رواية خطيرة عن مصرع الملك غازي

Wednesday 11th of May 2022 10:39:33 PM ,
5181 (عراقيون)
عراقيون ,

اعداد: ذاكرة عراقية

نقل السيد جواد هبة الدين الحسني عن صهره السيد محسن ابو طبيخ الشخصية السياسية والاجتماعية الكبيرة في العهد الملكي رواية خطيرة عن مقتل الملك غازي سنة 1939، ننقلها هنا نقلا عن كتاب السيد جميل ابو طبيخ (مذكرات بغداد) لأهميتها التاريخية الفائقة.

يقول الاستاذ جواد هبة الدين الحسيني:

تحدث السيد محسن ابو طبيخ مساء السبت 12تموز عام 1958 ضمن الحديث عن العائلة المالكة الهاشمية والامير عبد الاله والملك غازي ومقتله قال: وانا اشعر في نفسي بألم روحي من انني كنت من احد الاسباب لمقتله من حيث لا ادري.. قلت له كيف؟ قال: قبل مقتل غازي باربعة ايام عدت الى البيت ظهر الخميس 30 آذاربحسب المعتاد وبعد تناول الغذاء. ذهبت لاخذ قسطاً من نوم القيلولة المعتاد عليه وكانت الساعة حوالي الواحدة من بعد الظهر.. وقبل ان انام اخبروني بان الامير عبد الاله يطلبك على الهاتف. فاخذ يحدثني ويعتذر عن ازعاجي بهذا الوقت ويطلب ممني ن الحضور الى قصر الزهور بالسرعة الممكنة؟..لامرخاص يهم العائلة المالكة.فأجبته سأكون عند سموه خلال نصف ساعة.. فشكرني وقال:انا بانتظارك..وفي الحال توجهت بسيارتي اليه..وكانت الساعة في الثانية ربعاً فوجدت الامير عبد الاله واقفا عند الباب الداخلية للقصر ينتظرني وعلى وجهه دلائل الارتباك مما زاد في دهشتي وبعد ان حييته وصافحته قلت له خير ان شاء الله؟؟ فقال تفضل الى الداخل حيث العائلة المالكة بانتظارك!! وتقدم هو امامي الى داخل قاعة الاستقبال فوجدت في القاعة الملكة نفيسة زوجة الملك علي والدة الامير عبد الاله وبجوارها ابنتها الملكة عالية زوجة الملك غازي ثم الاميرة راجحة شقيقة الملك غازي وحولهم شقيقات الاميرات عابدية وصليلة وبديعة فسلمت عليهن فطلبوا مني الجلوس..فقلت:خير ان شاء الله!! قالت الملكة نفيسة والدة عبد الاله:ياسيد محسن نعتذر اليك اولاً عن ازعاجك واستدعائك الينا بهذه الساعة!! ولكن الضرورة اقتضت ذلك..وقد تداولنا فيما بيننا واردنا ان لا نطلع احداً على ما يدور بيننا من امور عائلية الا لك لانك اقرب من نعرفه الينا..وانك من حماة هذا العرش ومن صلاتك القديمة بجلالة المرحوم الملك حسين ثم الملك فيصل رحمه الله واخوته الاخرين. ولثقتنا التامة بك وبحبك واخلاصك لهذا البيت رأينا الاستعانة بك في مشكلة حدثت عندنا صباح هذا اليوم ونريد منك التدخل في حلها،مع صاحب الجلالة الملك غازي وصاحب السمو الامير عبد الاله.حيث حدثت بينهما مشادة كلامية حادة طلب على اثرها صاحب الجلالة من سمو الامير مغادرة العراق هذا اليوم الى الاردن دون تأخير..وقد خرج جلالته منفعلاً جداً وغاضباً اشد الغضب..وهو الان في البلاط ينتظر تنفيذ امره..لذا نريد منك الذهاب اليه في البلاط لتهدئته وازالة انفعاله ومحاولة اقناعه بالعدول عن امر الابعاد هذا وبهذه السرعة!! ولانريد ان يسمع احد بهذا الخلاف.. حيث ان لك منزلة محترمة عند جلالته ولااحد غيرك نطمئن اليه لعلاج هذه الحالة..فقلت لهم:لتكن العائلة الكريمة مطمئنة..واني ان شاء الله سأقابل جلالته الساعة واسترضيه واطلب منه العدول عن هذا الامر واملي ان يلبي جلالته طلبي. وفي الحال توجهت الى البلاط.ودخلت على رئيس التشريفات تحسين قدري وسألته عن وجود جلالة الملك؟ فقال: انه في مكتبه فسألته ان كان معه احد من اعضاء الحكومة؟ فقال:لا..فقلت له:هل كلمك جلالته بشيء؟ فقال: لم يكلمني ولكنه منفعل كالغضبان على شيء..فقلت له:اود ان يأذن لي بمقابلة جلالته!!فدخل تحسين لحظات عليه ثم عاد وقال لي:تفضل بالدخول. فدخلت عليه واديت التحية له..فاستقبلني الملك غازي مرحباً..ولكن الغضب كان بادياً على وجهه..فطلب مني الجلوس وقال لي:اظنك جئت من “قصر الزهور”؟ قلت نعم يامولاي!! وهل عند جلالتكم خبراً بذلك؟ قال:لا!!ولكن تصوري ان العائلة المالكة قد اتصلت بك!! لانها تحسن الظن فيك وتثق بك!! فقلت له:اذا كان هذا رأي جلالتكم ورأي العائلة الكريمة بي..فأرجوا ان تخبرني ياصاحب الجلالة،بالامر الذي حدث مع ابن عمكم الامير عبد الاله؟؟ فقال الملك بانفعال شديد وبالحرف الواحد:ياسيد!! ان ابن عمي هذا يتآمر مع اعدائي علي!! وكلما انهاه عن التقرب منهم ولزوم الابتعاد عنهم!!فانه لا يلتزم بأمري بل يزداد قرباً منهم واني اخشى ان يقتلوني وهم ليسوا بخافين عليك انت..واتصالاتهم مستمرة مع السفارة البريطانية لهذا الغرض. وهم الان يخططون لادخال “عبد الاله” في صفهم ضدي!!هل ترتضي انت بذلك؟؟ فقلت له:كلا!! ولكني اخشى من كثرة المنافقين الذين يريدون التفريق بين جلالتكم وابن عمكم!! ولا اعتقد ان عبد الاله سيصل الى هذا الحد مع اعدائكم كما ذكرتم!! لانه ابن عمكم.. وخال ولي عهدكم الامير فيصل!!فمن هو اقرب منه الى جلالتكم؟؟ لذا فاني ارجو من جلالتكم التساهل مع ابن عمكم في ان تؤجلوا ما امرتم به الى وقت آخر يكون مناسباً له..

فقال الملك بانتباه..وكيف ترى ذلك؟ فقلت له:اذا كان لابد من ابعاده عن العراق فليس بهذه السرعة..ولابهذا الاجراء!!ومن رأيي ان تأمروا جلالتكم باصدار ارادة ملكية في تعيين سمو الامير عبد الاله سفيراً لجلالتكم في دولة تختارونها له..

فيكون ابعاده عنكم لا يثير التساؤلات حوله وتزيلون شك جلالتكم فيه فهو افضل لجلالتكم..واكثر احتراماً لابن عمكم الامير امام اعدائكم جميعاً..فسر الملك غازي بهذا الرأي..وقال لي:اشكرك ياسيد..وسوف انفذ رأيك هذا خلال هذا الاسبوع ان شاء الله، وباصدار ارادة ملكية بتعيينه سفيراً في احدى العواصم..فشكرته كثيراً..واستأذنته بالعودة الى قصر الزهور لاخبار العائلة المالكة بذلك.. فقال:لك ذلك فودعته واتجهت الى قصر الزهور واخبرت الامير عبد الاله والعائلة بذلك فشكروني جميعاً لهذا المسعى وودعتهم وكانت الساعة قد قاربت الخامسة مساءً..وبعد ثلاثة ايام فوجئت بنبا مقتل الملك بسيارته في عملية محفوفة بالشكوك حول مقتله للتخلص منه. وجيئ بالامير عبد الاله وصياً على العرش وذلك في 4 نيسان 1939.

وادركت ان مسعاي عند الملك غازي بشأن تأجيل ابعاد عبد الاله وموافقته عليه وشكر عبد الاله والعائلة المالكة لي كان خطوة من الخطوات الناجحة التي ساعدتهم في مقتل الملك.ولو ان الملك كان منفذاً امر ابعاده الفوري وخروجه من العراق لربما كان قد غير مجرى ماصمم المتأمرون عليه.وهذا ما كان يشغل فكري والله اعلم بعواقب الامور