الملك غازي والطبقة العاملة

Wednesday 11th of May 2022 10:35:53 PM ,
5181 (عراقيون)
عراقيون ,

زينب جبار العكيلي

بالامكان القول هنا ان شعبية الملك غازي ازدادت بعض الشيء، عندما ابدى تعاطفه مع مشاعر الشعب العراقي مؤيداً للمقاطعة الشعبية التي أعلنت بوجه شركة الكهرباء الانكليزية، التي أبت تخفيض أجور الكهرباء في بغداد، حيث استخدم في البلاط اللوكسات بدلاً من الكهرباء وذلك في تشرين الثاني 1933،

فضلا عن ذلك كان الملك غازي خلال اتصاله بالناس عند زيارته لبعض الأماكن العامة، أو افتتاحه لبعض الاعمال، أو وضعه حجر الأساس لبعض المباني، أو رعايته لبعض الجمعيات الخيرية والإصلاحية، يظهر في تعامله معهم أقصى حدود الاهتمام والتواضع، إذ كان يقود سيارته بنفسه ويسير بين الناس، حتى انه كان يحتج عندما خصصت الحكومة مجموعة من الشرطة لابعاد أي مكروه عنه، لأنه كان يريد ان يكون لقاؤه بالناس بعيدا عن التكلف. وبتلك الروحية كان يستمع إلى شكاوى الناس واحتياجاتهم فيساعدهم احياناً من جيبه الخاص، فأصبح له لذلك كله وقع خاص في نفوس العراقيين، حتى صاروا يحسون بان مليكهم يعكس طابعهم حسب التعبير الموفق للمؤرخ لطفي جعفر فرج.

واذا ما أردنا ان نلقي ضوءاً اسطع على موقف الملك غازي من شكاوى واسترحامات الطبقة الفقيرة، فقد وجدنا ان الكثيرين من الفقراء والمحتاجين بعثوا باسترحاماتهم إلى الملك، للحصول على عمل ليكسبوا منه قوتهم بعد أن جاهدوا كثيراً للحصول على ذلك من دون جدوى.

على أية حال، ظهرت اهتمامات الملك غازي باحتياجات سكان العراق بصورة عامة، والبصرة بصورة خاصة من خلال جولته إلى جنوب العراق في نيسان 1934، حيث طلب الاهتمام بموضوع الرسوم الكمركية التي تفرضها حكومة الهند على التمور العراقية التي ارتفعت من 7‌% الى 30‌%، فطالب الملك بان تهتم الحكومة بتلك الامور وتعمل على حماية الثروة الوطنية.

كما امر الملك غازي بإنشاء جسر حديدي على شط العرب في كرمة علي. والاهم بالنسبة لنا انه خلال إقامته واطلاعه على وضع بلدية البصرة أمر بضرورة إزالة الأكواخ (الصرائف)غير الصحية المنتشرة في البلدية انتشارا هائلاً،وأمر بتشييد دور للعمال من أصحاب الاكواخ، بعد ان امر بزيادة ماخصص لبلدية البصرة من ميزانية الاعمال الرئيسة بمبلغ وصل الى 5000 دينار.كما حث الملك غازي في تلك الجولة بلدية البصرة على الاسراع في عملية تمليك البلدية للعرصات الأميرية، وضرورة إيصال الماء الصالح للشرب للأحياء التي تقطنها الطبقة الفقيرة.

ولم تقتصر جولات الملك فقط على جنوب العراق وانما قام بجولة تفقدية في شمال العراق في التاسع من حزيران 1934، فقضى خمسة أيام فيها، افتتح خلالها جسرها الحديدي، ثم قصد الوية اربيل وكركوك والسليمانية. اذ قابل الملك غازي في رحلته تلك،ولاسيما في الموصل، وفداً من اشرافها واعيانها وقدموا له مطاليب الاهالي والمشروعات التي يرجون من الحكومة الاهتمام بها. وقام الملك غازي في اثناء تلك الجولة بتوزيع أكثر من خمسة وعشرين ديناراً على فقراء مدينة الموصل عن طريق متصرف لواء الموصل.

كانت جولات واهتمامات الملك غازي هذه، إبان السنتين الاوليين من حكمه ولكنه بعد ذلك انصرف الى اهتماماته الخاصة وترك شؤون الحكم. كما تؤكد التقارير الدبلوماسية البريطانية.

أكد الملك غازي في خطاب له أمام مجلس الأمة في التاسع والعشرين من كانون الأول 1934، ان الوزارة الحاضرة قد اعتزمت السير بشؤون البلاد وفق خطط خاصة اتخذتها لتأمين تقدمها ماديا وأدبيا، وبيّن الملك أن العلاقات مع الدول الأجنبية مستمرة بصورة ودية وان حكومتنا باذله كل ما في وسعها لتعزيز هذه الصلات وفق ما تقتضيه مصلحة البلاد، كما تحدث عن أمر الصحة العامة وتحسين حالتها فقد نالت برأيه قسطاً كبيراً من العناية،وانه قد تم بذل مساع كثيرة لتثبيت الوضع المالي على أسس سليمة واقتصادية لإنماء ثروات البلاد وايجاد مؤسسات مالية هامة تساعد على ترفيه حالة الشعب.

من الجدير بالذكر ان سياسة الملك الاقتصادية كانت تسعى لرفاه الشعب على أساس جعل مستوى الحياة يكفل لكل فرد الحصول على حاجاته الضرورية المادية والمعنوية، وذلك عن طريق قيام الحكومة بمشاريع صناعية لازمة للبلاد وإنشاء بنك للدولة للسيطرة على مالية البلاد، وحصر الإقراض الزراعي والعقاري والقروض الأخرى بالبنوك الحكومية لإنقاذ الناس من إرهاق المرابين، وإنشاء القرى العصرية، وردم المستنقعات، وإنقاذ الفلاحين من مضار الأهوار.

وفي خطاب للملك غازي امام مجلس الأمة بتاريخ 2 تشرين الثاني 1935، أكد فيه ان الحكومة تسير وفق الخطة المرسومة لها بعلاقتها مع دول الجوار)تركيا وإيران) وعقدها معاهدات الصداقة معهما، ثم بيّن الملك أن المذكرات التي جرت مع بريطانيا بشأن حسم قضية السكك الحديد قد تمت بشكل مرضِ. ثم استرسل الملك قائلا: “ ان الحكومة منصرفة لفتح المصرف الزراعي الصناعي في حينه، واتخاذ التدابير لتوسيع نطاق الاستفادة من منتوجات البلاد الزراعية والصناعية، وقد باشرت في تنظيم شؤون القرى والقصبات والصحة والمعارف على أسس متينة، والتحري مستمر عن المياه لاغاثه الاهلين”. كما شدّد الملك على اهتمامه بالطبقة العاملة من خلال تداول مجلس النواب لوائح تخص العمال، كقانون العمال وحصر المهن بالعراقيين، وغير ذلك من الأمور التي يتوقف على تطبيقها نجاح المملكة وتقدمها.

ولا تخلو من مغزى الاشارة هنا الى أنه خلال العامين 1934و 1935حقق ميناء البصرة نجاحات على جميع الأصعدة، إذ أدى إلى فائض مالي أكثر من السنوات السابقة فضلا عن الزيادة الكبيرة في حجم الصادرات من التمور والحبوب وهذا الذي عوض عن التراجع البسيط في الواردات. وفي 14 كانون الثاني 1935 ترأس الملك غازي حفل افتتاح خط أنابيب نقل النفط من كركوك إلى البحر المتوسط الذي بنتهُ شركة نفط العراق في كركوك، اما في نهاية 1935 بدأ العمل بإنشاء معمل تكرير، الغرض منه هو إزالة بعض المواد غير المرغوب بها من النفط الخام وفي الوقت نفسه الحفاظ على بعض المكونات فيه.

من المفيد أيضا الاشارة إلى انه خلال عام 1935، قررت حكومة الملك غازي في كانون الثاني من العام نفسه عدم المضي في تنفيذ مشروع إنشاء سكة حديد بين بغداد – حيفا، بعد ان تضاءل الاهتمام بهذا المشروع، وكانت النية متجهة لربط بغداد بالموصل بسكة حديد، اما بشأن لائحة قانون حصر المهن بالعراقيين، تلك اللائحة التي أعطت الحق للحكومة بحصر ممارسة المهن بالمواطنين العراقيين، فبعد أن قدمت إلى مجلس النواب في 2 كانون الاول 1935، جوبهت بمعارضة وانتقادات عديدة لأن بعض موادها تتعارض والتزامات العراق الدولية، ولاسيما تلك التعهدات التي قُبِل العراق على أساسها عضواً في عصبة الأمم، مما دفع بمجلس الوزراء إلى إلغاء كل ما يتعارض مع تلك التعهدات أو القانون الدولي.

لكن الملك،على الرغم من ذلك لم يجد ان القانون كافٍ، وفي رأيه، كان على الحكومة العراقية إذا كان لها ان تحترم التزاماتها في هذا الشأن ان تستثني من القانون جميع الأشخاص الذين يمارسون في وقت وضعه موضع التنفيذ مهناً وحرفاً يشملها القانون. وقد انصرمت سنة 1935 وكان هذا الموضوع في محل تداول مستمر.

ضمت وزارة حكمت سليمان، التي شكلت في 29 تشرين الاول 1936، مجموعة من الشخصيات الوطنية، أهمها جعفر ابو التمن الذي شغل منصب وزير المالية، لذلك لم يكن غريباً ان تستقبل هذه الوزارة مظاهرة تأييد كبرى في بغداد شارك فيها ما يقرب من 50 الف متظاهر، كان جلهم من العمال بعد أن استبشر العمال بالعهد الجديد، آملين ان تتاح لهم الفرصة الملائمة للحركة والمطالبة بالحقوق المشروعة للطبقة العاملة، بعد فترة التضييق التي مارستها ضدهم وزارة ياسين الهاشمي الثانية، وكان أمل عمال النفط كبيراً جداً بأن يلقى نضالهم من اجل نيل حقوقهم اهتماماً كبيراً من لدن الوزارة الجديدة.في ظل أجواء كهذه سارت في 3 تشرين الثاني الجماهير صوب جامع الحيدرخانة فخطب كل من محمد صالح القزاز، ومحمد مهدي الجواهري وغيرهما خطباً في تمجيد الحركة، ثم مشت المظاهرات على هيأة مواكب وهي تهتف بحياة الملك وبحياة الجيش، والوزارة الشعبية، ولم تقتصر المظاهرات على بغداد فقط وانما شملت معظم مدن العراق.

ومن الضروري التطرق هنا إلى الاتفاقيات الخاصة بالعمال التي عقدها العراق بعد دخولهِ عصبة الأمم، واشتراكه في مؤتمرات العمل،والتي أولاها الملك غازي شيئاً من الاهتمام، ولاسيما الاتفاقية رقم 41 بشأن استخدام النساء ليلاً المصادق عليها من قبل مؤتمر العمل الدولي في 19 حزيران 1934، إذ ذكر الملك أن السكرتير العام لعصبة الأمم قد ابلغ وزير خارجية العراق في 12 أيلول 1934 بنسخة مسودة من الاتفاقية، وقد نالت في 28 آذار 1937 موافقة السلطة التي يقع الأمر ضمن اختصاصها، واتخذت الإجراءات اللازمة لتنفيذ أحكامها، فقد بيّن الملك انه لدى اطلاعه على المسودة المذكورة والنظر فيها فقد قبلها وأيدها متعهداً بالقيام بإخلاص وأمانة بكل ما ذكر وورد فيها من مواد، وبذلك تم التوقيع عليها من قبل الملك في 1 اذار 1938.

لا تخلو من مغزى الاشارة الى أن المادة الثالثة من الاتفاقية نصت على أن: لا يجوز استخدام النساء ليلاً بصرف النظر عن السن في مصنع عام أو خاص، باستثناء المصانع التي يستخدم فيها أعضاء العائلة الواحدة فقط، في حين نصت المادة السادسة من الاتفاقية، على انه يمكن تخفيض ساعات العمل الى عشر ساعات خلال ستين يوماً في السنة في المؤسسات الصناعية الخاضعة لتأثير المواسم في جميع الحالات التي تقتضيها الضرورة، بالمقابل جوزت المادة السابعة للأقطار التي يجعل فيها المناخ العمل النهاري شاقاً بزيادة ساعات العمل على ان تكون مدة الليل اقصر مما جاء في المواد المتقدمة،وعلى ان يعوض ذلك براحة في اثناء النهار، في السياق نفسه اشارت المادة الثامنة الى أن الاتفاقية لا تشمل النساء اللواتي يشغلن مناصب ذات مسؤولية في ادارة الاعمال فلا يقمن باعمال يدويةعادة..

عن رسالة (الموقف الرسمي والشعبي من الطبقة العاملة 1932-1939))