عفيفة إسكندر..ذكريات السنين

Wednesday 29th of December 2021 11:50:23 PM ,
5096 (عراقيون)
عراقيون ,

سامر المشعل

الحوار مع الفنانة عفيفة اسكندر يرجعنا الى الزمن الجميل، نتجول مع ذكرياتها في اربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضي، زمن الصدق والابداع، الذي أنجب عمالقة الفن العراقي على جميع الصعد، اذ كانت عفيفة في أوج انوثتها وجمالها وشهرتها،

وتميزت عن قريناتها باهتماماتها الثقافية وميولها المعرفية ماجعلها تفتح صالونا ادبيا لتكون قريبة من الشعراء والادباء وترتاده الى جانب الادباء الوجوه المعروفة آنذاك من الاطباء والمحامين والسياسيين وغيرهم.

وكان كبار المسؤولين في الدولة العراقية من ملوك وقادة ورؤساء ووزراء يطلبون ودها ويطربون لصوتها ويحضرون حفلاتها من دون حياء.

اللقاء بفنانة بمستوى عفيفة اسكندر يمثل لي فرصة ثمينة لانني سأقف عند تجربة ثرّة وتاريخ حافل بالابداع والذكريات وعندما ارتقينا سلالم العمارة ووصلنا الى الطابق السادس حيث تسكن عفيفة، وجدت ان الزمن قد فعل فعلته معها، وتركها فريسة امراض الشيخوخة بعدما سرق نضارتها وصحتها، تعاني من ساقها التي ما عادت تقوى على حملها، وشظف العيش واهمال المسؤولين لها.

دموع

الالم يعصرني وانا انظر الى ما آلت اليه الفنانة الكبيرة عفيفة اسكندر قلت لها: كان لك صالون ادبي يأتيه السياسيون والادباء في ذاك الوقت، الآن وبعد ان ذبل الجمال وراحت الشهرة، ما عاد احد يأتيك من السياسيين؟

ـ لا لم يأتِ احد من السياسيين.

* هل صحتك تسمح لك بالغناء؟

ـ لا ما عادت صحتي تتحمل وسبق ان ارادوني ان اغني واعتذرت.

سألتها عن موقف وزارة الثقافة ودائرة الفنون الموسيقية؟

فقالت مكررة انا حقي على الدولة، يجب ان تهتم بي وترعاني بعد ان افنيت عمري لخدمة العراق، فقط مفيد الجزائري وزير الثقافة السابق كان جيداً معي وخصص لي راتباً ، أما الآخرون فلا اعتقد انهم يعرفون عفيفةاسكندر.

مصطفى جواد

تقول عفيفة اسكندر: الذكريات صدى السنين، كان الدكتور، مصطفى جواد يقرأ القصيدة التي سأغنيها قبل ان اطلع امام الجمهور، ولا أغني قصيدة قبل ان يعطي موافقته عليها، كان مصطفى جواد وجعفر الخليلي مستشاريّ في كل شيء وانا قارئة للقرآن والانجيل والاثنان اضعهما قرب وسادتي عندما أنام.

وتضيف بأسى ولوعة لم أسئ الى بلدي في يوم من الايام.. الاعلامية العربية عبلة خوري قالت لي انت تتحدثين عن بلدك فقط، لم لا تتحدثين عن نفسك.

المخابرات أخذت بيتي

مخابرات النظام السابق اخذوا بيتي في العرصات لماذا؟

لانه كان مؤجراً الى السفارة الروسية ولم يعوضوني، حتى ان السفارة الروسية زعلوا عليّ وقالوا: لماذا لم تبيعيه لنا، كنا نشتريه.. وظنوا انني قد بعته بسعر مغر، لكنهم اخذوه ولم يعوضوني مضيت وتنازلت عنه لانه بكل الاحوال سوف يأخذونه.

اما بخصوص نوري السعيد رئيس الوزراء السابق، فتقول كان يحب المقام والجالغي البغدادي وكان يحضر كل يوم اثنين الى حفلات المقام، ويحضر حفلاتي.

وعن قصة اللحن الذي وضعه لها الموسيقار محمد عبد الوهاب فقالت: محمد عبد الوهاب اعطاني لحن اغنية ضمن فيلم الوردة البيضاء وحتى الآن اسمي موجود مع المطربة اسمهان و الاغنية هي (ياورد من يشتريك للحبيب يهدك) لحنها لي ولكن هو غناها بصوته، ولم أغنها لانها لا تريد ان تكون صدى لصوت غيرها اعتزازا بنفسها.

عبد السلام عارف حاربني

وتذكر الفنانة عفيفة اسكندر ان عبد السلام عارف كان يحاربها ويضيق عليها وحسب وصفها كان”شاد وياي “ وتقول كان يتهمني بانني ادفن الشيوعيين في حديقة بيتي وتضيف: انا لا اضد احدا، كان عبد السلام يحاربني ويضيق علي ويقول لاهل الرمادي (رماد برأسكم).

لم تغن لقادة الثورة ولم تطلب منها الملكية ان تغني لها رغم انها كانت على صلة وثيقة بها، وانما كانت تغني في عيد الجيش وغنت لفيصل الثاني، ولم تغن لصدام او لحروبه، ولهذا اهملت وغيبت في العهد المباد وما زالت مغيبة، وتقول متعجبة: اعجب على الناس قالوا للملك لا نصدق ان نراك عريسا وبعد اسبوع واحد من هذا الكلام قتلوه!

قلت لها هل انت نادمة على هذا العمر الطويل الذي قضيته بالفن؟

- لست نادمة، انما ثقفت نفسي اكثر من اللازم حتى تلفت عينيّ، ونزل الماء فيها، وماعدت ارى فيها، وعن علاقة الثقافة بالمطرب فترى ان المطرب يجب ان يكون مثقفا حتى يتحدث عن بلده وفنه باسلوب جميل ومقنع، وتقول البارحة كنت استمع الى احد الفنانين يتحدث عبر التلفزيون وكان(خريط ، حسب وصفها ) سألتها عن المستوى الثقافي للمطربين الجدد، فقالت: لا اريد ان احكم على احد، ولا اريد ان اذكر احداً بسوء.

شعر الجواهري لا يغنى

اما عن شعر الجواهري وهل كتب لها قصيدة معينة، فتقول: شعر الجواهري لا يغنى، ومن الصعب تلحينه، قرأت ديوان الجواهري، وما زال عندي حتى الان احتفظ به، وكانت عفيفة تبحث في بطون الدواوين الشعرية عن القصائد التي تناسبها وفي أحيان كثيرة تحور الشعر للتغزل ببغداد، ويعجبها شعر الاحنف وزهير ابن ابي سلمى اللذين غنت لهما الكثير من القصائد، اما الشعراء العراقيون فكانت تطرب لقصائد الشاعر الزهاوي الذي خصها بالعديد من القصائد.

واقرب الملحنين الى نفسها فهو الملحن احمد الخليل والملحن خزعل مهدي والملحن ياسين الشيخلي.

عشق بغداد

حبها لبغداد لا يوصف فكثيرا ما ضمنت اغنياتها هذا العشق، الذي تفضله على كل المدن والعواصم العربية والاجنبية، سبق وان طافت فنانتنا الكثير من المدن الجميلة، لكن حنينها زاد الابدي الى بغداد، وتذكر انها كانت مدعوة الى اميركا فغنت:

هزني الحنين لاهلي وشوق بيه

هيا بنا ياربع نمشي درب بغداد

وعادت مسرعة الى بغداد لتكون انطلاقتها نحو المجد والشهرة وخاتمة لايامها الحزينة تحت وطأة المرض والعوز والخوف.

سألتها ان كانت لها منافسات من مطربات جيلها فردت: لم تكن لي منافسة، ولم تكن المنافسة في حساباتنا، كانت العلاقات التي تجمعنا هي الطيبة والاخلاص، وتعتبر المطربة سليمة مراد معلمة لها، فكانت ترشدها وتعلمها وتعدل من لهجتها كون عفيفة اسكندر مصلاوية وكانت تسيطر عليها اللهجة المصلاوية، ولاتزال تحتفظ بفضلها وتقويمها، وتذكر إحدى المفارقات اللطيفة انها كانت تغني واحد الاشخاص الجالسين يطلب للمرة الرابعة ان اغني له، فشعرت ان هذا الشخص يقصد اهانتي فاخذت الكرسي لاضربه فتبين ان هذا الشخص اطرش، وتذكر ان سليمة مراد اعطتها درسا لم تنسه حتى الان فقالت لها: ((عليك ان تضعي فلتر في اذنك)، اي ان لا تنفعلي لاي كلام تسمعيه.

هكذا كانت العلاقات التي تربطها بمطربات ومطربي جيلها تسودها النصح والتوجيه والمحبة وكانت علاقتها طيبة بسليمة مراد ومنيرة الهوزوز وزكية جورج وناظم الغزالي وغيرهم

* في بداياتك الفنية كانت اجادتك في اداء المنلوجات رائعة.. هل بالامكان التحدث عن تلك البدايات؟

ـ كنت شابة مغناج في عام 1935، وذكية جدا كما تقول والداتي لي دوما.. والتف حولي شخصيات مهمة وذات مكانة اجتماعية.. واغني لهم المنولوج لمدة (5-6) دقائق باللغة التركية والفرنسية والالمانية والانكليزية ويسمونني بالمونولوجست، وعملت مع الفنانة (منيرة الهوزوز) والفنانة (فخرية مشتت)..

* الاماكن التي تحيين بها حفلاتك في بداية دخولك الفن؟

ـ ظهرت لاول مرة على المسرح في ملهى صغير بمدينة اربيل في اواسط الثلاثينيات وكانوا يسمونني (جابركلي) او المسدس سريع الطلقات... اتت هذه التسمية من صفة الغناء الذي اديته غناء سريعا نتيجة لصغر سني وعدم نضوج صوتي آنذاك.. واول اغنية غنيتها في اربيل (زنوبة.. آه من زنوبة عم بتعيط وتنادي خطفها البغدادي آه من زنوبة) غنيتها بعمر 8 سنوات وغنيت في ارقى ملاهي العاصمة بغداد منها ملهى (الجواهري) و(الهلال) و(كباريه عبدالله) و(براديز).. علما ان الملاهي كانت سابقا افضل من النوادي الاجتماعية الموجودة حاليا..

* من هم ابرز الشعراء والادباء والساسة الذين كانوا من رواد مجلسك؟

ـ في الواقع كانت لي تقاليد خاصة في فني وحياتي، املك صالونا في منزلي الواقع في منطقة المسبح في الكرادة انيقا وفاخرا، ومجلسي يضم ابرز رجالات السياسة والادب والفن والثقافة في البلاد.. ومن ابرز الرجالات الذين كانوا يحرصون على حضور النقاشات من رجال الدولة في الحكم الملكي.. ومن خفق قلبه بحبي.. لقد كنت فنانة جميلة الطلعة.. ومنهم نوري سعيد رئيس الوزراء وفائق السامرائي عضو حزب الاستقلال وعضو مجلس الامة، والنائب حطاب الخضيري، واكرم احمد وحسين مردان وجعفر الخليلي وابراهيم علي والمحامي عباس البغدادي وخصوصا العلامة الدكتور مصطفى جواد مولع بفني وجمالي كان يحضر الى مجلسي باستمرار ويعجبني كثيرا ويصحبني كثيرا ويقبل يدي في نهاية كل اغنية فضلا عن الفنانين حقي الشبلي وعبدالله العزاوي ومحمود شوكة وصادق الازدي والمصور آمري سليم والمصور الراحل حازم باك.. واسماء كثيرة اخرى لا تحضرني..

* كيف كانوا ينظرون اليك من يحضر مجلسك من الاصدقاء؟

ـ كان هناك اكثر من صعلوك من صعاليك الادب والصحافة ينظرون الي كما لو كنت دمية من دمى الليل وقد تعرضت من جراء ذلك لتخرصات ولاقاويل متعددة انا في غنى عنها.. ولا استطيع ان افعل اي شيء في بعض الظروف التي مرت بي.. بسبب بعض المعجبين من العاملين في الحقل السياسي.. والبعض الاخر ارتبط بي بعلاقة صداقة مع عائلته..

* المعروف عنك انك تساعدين المحتاجين في ذلك الوقت؟

ـ نعم.. كنت انسانة طيبة القلب، بعضهم ينعتني بالتعجرف والتعالي.. واقسم لك باني كنت امرأة ممتلئة النفس بالاحاسيس، ينبض قلبي بكل ما هو انساني.. اساعد العديد من النسوة المحتاجات كن يأتين الى بيتي ويأخذن المساعدات وينصرفن...!!

* هل بامكانك التحدث عن ابرز اغنياتك التي كنت تقدمينها آنذاك.. وعن زياراتك خارج العراق؟

ـ لقد زرت العالم باجمعه، واقامتي كانت في باريس اكثر من اربع سنوات واكثر الملحنين الذين أتعامل معهما هما (احمد الخليل) والملحن خزعل مهدي وكثيرة الاغاني التي كنت اقدمها هي (يا عاقد الحاجبين) و(ياسكري يا عسلي) و(اريد الله يبين حوبتي بيهم) و(قلب.. قلب) و(غبت عني فما الخبر) و(جاني الحلو.. لابس حلو صبحية العيد) و(نم وسادك صدري) وغيرها من الاغاني التي لا تحضرني اسماؤها وبلغ رصيدي من الاغاني خلال مسيرتي الفنية اكثر من (1500) اغنية.

* عملت لمدة طويلة في مصر مع كبار الفنانين والفنانات، هل بالامكان التحدث عن تلك الزيارة؟

ـ عملت لمدة طويلة مع فرقة (بديعة مصابني) في مصر وهي اشهر راقصة وممثلة مصرية في الاربعينيات.. وكذلك عملت مع فرقة تحية كاريوكا.. وابرز مشاركاتي العربية هي التمثيل في فيلم (يوم سعيد) مع الفنان الراحل الكبير محمد عبد الوهاب وفاتن حمامة وغنيت فيه لكن لسوء الحظ لم تظهر الاغنية عند عرض الفيلم بسبب المخرج الذي حذفها لطول مدة العرض التي تجاوزت الساعتين.. ومثلت في افلام اخرى بلبنان وسوريا ومصر منها القاهرة ـ بغداد اخراج بدر خان وانتاج شركة اسماعيل شريف بالتعاون مع شركة اتحاد الفنانين المصريين ومثل فيه حقي الشبلي وابراهيم جلال وفخري الزبيدي ومديحة يسري وبشارة واكيم وكذلك فيلم (ليلى في العراق) انتاج ستوديو بغداد واخراج احمد كامل مرسي ومثل فيه الفنانون جعفر السعدي والراحل محمد سلمان والفنانة نورهان وعبدالله العزاوي وعرض الفيلم في سينما روكسي عام 1949.

* كيف ترين الاغنية اليوم؟

ـ اداء المطرب للاغنية غير متزن وكلمات الاغنية ركيكة جدا..

* احتجابك خلال ثلاثين عاما، مع رفض اللقاء بوسائل الاعلام، هل هو سبب سياسي ام فني ام ماذا؟

ـ السبب تعرضي للاقاويل والاشاعات المتعددة التي سببتها لي وسائل الاعلام في عهد النظام السابق.. لقد عانيت كثيرا في حينها عندما القي القبض عليّ بتهمة انا بريئة منها.. ومنذ تلك اللحظة لم افتح بابي لاي انسان.. لكي اعيش بسلام..

* بعد هذه الرحلة ما الامنية التي تتمنين تحقيقها؟

ـ امنيتي ان اعمل صحفية في مجال المرأة.. اول من غنى في التلفزيون.

لعفيفة اسكندر الكثير من المناقب في مسيرة الفن العراقي فهي اول من غنى القصيدة عند تأسيس التلفزيون العراقي عام 1956 واول من غنى في الاذاعة عام 1936 واول اغنية لمطربة حين ظهرت الالوان في تلفزيون العراق عام 1976 كانت لعفيفة ايضا..