صفحات من سيرة نزيهة الدليمي.. الطبيبة المناضلة

Sunday 6th of March 2022 11:39:51 PM ,
5140 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

أعدتها: خانم زهدي

الدكتورة نزيهة الدليمي، هي احدى رائدات الحركة النسوية العراقية واول رئيسة لرابطة المراة العراقية واول وزيرة عراقية في تاريخ العراق الحديث ومناضلة سياسية واكبت النضال الوطني التحرري والديمقراطي طيلة اكثر من نصف قرن.

ومايلي شيءعن مراحل حياتها المليئة بالنضالات المتنوعة وعن نشأتها وحياتها الطلابية وحركة تحرير المرأة واول مؤتمر لانصار السلام ورابطة الدفاع عن حقوق المراة العراقية واول لقاء لها بنساء العالم ودورها في الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي ومجلس السلم العالمي ومجلة قضايا السلم والاشتراكية.

ولدت الدكتورة نزيهة الدليمي في عام 1926في بغداد، الأبنة البكر لعائلة مكونة من اربعة أخوة واختين نشأت في اسرة ذات دخل متوسط حيث عمل والدها مستخدماً في أسالة ماء بغداد وقد سعى والدها الى تنمية الاهتمامات الثقافية لدى بناته وأولاده عن طريق قراءاته للكتب التاريخية والأجتماعية أذ كان يقرأ لهم الصحف اليومية في لقاءاتهم المسائية، فأصبحوا متعلقين بجريدة (حبزبوز) ونقدها للاوضاع بأسلوب الساخر.فنّمت لديهم القدرة على المناقشة والتساؤل وأزاداد حبهم للوطن والشعب.

كانت طالبة في اعوام الحرب العالمية الثانية درست الأبتدائية والمتوسطة في مدرسة

(تطبيقات دار المعلمات) كانت المدرسة نموذجية واكملت دراسة الثانوية في الثانوية المركزية للبنات، لقد كانت تتأثر بما تدرسه من علوم وتحاول ربطها بما تشهده من الاوضاع ومن المعاناة المريرة التي يعيشها الشعب وخاصة بعد دخولها الكلية الطبية عام

1941-1942 وتتاثر بأراء صديقاتها وأصدقائها من الطلاب ذوي الاراء المتنورة والافكار الديمقراطية حيث توسعت مداركها عن طريق النقاش معهم.

تعرفت الدكتورة نزيهة ولاول مرة على نشاط (الجمعية النسوية لمكافحة الفاشية والنازية) عن طريق احدى صديقاتها فبدأت بالحضور لكل النشاطات التي تعقدها الجمعية كالندوات والمحاضرات التي تعمل من خلالها تبيان خطر الحرب والافكار الفاشية, شاركت في احد اجتماعات الجمعية التي حضرها (400 أمرأة) وهي جمعية علنية، ففي هذا الاجتماع تم تبديل اسم الجمعية الى رابطة نساء العراق وذلك بعد انتهاء الحرب وكان للجمعية مجلة بأسم (تحرير المرأة)، كانت الدكتورة عضو في الهيئة الادارية للجمعية وهي لازالت طالبة في الطبية، أغلقت الجمعية ومجلتها في بداية حملة نوري السعيد الارهابية ضد الحريات الديمقراطية، وفي بداية الحملة واوجها قررت الدكتورة نزيهة الانتماء الى حزب التحرر الوطني، وعندما لم يحصل الحزب على أجازة عمل من السلطة لأنه كان حزباً جماهيريا انتمت مع عدد من اعضاء اخرين الى الحزب الشيوعي العراقي.

تعرفت على مباديء الحزب الشيوعي العراقي وأفكاره من خلال النقاشات التي كانت تدور في الكلية بين الطلبة بالاضافة الى ما كان ينشر في الصحف أنذاك مثل جريدة حزب الشعب وجريدة الاهالي للحزب الوطني الديمقراطي وجريدة الوطن وصحف تقدمية ليبرالية اخرى، حيث كان الحزب الشيوعي يحوز على شعبية متميزة بين الطلاب مقارنة بالاحزاب الاخرى لوضوح اهدافه وصموده وصلابته وعدم مراوغته حول القضايا الوطنية وطروحاته الصحيحة.

كان للحزب نشاط متميز بين الطلبة وكانت الدكتورة احدى الناشطات في توزيع نشريات وادبيات الحزب وفي النشاطات التضامنية مع القوى الوطنية الاخرى، والمشاركة بالاضرابات.

تم ترشيحها للحزب عام 1947 ونالت شرف العضوية عام 1948، سنة وثبة الشعب العراقي ضد معاهدة بورتسموث والتي اشتركت فيها بنشاط وفي تلك السنة تخرجت من كلية الطب وأصبحت طبيبة.

ان عملها السياسي في صفوف الحزب الشيوعي العراقي ساعدها على ان يكون فهمها اعمق لان تتطلع عليها عن قرب وربط تلك المشاكل بشكل واع بسيطرة الاستعمار والاقطاع والتخلف في مختلف نواحي الحياة وخاصة بعد مساهمتها في مشروع منظمة الصحة العالمية

بعد تخرجها تعينت في بغداد أولا في المستشفى الملكي لقضاء فترة الاقامة ثم نقلت الى مستشفى الكرخ وفي هذه الفترة تعرضت الى الملاحقة من قبل التحقيقات الجنائية واستدعيت ثم بعدها نقلت الى السليمانية.. تميز عملها كطبيبة بصلات وعلاقات واسعة يومياً وتعرفت على معاناة الناس أكثر وكانت تقوم بعملها الوظيفي والتوعية بمختلف الاساليب.

نقلت بعد ذلك الى كربلاء وكانت تجربة جديدة تختلف عن بغداد حيث محيط كربلاء ومجتمعها المقيد والمحافظ جداً تجاه المرأة حيث أضطرت الى ارتداء العباءة والى مراعاة امور عديدة عندما كانت تذهب الى عيادة مريض في البيت.

في عام 1950 كان هناك مشروع لمكافحة مرض البجل حيث وافقت على الفور للعمل ضمن هذا المشروع ن كان غرض المشروع هو التقصي عن مرض البجل

وهو مرض من ا مراض الصحة العامة الشائعة في التجمعات Primitive syphilisالسكانية الواقعة حول المياه مثلا حول دجلة الى الموصل والفرات الى مدينة عانة ثم النزول الى الاهوار وكل مناطقها وهي مناطق واسعة.

هذه الجولات أتاحت لها فرصة الاحتكاك المباشر بالناس والتعرف على مشاكلهم واحوالهم التي لايمكن تصورها اجتماعياً وأقتصادياً، ومن خلال هذه الدراسة والتقصي تكونت لديها معلومات كثيرة تستند عليها لمتابعة الحالات المرضية،الا أن الفائدة الاكبرهي اعداد كراس خاص بأوضاع المرأة العراقية عموماً وبعد انتهاء مهمة التقصي الميداني عادت الى بغداد عام 1951 للعمل في المستوصف التابع للمشروع لمتابعة المرضى المصابين بالبجل وكان الكراس الذي اعدتة تتحت اسم (المراة العراقية).

في هذه الفترة تبلورت لديها فكرة اعادة نشاط (رابطة النساء العراقيات) وشرعت بتجميع النساء حيث بلغ عددهن (30 أمرأة) منهن خريجات الكليات ومنهن من عوائل المناضلين وعدد من المناضلات وباشرت بمناقشة ورسم اهداف الرابطة وبرنامجها واستغرق هذا الاعداد من الاتصالات والزيارات والاجتماعالات سنة كاملة حيث تقدمن بعدها بطلب الاجازة الرسمية تحت اسم (جمعية تحرير المرأة)وخلال فترة انتظار الموافقة حصلت الجمعية على تأييد واسع من قبل النساء في عموم العراق، الا أن الطلب رفض (بناءً على مقتضيات المصلحة العامة) الكليشة المعروفة للرفض....

ورداً على الرفض جمعت الدكتورة النساء وناقشن الرفض وقررن بالاجماع مواصلة العمل لتحقيق الاهداف والبرنامج المتفق عليه بشكل سري وتغير الاسم الى (رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية) و تم نشر الاهداف والبرنامج والنظام الداخلي لها ومن اهدافها

1.النضال من اجل التحرر الوطني والسلام العالمي

2. الدفاع عن حقوق المراة العراقية

3.حماية الطفولة العراقية

وفي العاشر من آذار 1952 أعلن عن تأسيس رابطة الدفاع عن حقوق المرأة والتي بدلت اسمها في المؤتمر الثاني في آذار 1960 (الى رابطة المرأة العراقية(

ومع مرور الوقت وبقيادة الدكتورة نزيهة اصبحت الرابطة الوجه المشرق للحركة النسائية التقدمية وجماهيرياً أصبحت عضويتها (42 الف عضو) قدمت الرابطة للنساء خدمات كبيرة وفي مقدمتها قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 وغيرها من المكاسب التي انتزعتها الرجعية والدكتاتورية ونظام البعث فيما بعد.

حضرت الدكتورة نزيهة المؤتمر النسائي العالمي في كوبنهاكن عام 1953 ولاول مرة وفي هذا المؤتمر اصبحت الرابطة عضو في الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي الذي كان مقره انذاك في برلين واصبحت الرابطة عضو دائم في سكرتاريتها وانتخبت الدكتورة عضو في مجلس الاتحاد ثم في مكتبه وفيما بعد نائبة رئيسة الاتحادالنسائي الديمقراطي العالمي وكانت تحضر كافة اجتماعات الاتحاد ومؤتمراته ولعبت دوراً مميزاً في نظام الاتحاد وبرنامجه وعمله فيما يخص موقف الاتحاد من الحركة النسائية سواء العربية او من البلدان (العالم الثالث) اي البلدان النامية، وبقت الدكتورة تنتخب لهذه المناصب في الاتحاد حتى عام 1979 حيث تأزمت المواقف بين السلطة والرابطة.

بعد عودة الدكتورة من مؤتمر كوبنهاكن عام 1953 وبناءاً على قرارات المؤتمر اعدت كراساً بأسم (المرأة تحل مشاكلها) تحت اسم مستعار، تضمن الكراس امثلة وتجارب واساليب عمل لحركات نسوية أخرى تحث المرأة على ان تأخذ قضيتها بيدها دون الانتظار من الاخرين ان يقوموا بحلها، وبقيت الرابطة تحضر مؤتمرات الاتحاد منذ 1953 والى اجتماع المكتب الاقليمي العربي للاتحاد في عام 2003.

لقد ساهمت الدكتورة نزيهة بحماس ونشاط ومن خلالها الرابطة في اعمال ونشاطات جبهة الاتحاد الوطني التي تأسست قبيل ثورة 14 تموز الخالدة الى انبثاقها ونجاحها ومن ثم عملت بجد والرابطة من اجل حماية مكتسباتها سواء في لجان صيانة الجمهورية او المقاومة الشعبية وتقديراً لدورها الفعال في حركة السلم والحركة الوطنية والحركة النسائية تبوأت اعلى منصب في الحكم الجمهوري واصبحت اول وزيرة عراقية في تاريخ العراق الحديث وعملت عن كثب من اجل تحقيق اهداف ثورة 14 تموز التي قامت من اجل الانعتاق من التبعية للاستعمار والاحتكارات الاجنبية ومن ربقة العلاقات الاقطاعية وللخلاص من النظام الملكي.