بقية الحديث عن الأسرة الشابندرية ببغداد

Monday 16th of May 2022 12:38:07 AM ,
5183 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

رفعة عبد الرزاق محمد

كنت قد كتبت في أيام سابقة عن الاسرة الشابندرية ببغداد، البيت التجاري والسياسي المعروف، فعلق احد الاصدقاء الافاضل طالبا المزيد، ولاسيما عن المرحوم محمود جلبي الشابندر. والحقيقة ان الحديث عن الاسر البغدادية القديمة يعد من التاريخ الاجتماعي الجدير بالتحقيق،

وقد فطن اليه عدد من المؤرخين البغداديين، فسجلوا لنا ما سجلوه عن الاسر والبيوتات والمجالس، وبقي الاكثر حبيس الصدور لدى عدد محدود من الناس وأغلبهم درجوا الى رحمة الله، فضاع الكثير من هذا التاريخ الاجتماعي، في الوقت نفسه التي أصبحت المدينة، واعني بغداد على وجه الخصوص، خليط كبير لا يعبر باي حال من الاحوال عن تاريخها، حتى لفترة قريبة الانقضاء، واصبح البغداديون أقلية في مدينتهم، بعد ان تركت الكثير من الاسر بغداد وتفرقت في اصقاع الارض، حتى ان بعض هذه الاسر لم يبق منها احد يعول عليه في حفظ تراث اسرته ! وان أبدى بعض الوافدين اليها بعض التبغدد، واصبح الحديث عن التاريخ الاجتماعي لبغداد له ما يبرره تاريخيا واجتماعيا..

هذه مقدمة سريعة، وددت التنويه بها قبل الحديث عن الاسرة الشابندرية في هذا الاستدراك، متمنيا ان ينال قبول السائل الكريم، معتمدا على رسالة جامعية مهمة عن المرحوم موسى الشابندر،قدمتها الباحثة سـعـاد عـبـد الجـبـار كـاظـم عـلـي، وهي بحث أهل للتقدير والاكبار لما تضمن من جهد واضح، قلما تجده في بعض الرسائل المقدمة لنيل الشهادات العليا.

لم يشِرْ موسى الشابندر في مذكراته، أو في أحاديثه للصحافة العراقية إلى أصول أسرتهِ بشكل واضح، إذْ اكتفى بالقول: « إنهم من رعايا الدولة العثمانية وإن أخواله اتراك وأن عمه صالح من سكنة اسطنبول وإنه من أسرة تنتمي إلى الطبقة الوسطى في بغداد». يبدو أن سبب عدم ذكر موسى الشابندر إلى نسب أسرته يعود إلى اعتبارات سياسية على الأرجح، منها التمثيل الدبلوماسي لدى عائلته، واستلامهم المناصب الرفيعة في عهد السلطات العثمانية.

تزوج (محمد سعيد) ابن الحاج أحمد أغا الشابندر من احدى كريمات عائلة عبد الغني الراوي فأنجبت لهُ ولدين هم (صالح) و (محمود)، فبالنسبة لصالح فلم يكن عندهُ أولاد سوى أربع بنات، وتزوجت إحداهنّ من محمود شكري الآلوسي أحد علماء بغداد، أما محمود الابن الثاني لمحمد سعيد الشابندر فتزوج من قمر كما ذكرنا سابقاً، وأنجبت له ولدان كان أحدهما موسى الشابندر والثاني الذي شغل مناصب دبلوماسية عدَّة منها وزير الخارجية في حكومة الدفاع الوطني في وزارة رشيد عالي الكيلاني عام 1941، فتزوج من وداد السباعي من أصل شامي أبنة عبدالكريم السباعي، وأنجبت منهُ (محمود) و(غيدة)، وتزوجت غيدة من مصطفى الخالدي من أصل لبناني، فأنجبت منه بنت أسمها ديما محل سكنها في الولايات المتحدة الأمريكية.

أن عميدالاسرة (محمد سعيد جلبي الشابندر) وهو ابن الحاج أحمد أغا الشابندر، من كبار تجار بغداد، من سكنة الأعظمية، كان محباً للخير والإحسان(كما يقول الاستاذ وليد الاعظمي. وعلى وفق التقارير البريطانية كان أول تاجر مسلم سكن بغداد عام 1887م. وبنيَ له قصرين مطللين على نهر دجلة، في الأعظمية في محلة السفينة، سكنهما في فصل الصيف، وحولهما بستان، وله مجلس عامر بالأعيان والتجار والأكابر، وأوصى ابنهُ محمود أن يدفنهُ في حديقة الدار، وأن ينشأ له مسجد بجوارها وهو الذي تولى تعلية أرض جامع الإمام الأعظم وكان ينقل التراب من محلة (النزيزة) بالنصّة، وأعطيت لهُ تلك الأرض مقابل دفنها.كما بُني له مسجداً في العمارة وأوقف له أملاكاً وذلك بموجب الوقفية المؤرخة في غرّة رمضان عام 1886م، وبُني له الآخر في بعقوبة عام 1900م، عندما كان شيخاً ومديراً للمدرسة الرشدية.

بني مسجد الشابندر في الأعظمية محلة السفينة عام 1904، تقدر مساحتهُ 100م2 تقريباً، ويحتوي على حرم مستطيل صغير سقفهُ معقود بالآجر المتين على شكل أطواق وأمامه طارمة وغرفة مرتفعة على سطح الأرض تحتها سرداب وتكون على الجهة اليمنى من المسجد، وساحة صغيرة، ومحل الوضوء، وباب رئيسة توّجت بالكاشاني كتب عليها بعد تعميره جامع الشابندر عام 1938.

في عام 1937 أضيفت لهُ قطعة أرض من حديقة القصر المجاور له قدرت مساحتها (300)م2 بنيت فيها غرفة واسعة بجانب غرفة السرداب وبنيت أمامها طارمة تقوم على شكل أسطوانتين متوّجتين بنقوش جميلة كما توّجت الطارمة بالآية الكريمة:﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾ وفيهِ أيضاً ساحة مبلطة بالكاشي يصلّون فيها وقتي المغرب والعشاء في فصل الربيع والصيف وحديقة تميزت بغرس أشجار النارنج والورد والتين والياس بجانبها، وخلف الحرم المسجد غرفة صغيرة للأثاث، وكان الجامع بإدارة الحاج أمين محمد العلو وبقيَ مدة من الزمن تحت إشرافه ومن ثم تركهُ إلى السيد عبد الوهاب أفندي المختار، وبقي فيه إلى أن توفاه الله عام 1946، ومن ثم تعيّن بعده الشيخ هاشم الأعظمي حتى عام 1949، وبعد ذلك أعطيت إدارته إلى الحاج حسن عبد الرزاق الأعظمي.

كان لمحمود جلبي دور بارز في الميدان الثقافي، إذ كانت لديه مطبعة الشابندر التي انشأها عام 1907 والتي طبع فيها كثير من المؤلفات ونشرها على نفقته الخاصة. وتُعدُّ أول مطبعة بخارية استعملت في العراق، وهي الوحيدة من نوعها الموجودة في بغداد تعمل بالبخار حينذاك، وتميزت بتفوقها بطاقاتها وإمكانياتها على مطبعة الولاية آنذاك التي استوردها والي العراق المصلح مدحت باشا لإصدار أول صحيفة في بغداد والعراق هي صحيفة (الزوراء)، وقد قامت أيضاً بطبع الكتب الأدبية والتراثية والعلمية والقانونية، فضلاً عن عدد من الصحف والمجلات والسالنامات التي تم صدورها في بغداد منذ تأسيس هذه المطبعة باللغة العربية واللغات الأُخرى. وكانت له أيضاً مكتبة فخمة تجمع بين المؤلفات القديمة والحديثة ونوادر الكتب المخطوطة، فضلاً عن امتلاكهم المقهى المشهورة (مقهى الشابندر) الواقعة في ركن شارع المتنبي، مقابل مدخل سوق السراي من جهة القشلة، وقد شيّد في موقع مقهى الشابندر أول مطبعة عربية ـ تركية في أواخـر العهد العثمـاني وفي الطابق العلوي في المبنى تقع مكاتب صحيفة (الكرخ)، وصحيفة (حبزبوز) في الثلاثينيات، وما يزال المقهى التراثي قائماً لحد الآن، على الرغم من المحاولات اليائسة لتحويله إلى محلات تجارية.(انظر مقالنا: زمان الوصل في الشابندر).

كما كان لأسرة محمود جلبي الشابندر مجلس عامر في دارهم الواقعة على رأس الجسر القديم يجمع أرباب الفضل والكمال وأعيان البلدة يعقده محمود جلبي الشابندر بنفسهِ، ويتردد عليه وجوه التجار أعقبه بعد ذلك ابنه إبراهيم الشابندر أخو موسى الشابندر الصغير الذي شغل مناصب عدّة منها: عضوية غرفة تجارة بغداد، والمصرف الزراعي، والصناعي، ووزير المالية، وانتخب نائباً للبرلمان لدورات عدَّة، وعُرف أيضاً في العديد من المشاريع الخيرية، منها: عضوية ورئاسة جمعيات حماية الأطفال، ومكافحة السل، والهلال الأحمر، والجمعيات الخيرية الأخرى.

ودعاه والدهُ (موسى كاظم) نسبةً إلى ما هو مذكور في النفوس العثمانية على اسم جده (موسى المشير)، ونشأ موسى الشابندر في أحضان والديه محمود جلبي الشابندر الذي كان موفراً له المربيات الكرديات، فكانت مربية موسى الشابندر اسمها فاطمة، ومربية أخيه إبراهيم اسمها مصرى، ووالدته قمر موسى كاظم أصلها شركسية تركية أسمها (الشركسي كان كبيجان) من القفقاز التي كانت أحد الأقاليم التابعة للدولة العثمانية، وهاجرت من قفقاز إلى استانبول بعد استيلاء روسيا عليها، وقتل والدها أثناء الحرب الروسية العثمانية عام 1877-1878 وتبناها المشير موسى كاظم باشا جد موسى الشابندر ومن بعده سموها (قمر) وتزوجت من محمود جلبي الشابندر، وتوفيت في الثالث عشر من كانون الثاني عام 1914 على أثر إصابتها بمرض الطاعون.

من المقربات لموسى الشابندر بعد والدته قمر جدته عدولة والذي كان يجلس إلى جانبها دائماً ويحسُّ بالحنان، عندما يضع رأسه على ركبتيها ويغفو وهي تقص القصص عليه، أما المربية التي كان يحبهـا موسى بعـد أُمه، وجدته عدولة ويميل إليها بالحب هي (داد نادر) الذي كان يسمع قصصها بشوق كبير. أما محمود بن موسى الشابندر فتزوج من عائلة الدملوجي، وله منها بنت وولد، سكنا ببيروت أما الأبن الثاني فهو إبراهيم بن محمود جلبي الشابندرالمتوفى عام 1958 الذي شغل منصب وزير المالية في وزارة مصطفى العمري عام 1952 كما كان عضواً في محكمة التمييز العراقية سابقاً، وقد تزوج إبراهيم من عائلة فتاح باشا وله بنت واحدة اسمها سهيلة وثلاث أولاد هم سنان وسمير وسعيد وهم كانوا من تجار بغداد تاجروا بالأراضي الزراعية والعقارات والسيارات.( بالنسبة لسنان وسمير فرحلا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أما سعيد فقد أغتيل في بغداد عام 2006، في حين لا تزال سهيلة تعيش في بغداد منطقة المنصور، دور السود، ولن تسمح لأي شخص كان لمقابلتها أو يتكلم معها (هاتفياً) لظروفها الصحية).