من تاريخ الحركة الوطنية في العراق..الحزب الشيوعي العراقي وتنظيم الضباط الأحرار

Monday 11th of April 2022 01:02:41 AM ,
5163 (ذاكرة عراقية) (نسخة الكترونية)
ذاكرة عراقية ,

د. سيف عدنان القيسي

بادر الحزب للعمل الثوري في صفوف القوات المسلحة، وكان من أوائل القوى الوطنية التي توجهت لايجاد مواقع لها بين صفوف الجيش منذ عام 1935،و كان الحزب قد خاطب الجيش جنوداً وضباطاً ومراتب للوقوف الى جانب الشعب وتحويل بنادقهم الى صدور الحكام لا الى إخوانهم من الفلاحين وذلك في البيانات الى قوات الجيش التي أرسلت لضرب تمرد الفلاحين في سوق الشيوخ والفرات الاوسط،

وخطا بعد ذلك خطوة أبعد أذ عمل على تنظيم الجنود والمراتب في معسكر الكرنتينية في بغداد ,و كركوك عام 1936- 1938، وكيف آنتهى هذا النشاط على أثر إفتضاح أمرهم.

وأنشأ الحزب «إتحاد الجنود والضباط» على أثر إنتفاضة تشرين الثاني 1952، وتدخل الجيش ضد الانتفاضة , رأى الحزب ضرورة اتحاد وبناء دعم واسع له في صفوف الجيش وإقامة علاقات ودية معهم ولاسيما أن الجيش هو القوة التي يعتمد عليها وهي الركيزة الاساسية للنظام الملكي ورأى في الانقلابات العسكرية هي بالاساس تعتمد على الجيش.

وعمل الحزب الى بذل مزيد من الاهتمام لكسب وتنظيم منتسبي القوات المسلحة سواء في الاطار الوطني العام أو في الإطار الحزبي , فبادر الحزب خلال إنتفاضة 1956 الى العمل الصدامي ضد القوات الحكومية, وأدّى جمال الحيدري عضو اللجنة المركزية دوراً بارزاً في هذا النشاط فقد قاد الفرق المسلحة في إنتفاضة 1956.

وتنامت قناعة الحزب الشيوعي وأمله في أهمية دور الجيش في أية ثورة وطنية ,ويذكر في هذا الصدد صالح مهدي دكله عضو منظمة بغداد للحزب الشيوعي انه تسلم مسؤولية التنظيم العسكري وكان لديه عدد من الضباط الشيوعيين سواء من هم بالخدمة الفعلية أو المسرحين , ومعظمهم من الشباب ومن ذوي الرتب الصغيرة (ملازم الى نقيب), وكان لهم صلات بعدد من الأنصار والمؤيدين , وهذه المنظمة العسكرية التي تعمل ضمن اطار اتحاد وطني للجنود والضباط , قد أصدرت نشرة دعتها «الاتحاد الوطني» ومرة «الاتحاد» والتي نظر اليها العسكريون من غيرالشيوعيين ذوي الرتب المتوسطة والكبيرة , بشيء من الصدود، لاسيما ان الحزب تستلم ملاحظات بضرورة إيقاف تلك النشرتين , لان أجهزة النظام السياسي السرية اهتمت بملاحقة الحركات المعارضة في الجيش وبالفعل أوقف الحزب الشيوعي صدور النشرة، وكان تنظيم الحزب العسكري برئاسة فاضل مهدي البياتي ويضم في عضويته إضافة إليه كلاً من إبراهيم حسن الجبوري وموسى إبراهيم، كما شكل إتحاد الجنود والضباط لجنة خاصة بهم بأسم «اللجنة العليا لحركة الضباط الأحرار» وانضم إليها الكثير من القادة العسكريين العاملين في الوحدات الفعالة التي كانت تنسق مع الجبهة الوطنية لعام 1957.

وبعد أن أستجاب الحزب لدعوة الضباط الاحرار، كانت له (أي الحزب) علاقات غير رسمية وغير منظمة مع عبدالكريم قاسم زعيم تنظيم الضباط الاحرار وكانت إتصالاته مع الحزب عن طريق رشيد مطلك(مرافق نوري السعيد) وهو صديق شخصي له ووصفي طاهر ابن عم الشيوعي زكي خيري، ويؤكد زكي خيري أن وصفي طاهر لم يكن حزبياً ملتزماً بل كان صديقاً للحزب وعلى إتصال وثيق بسلام عادل سكرتير الحزب.

وفي صيف عام 1956 زار رشيد مطلك عامر عبدالله عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي مرسلاً من عبدالكريم قاسم ونقل عزمه على الإطاحة بنظام الحكم الملكي عن طريق عمل مسلح سيقوم بتنفيذه خلال مناورات الخريف القادم وطلب رأي الحزب في الخطة والدور الذي يستطيع أن ينهض به لدعم الثورة.

ولكن هذه المناورات قد ألغيت قبل إجرائها بثلاثة أيام، وتقرر أرسال عبدالكريم قاسم على رأس جحفل الى الاردن للدفاع عنه تجاه الاعتداءات الاسرائيلية وكان هذا الاجراء يخفي وراءه مؤامرة لاحتلال سوريا من الجيش العراقي ومساعدة بعض العناصر الموالية للعراق في سوريا.

وفي عدة مناسبات خلال عام 1958، وفي الاشهر التي سبقت الثورة إلتقى قاسم مباشرة بكمال عمر نظمي، العضو الشيوعي في اللجنة الوطنية العليا لجبهة الاتحاد الوطني، بعد أن كان يجري كل مرة إجراءات إحترازية كاملة , ومن الملاحظ ان تصرف قاسم واتصاله بالشيوعيين قد عد تصرفاً شخصيّاً, ومن دون علم اللجنة العليا للضباط الاحرار لأنها منذ أول يوم لتأسيسها منعت كل إتصال، بين تنظيم الضباط الأحرار والمدنيين، وعند قيام الجبهة عام 1957 تزايدت جهودها ضمن الجيش وأخذت اللجنة العليا للضباط الاتصال بالجبهة الوطنية لتحذيرها من نشاطها في صفوف الجيش، ولبت القوى الوطنية ومن بينها الحزب الشيوعي، الذي بين إن «إتحاد الجنود والضباط» التابع للحزب لن يكون حجر عثرة في طريق الضباط الاحرار، وتوقف الاتحاد عن توزيع دعايته المطبوعة الا إن علاقات الحزب بعبد الكريم قاسم قد إستمرت.

وإستغل الضباط علاقة أحزاب المعارضة بالمحركين الخارجيين وخاصة بالرئيس جمال عبدالناصر للحصول على مساندة مصر والاتحاد السوفيتي لها في حالة حدوث تدخل محتمل من جانب دول حلف بغداد في العراق.

ويذكر عامر عبدالله عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، أنه في ربيع عام 1957، كان مع (سلام عادل) في غرفة فوقية في أحدى الدور وأقترح عليه السفر الى سوريا، وان أمكن الى الاتحاد السوفيتي للبحث في إمكانية تأمين مساندة الاتحاد السوفيتي للثورة تلبية لطلب قاسم، فسافر الى سوريا وألتقى هناك بخالد بكداش سكرتير الحزب الشيوعي السوري وأخبره بالحقيقة وعن موقف الجيش وتطور الحركة الثورية في صفوفه، وموقف الحزب الشيوعي من هذه المسألة، وقد قال أنه يعرف أسم عبدالكريم قاسم نقلاً عن رئيس الاركان السوري وقتذاك اللواء عفيف البزري الذي كان ضمن الفريق السوري الذي إلتقى بقاسم بالقرب من درعا(أحدى المدن السورية) وأثمرت تلك المساعي في سوريا في تدبير بعض الامور التي كان يحتاجها الحزب وقتذاك وكانت حمولة ثقيلة.

ووجد الحزب الشيوعي في مساهمة الشبيبة العراقية في التحضير والمشاركة في مهرجان الطلبة والشباب العالمي الذي أقيم في موسكو بين 28 من شهر تموز الى 12 من شهر آب 1957، مناسبة لاتعوض لتعبئة الشباب والطلبة والنساء والنقابات، من أجل إسناد ودعم الشعب العراقي على الصعيد الداخلي، وأعد الوفد المسافر الى المهرجان للقيام بعمل دعائي من أجل إسناد ودعم الشعب العراقي ضد حلف بغداد.

وفي معرض حديثه عن زيارته للاتحاد السوفيتي ومحادثاته هناك اشار عامر عبدالله بأنه إلتقى بجمال الحيدري وجورج حنا تلو، وكان جمال قد وجد فرصة للعبور الى سوريا أبان سفرته الاستطلاعية في المنطقة الشمالية وأما جورج فكان في سوريا مؤقتاً وقد إتفق مع قيادة الحزب الشيوعي السوري على السفر الى موسكو لاجراء محادثات مع اللجنة المركزية هناك، وإتفقا بعد مداولة قصيرة وبناء على قرار من الحزب أن يعود جورج الى العراق» وأن نتريث نحن الاثنان لاجراء المحادثات المنتظرة مع اللجنة المركزية، ولقد أبدى السوفيت إهتماماً كبيراً بمهمتنا وبراحتنا خصوصاً بعد أن إطلعوا على ظروف العمل الشاقة التي كان يعيشها حزبنا، غير أننا أستأذنا منهم للعودة الى العراق في اليوم نفسه الذي أنهينا فيه محادثاتنا معهم».

وأضاف عامر عبدالله ومن محاسن الصدف أن يدُعى الحزب الشيوعي العراقي لحضور مؤتمر الاحزاب الشيوعية والعمالية الذي تقرر عقده في موسكو بمناسبة الذكرى الاربعين لثورة أكتوبر 1917، وتقرر أن يكون على رأس وفد الحزب الى المؤتمر سكرتير اللجنة المركزية سلام عادل وبعد المؤتمر أجرى وفد الحزب محادثات مع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي حول الامر، وألتقى بالسكرتير العام للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي نيكيتا خروشوف، وأعاد طرح الامر عليه فأجاب بأن الاتحاد السوفيتي سيقف الى جانب الشعب العراقي ويساند ثورته المقبلة ضد الاستعمار ومن أجل تحرره وسيادته الوطنية.

عن رسالة: الحزب الشيوعي العراقي ودوره في الحركة الوطنية العراقية.