات تأثير في رفع الحماس الوطني وتحشيد الرأي لصالح الحركة النقابية.

عقدت جمعية اصحاب الصنائع والحرف اجتماعاً مساء السبت الموافق 27 حزيران 1931 رفعت على اثره مضبطة الى (حضرة صاحب المعالي وزير الداخلية الافخم) خلاصتها: ان جريدة الوقائع الرسمية بعددها المؤرخ في 1931/6/14 نشرت قانون رسوم البلديات رقم 86 لسنة 1931 موضحة فيه عدم قدرة المشمولين بدفع الرسوم على دفعها للضيق المالي الذي يعانيه العمال بسبب البطالة المستشرية بين صفوف العمال طالبين الرأفة بتخفيف الضرائب معلنين الاعتذار عن تطبيق القانون المذكور، وكان عدد الموقعين على المظبطة (23) رئيس صنف من اصناف الصنائع والحرف وهم كل من: 1- رئيس جمعية اصحاب الصنائع في العراق 2- عن رئيس لجنة عمال الميكانيك في العراق 3- رئيس جمعية البقالين 4- رئيس صنف الحدادين 5- رئيس صنف البزازين 6- رئيس جمعية تعاون الحلاقين 7-رؤساء البنائين 8- رئيس صنف الخدم والطباخين 9- رئيس صنف خياطي العبي 10- شيخ الصبياغ 11- رئيس صنف قصابي البقر والمعدان 12-رئيس النجارين 13- صنف النساجين 14- رئيس القهوجية 15- رئيس عمال الاحذية 16- رئيس الكوازين 17- رئيس مصلحي وبائعي الدراجات 18-رئيس الاطرقجية 19-رئيس الصباغين 20- رئيس الشركجية 21- رئيس صنف خياطي الالبسة 22- رئيس القصابين 23- رئيس العلافين ثم قام وفد منتخب من الرؤساء المذكورين اعلاه بتسليم المضبطة الى وزير الداخلية بمكتبه فوعدهم بالاهتمام بها خلال يومين - ثلاثة كما وعدهم وكيل رئيس الوزراء الذي كان حاضراً في مكتب نفس الوزير بنفس الموعد. المواطنين مطالبة الحكومة بالاستجابة للنداء المعمول النزيه المطالب بالغاء او تخفيض الضرائب ناعتة المضابط التي قدمت هي نوع من الاستصراخ العمالي مشيرة الى ان الاجهزة الامنية باتت تلاحق رؤوس الاصناف المهنية وان العمال لم يحصلوا الا على المواعيد والمماطلات لذلك قرروا الاضراب العام في 5 تموز 1931.

عن كتاب (الثورة الصامتة)