في أيام الأحتلال البريطاني..ضرائب طريفة وغريبة فرضت على العراقيين

Monday 16th of May 2022 12:41:38 AM ,
5183 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

فلاح محمود البياتي - عبد الكريم حسين عبد

فرضت الحكومة البريطانية بعد استقرارها في معظم مدن العراق ضرائب كثيرة، عّدت دافعيها (دلالة ظاهرة للعيان تدل على اعتراف العرب بالخضوع... يعتبر مقياساً بارزاً للولاء)، أثقلت كاهل الشعب العراقي، بعضهم لم يألفها في الحكم العثماني،

في تنظيم مراقبة بيع وتجهيز المشروبات الروحية، ورسمي الطوابع وعلى جثث الموتى، وأوجبت على الناس دفع ضريبة ماء الشرب والبناء وضريبة الوردية التي تؤخذ على حيوانات الأجرة، وما يجبى من إثمان الحيوانات التي تباع في السوق (الميدانية) وغيرها، والتي بلغ مجموعها المالي عام 1919-1920م، ضعف ما جمعه العثمانيون في السنة المالية1911-1912م.

كانت ضريبة الدفن لجثث الموتى مربحة، وتؤخذ على من يتجاوز عمره ثلاث سنوات ممن يدفن في مقبرة النجف حيث بلغت حصيلتها عام 1918م (48000) روبية، فضلا عن الضريبة المتممة لها (الكرنتينة) الحجر الصحي، هي الأخرى حققت ربحا كبيرا للمحتلين بلغت قيمتها في العام نفسه (53000) روبية، ويذكر الحاكم السياسي في تقريره عن ضرائب النجف (إن ما جمعناه في الربع الأول من سنة 1918م يزيد على مثيله في السنة الماضية)، وبذلك تحول الاحتلال البريطاني إلى عبء اقتصادي ثقيل على كاهل العراقيين، الذين لم يستطيعوا مجاراة الحالة أو السكوت عنها، بل وجدوا في التصدي للاحتلال ما يضمن الغاء أو تخفيض تلك الضرائب، والتي حللها المؤرخ (عباس العزاوي) (لا يرجح هذا العهد بوجه على ما سبقه من العهود والعصور، فان ضرائبه فتكت بالاهليين وجعلتهم لا يشبعون خبزا وان التحكم بلغ الذروة، وتجاوز المعهود المعقول والاستطاعة، ولو قابلنا الضرائب في العهود السابقة بضرائب هذا العهد لوصلنا إلى نتائج محزنة جدا، ولما امكننا إلا إن نتضرع إلى الله تعالى أن يبصر العتاة بان يقللوا من شرهم)، ووصفت جريدة الفرات النجفية أسلوب جمع الضرائب بأنهم سلبوا (الحب حتى من منقار الطائر) واستخرجوا (المخ من العظم) وضاعفوا (الخراج إضعافا للزراع)، ومارسوا أبشع الوسائل في جمعها من خلال استخدام الطائرات لإرهاب الناس، فضلا عن أكساء الهارب من دفع الضريبة ملابس حمراء والطواف به في سوق المدينة، والتي لا تخلوا قواعدهم الرسمية من جلد المخالفين.

ومنعاً لانتشار الاوبئة على صحة جنود الاحتلال، فرضوا غرامة قدرها (10) روبية على كل من يتغوط في الطرقات، و(5) روبية على من يتبول فيها، ونفذوا الامر بالضرب والشدة والاهانة التي استخدمها (الميجر ديلي) في الديوانية، الامر الذي اظهر نتائجه على سمات نظافة بعض مدن العراق، لكن عامة الناس تذمروا من هذه السياسة والاسلوب المتخذ في الحد من تلك الظاهرة.

فرقت حكومة الاحتلال بين شيوخ العشائر في سياسة جمع الضرائب وفقا لولائهم للسلطة المحتلة، فمنهم تم اكرامه بسخاء وشطبت ديونه وخفض ما يدفعه من ضرائب إلى اكثر من النصف، كما حصل مع الشيخ (فالح الصيهود) في منطقة قلعة صالح من (9000) ليرة تركية إلى (1,600) ليرة زائدا (200) ليرة عن كودة الاغنام، في حين خفض قليلا ايجار الشيخ (زبون الياسر) من (14000) ليرة إلى (7,600) ليرة زائدا كودة قدرها (193) ليرة، تبعا لموقع اراضيهم المهمة في زحف القوات المحتلة، وبقيا ممثلين رسميين لحكومة الاحتلال بصفة مؤقتة في منطقتيهما.

ركزت السلطة البريطانية على استخدام العراقيين في إعمال السخرة لاستكمال مشاريعها الاستعمارية ومراكزها العسكرية، التي وجد جنودها فيهم وسيلة هيمنة في التهكم والاهانة على السكان العراقيين، واعترف حاكم الشنافية البريطاني بأنه (استخدم عدد من العمال في بناء سكة الحديد، وكنا نلجأ إلى جمع العمال بالقوة في حالات كثيرة)، فضلا عن استخدام سياسة النفي خارج العراق للمعارضين العراقيين لسياستها، وإزاء تلك السياسة القاهرة، قامت الثورات والانتفاضات الشعبية والعشائرية في معظم مدن العراق، ففي النجف قتل الكابتن (مارشال) عام 1918م، ثم قيام ثورة 1920م في اكثر مدن ومناطق عشائر العراق.

كما وجدت السلطة البريطانية وسائل أخرى في جمع المبالغ لإدامة مواردها المالية، فأجبرت المواطنين على دفع مبالغ كبيرة باسم التبرعات، منها لبناء الملاجئ للجنود في بريطانيا ولتشييد صرح كبير يمثل القائد (مود) وتبرعات للصليب الأحمر، وبأساليب كثيرة دعوتها الناس على دفع مبالغ التبرعات الكثيرة مؤلفة لجان من مختلف الطوائف لجمعها، وحصلت على مبالغ كثيرة من اخذ الدية (الفصل) من القاتل وفقا لإجراءاتها التي اعتمدتها في حل مشاكل الفلاحين على التحكيم العشائري، في بلورتها لإصدار قانون اسمته (نظام دعاوى العشائر المدنية والجزائية).

صادرت السلطة البريطانية بعض الأراضي الزراعية بحجة إقامة معسكراتها أو شق الطرق فيها، والاستيلاء على دور الملاكين لإيواء الجند، الذي ولد شعوراً بالغيض وعدم الرضا ينتشر بين أصحاب الدور، واستملكت عدة مقاطعات من أصحابها ولاستخدامها لأغراض حكومية تشرف عليها دائرة الواردات، ولم يسلم من أسلوب المصادرة أصحاب الحوانيت والفنانون وأمثالهم من المساس بأوضاعهم، ووضعت بريطانيا اليد على بعضها لأغراض عسكرية، فضلا عن فرض ضريبة الأملاك عليهم من مبلغ الاجار السنوي.

نتج عن انتفاضة النجف عام 1918م، عقاب جماعي ومعاملة استبدادية من خلال حصار القوات البريطانية لمدينة النجف أربعين يوما ذاق سكانها فيه أنواع المشقات والهلاك، فضلا عن دفع غرامة قدرها خمسين ألف روبية وتسليم آلف بندقية ونفي مائة شخص من الثائرين إلى الهند كأسرى حرب.

بعد فشل ثورة الأكراد في السليمانية عام 1919م في مقاومتهم السلطة البريطانية بقيادة الشيخ (محمود) وصهره الشيخ (غريب) قبض عليهما وحكم على الشيخ (محمود) بالإعدام ثم استبدل بالحبس لمدة عشر سنوات، وحكم على الشيخ (غريب) بالحبس خمس سنوات ودفع غرامة مقدارها (عشرة ألاف) روبية.

وفي انتهاء ثورة العشرين، أصدرت السلطات البريطانية قائمة غرامات توجب على عشائر الفرات الاوسط دفعها ممن شاركت في الثورة ضدها على النحو التالي:

غُرم شيخ عشيرة آل فتلة (شمران) ألفي روبية وسبعمائة بندقية، وغُرم الشيخ غالب السلطان ألف روبية مع خمسمائة بندقية، وجرت على عشيرة طفيل دفع آلفين روبية وخمسمائة بندقية ومائتي رأس غنم وألف رأس بقر، وتغريم عشيرة البراجع ثلاثة ألاف روبية وخمسمائة بندقية، وغرمت عشيرة خفاجة ثلاثة ألاف روبية ومائتي بندقية، فضلا عن مصادرة مواشي عشيرة آل فتلة بحدود آلف رأس من البقر وثمانية ألاف رأس غنم وخمسمائة رأس خيل، وفرضت على مدينة كربلاء تسليم أربعة ألاف بندقية نصفها من الطراز الحديث ومائة رصاصة مع كل بندقية وبخلاف ذلك تؤدي غرامة مقدارها عشرين ليرة عثمانية عن كل بندقية وروبية عن كل رصاصة لا تسلم، وفي منطقة الشامية سلمت عشائرها ثمانية ألاف بندقية ومائتي ألف خرطوشة، وغرمت مدينة النجف على دفع ثلاثمائة بندقية أو بدلها إحدى وثمانين ليرة ذهبية، وفي الشمال فرض الميجر (لونكريك) غرامة على مدينة (كفري) بتسليم خمسمائة بندقية ودفع عشرة ألاف روبية، وبهذا الأسلوب حققت السلطة البريطانية ضربة ساحقة لقوى الثورة في جميع إنحاء العراق جميعا، وتهيأت لهم إمكانيات كبيرة في الحفاظ على تفوقهم العسكري والتكتيكي وتقوية مركزهم الذي تزعزع خلال الثورة.

كذلك مارست سياسة التفريق وتمزيق اللحمة الأسرية والعشائرية من خلال مصادرة أملاك الشيوخ ومنحها إلى مجاميع أخرى ممن تماشت سيرتهم مع سياستها لتخلق فجوة كبيرة بين الأسرة نفسها عندما أصدرت حكم الإعدام على الشيخ (شخير الهيمص)، وأمرت بمصادرة أراضيه وإعطائها إلى شقيق شيخ عشيرة البو سلطان (عداي الجريان) (المعتمد من قبل السلطات الانكليزية)، وجرى الأمر نفسه على عشيرة بني مسلم التي صادرت أكثر أراضيها في منطقة الهندية بعد ثورة العشرين ومنحتها إلى الشيخ (حميد ألبو صافندي) رئيس عشيرة الكرافة، لتدب فيهم روح النزاع وتمزيق وحدتهم بما يضمن نجاح سياستها وتنفيذ أمرها عند العشائر الأخرى.

عن بحث (سياسة الاحتلال البريطاني للعراق في منطقة الفرات الاوسط 1917-1920م)