في ذكرى رحيله في 10 نيسان 1956 .. بطي في رأي الأب الكرملي

Monday 11th of April 2022 12:48:04 AM ,
5163 (ذاكرة عراقية) (نسخة الكترونية)
ذاكرة عراقية ,

رفعة عبد الرزاق محمد

طبع كتاب»الادب العصري في العراق الادبي»لرفائيل بطي، في المطبعة السلفية بمصر لصاحبها الشيخ محب الدين الخطيب سنة 1923، وتولى نشره وتوزيعه نعمان الاعظمي، صاحب المكتبة العربية ببغداد، وثمنه ربيتان ونصف وثلاث ربيات للمجلد (الاستقلال 12 آب 1923).

وفي مقدمة الكتاب اوضح بطي انه اراد بهذا الكتاب ابراز صورة مجسمة للادب العصري في العراق وتبيان الطريقة التي يتبعها شعراؤنا وكتابنا في نظمهم ونثرهم، ويذكر انه لم يتسن له درس ادبائنا كلهم درساً مدققاً لذا اسهب في تعريف بعضهم واوجز في ذكر الاخرين، وكان بوده ان يفتتح الكتاب بنبذة في الادب قديماً وحديثاً، لكنه رأى اخيراً ترك ذلك الى كتاب آخر في نقده الادب العراقي وقد ذكر في مكان آخر ان ذلك الكتاب في اربعة اجزاء.

ولم يصدر من كتاب الادب العصري سوى الجزأين الاول والثاني من قسم المنظوم، والشعراء الذين تناولهم هم: جميل صدقي الزهاوي، معروف الرصافي، عبد المحسن الكاظمي، محمد رضا الشبيبي، محمد حبيب العبيدي، خيري الهنداوي، كاظم الدجيلي، علي الشرقي، محمد الهاشمي، عبد الحسين الازري، محمد مهدي البصير، محمد حسن ابو المحاسن، محمد السماوي، محمد حسين كاشف الغطاء، محمد باقر الشبيبي، عبد العزيز الجواهري. وقد كتب ترجمة الثلاثة الاخيرين من هذا الجزء بالجزء الثالث من قسم المنظوم، ولم يطبع هذا الجزء الى يومنا هذا ويضم الشعراء: احمد الفخري، رضا الهندي، عطا الله الخطيب، محمد مهدي الجواهري، ابراهيم منيب الباجه جي، شكري الفضلي، قاسم الشعار، منير القاضي، عبد الرحمن البناء، جواد الشبيبي.

وما ان بدأ نعمان الاعظمي، صاحب المكتبة العربية، ببغداد، توزيع الكتاب في العراق، حتى بدأت حركة ادبية مثيرة مع ظهور الكتاب الذي جمع نصوصاً جيدة لكبار ادباء العراق، ممن كانت متفرقة في بطون الصحف والمجلات، وقد عرضها مع بحث حيوي دقيق لكل شاعر باسلوب سهل منسجم بعيد –قدر الامكان- عن الاساليب الانشائية والخطابية التي تتجاوز الحقائق وتناقلت الصحف المهمة ببغداد خبر وصوله بكثير من الاهتمام والتنويه، وراحت تلك الصحف تسهب في تقريض الكتاب ومدح مؤلفه وما اسداه من خدمة كبيرة لتوثيق الحركة الادبية في العراق، وتبدو اهمية ذلك اذا ما علمنا ان المكتبة العراقية لم تعرف أي كتاب عن اعلام الحركة الفكرية وسيرهم ليجيء كتاب الادب العصري ليسد هذا الفراغ الكبير، ولا ريب ان صدور مثل هذا الكتاب الخطير كان مدعاة لدفع الحركة الادبية الى الامام، وقد عرفت تلك الحركة نشاطاً واضحاً في العشرينيات من القرن المنصرم، وقد اثار الكتاب معركة ادبية على الصفحات الثقافية من الصحافة العراقية.

رسائل بين بطي والكرملي

ولقد عثرنا في الرسائل المتبادلة بين الاب انستاس ماري الكرملي (ت1947) ورفائيل بطي، ما يفيدنا في هذا الموضوع فائدة وطرافة، ورسالة بطي الى الكرملي لم تنشر سابقاً اما رسالة الاب الكرملي فقد نشرتها مجلة”لغة العرب”في سنتها الرابعة (سنة 1926) وقد كتب الكرملي في وصف الكتاب:

عصري الوضع والتنسيق والتبويب على الطراز الذي يضعه الفرنجة في عهدنا هذا وبعملك هذا خلدت اسمك واسماء الشعراء نوابغ العراق علماً اني لا اخفي عليك سراً، وهو: انك صرحت في صدر عنوان كتابك بان سفرك هو كتاب تاريخي، ادبي، انتقادي اما كونه؟؟ ادبياً فمما لا انا ضلت فيه واما كونه تاريخياً انتقادياً، فما اطالبك به اشد المطالبة فاين التاريخ من كل ترجمة وقد جعلتها نغمة طنبور واحدة تعلي بها كعب الرجل، ولا تحدثنا عن تاريخ ايامه الشعرية من علو وسفل وحطة ورفعة، من ذكر حقائق ونظم شقائق، من جمع اراء غثة في جنب مذاهب سديدة، من اخلاق فيه رصينة وطباع فيه ممقوتة، فكأني بك فعلت فعل المصور الذي نقح صورة الرجل تنقيحاً لم يبق للناظر اليها اثراً من المصور وحتى جاء على غير ما هو من ظواهر خلقه.

فلهذا قلما ينتفع بوصفك من يريد ان يقف على دخيلة الشاعر فكانك فعلت ذلك خوفاً من انتقاض الناس عليك فاذا صح هذا الظن فكان يجب ان يراعى الحق في وضع الالفاظ في غرة الكتاب.

هذا من جهة التاريخ، واما من الوجه الانتقادي فاني لم أر في كتابك ادق اثر لهذا الامر الجلل، فأذا كان الانتقاد هو مجرد المدح من غير اظهار ما في المنتقد من روائع المحاسن ودقائق المعاني ومختار المباني وما بعكس ذلك، فلا يحق للقائل ان يدعي ان في كتابه نقداً، اللهم الا ان يجعل التاريخ ونقد الادب والعلم احراق البخور امام اصنام الهوى والاغراض والغايات، فذلك امر لا اتعرض لذكره..

ومن طرائف نقدات الكرملي في هذه الرسالة التي نقلنا قسماً منها قوله عن ما جاء في الكتاب عن الزهاوي: ثم انتخب نائباً عن المنتفق فذهب الى الاستانة واقفل المجلس بعد اشهر، فقال: هذا امر مضحك لا يليق بان يقال عن الزهاوي وان كان هو كاتب العبارة وكان الاجدر به ان يقول: فذهب الى الاستانة واتفق انه اقفل المجلس بعد اشهر حتى لا يبقى في فكر القارئ ان الزهاوي كان طائر شؤم لذلك المجلس فاقفل بعد نزوله الاستانة.

وفي اليوم التالي (7 آب 1923) بعث رفائيل بطي رسالة الى الكرملي ننشرها هنا للمرة الاولى لاهميتها التاريخية والادبية:

حضرة الاستاذ العلامة واللغوي المدقق الاب انستاس ماري الكرملي المحترم

سيدي المفضال

بعد التحية والاجلال تناولت كتابكم الكريم الساعة وشكرت لكم عنايتكم ولطفكم، وقد سررت جداً بنقداتكم واستفدت منها فائدة جزيلة لكني رأيت ان ابين لحضرتكم بعض النقاط التي وردت في الكتاب، واعدكم ان يبقى خاصاً كما طلبتم.

1ـ كانت النية جعل الكتاب تاريخياً انتقادياً حسبما يتطلب الفن لكني رأيت ذلك مستحيلاً في الوقت الحاضر ولا سيما في العراق لانحطاط العلم وضعف النفوس لذلك تروني اعتذرت عن البحث التاريخي في تاريخ الادب والنقد ووعدت بوضع ذلك في كتاب خاص هو جزء من هذا الكتاب (كما تجدون في الملاحظات التي تلي (كلمة) في الكتاب) واصرح لكم بان هذا الكتاب آلة للوصول الى غرض شريف جداً ارمي اليه وهو نشره على هذه الصورة ثم يبدي النقاد اعتراضاتهم ويجمعون على اعطاء الموضوع حقه من النقد فانزل الى الميدان في جزء النقد غير هياب ولا وجل ويكون في النفوس عندئذ استعداد لتلقي النقد. حيندئذ يكمل عنوان الكتاب ويحدث التطور الذي ننشده في الادب العراقي.

2ــ ان الاسراع في اخراجه حسب رغبة ملتزم طبعه جعله محشواً بالاغلاط ثم لا اخفي عليكم ان ابتعادي عن مجلس سيدي الاستاذ قد خسرني في هذا الباب خسارة كبرى.

3ــ نعم الملاحظة بشأن العناوين لمقاطيع الكلام في التراجم، وسأشير على الطابع في مصر ان يضع عناوين في قسم المنثور.

4ــ الشكر الوافر يقدمه اليكم جناني على تكرمكم بقبوله والنظر فيه واملي ان لا احرم الاستفادة من فضلكم وان شط المزار.

وتفضلوا بقبول فائق احترامي سيدي الاستاذ المخلص.