إنتفاضة تشرين الثاني 1952.. هذه هي البداية الحقيقية للأنتفاضة

Sunday 31st of October 2021 10:35:50 PM ,
5054 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

فاطمة عدنان شهاب الدين

أرتأت كلية الصيدلة والكيمياء في بغداد ان تدخل تعديلات على نظامها الداخلي بجعل الطالب المعيد في بعض الدروس معيداً في كافة مواضيع صفه. «نص تعديل الفقرة (ج) من المادة (34) من هذا النظام «على الطالب المعيد اعادة كافة مواضيع الصف الذي يرسب فيه».

فعد طلاب هذه الكلية التعديل اجحافاً في حقوقهم، حملهم على الاحتجاج فالاضراب عن الدوام اعتباراً من يوم 26 تشرين الاول 1952، وقد اتسع الاضراب فشمل كليات اخرى كالطب والحقوق والتجارة وغيرها تضامناً مع كلية الصيدلة والكيمياء حتى يلغى التعديل المذكور.

واعلن الطلبة المضربون عن تأييدهم لمطالب الاحزاب السياسية التي وردت في مذكراتهم المرفوعة للبلاط لانهم المعبر الحقيقي عن مطالب الشعب وطالبوا الحكومة الاستجابة لها.

وفي حقيقة الامر كان الطلبة المضربون ينتمون الى الاحزاب السياسية المعارضة فلا غرابة اذا ما اعلن هؤلاء الطلبة عن تأييدهم لمطالب الاحزاب لان هذه الاحزاب كانت قد زودتهم بتعليمات مسبقة تؤكد عليهم الاستمرار بالاضراب ثم دفعتهم للقيام بتظاهرات ضد الحكومة بهدف الضغط عليها والاستجابة لمطاليبها.

وقد هزأ وزير الصحة عبد الرحمن جودة بالاضراب فلم يعره اهتماماً، فلما استمر بضع ايام، اضطرت الوزارة الى ادخال تعديل اخر في 16 تشرين الثاني الغت بموجبه مواد التعديل السابق.

ونص التعديل الجديد على ان التعديل السابق لا يشمل طلبة الصفوف المنتهية الحاليين لكن الطلبة استمروا بالاضراب فأصدرت تعديلاً اخر الغت بموجبه التعديل السابق،فقرر الطلاب انهاء الاضراب والعودة الى مقاعد الدراسة اعتباراً من يوم 19 تشرين الثاني 1952.

والظاهر ان تدبير وزارة الصحة لم يرضِ عماد كلية الصيدلة والكيمياء فحدث مالم يكن في الحسبان، اذ دخل واقتحم اربعة اشخاص قيل انهم مجهولون حرم كلية الصيدلة والكيمياء في اليوم المذكور وانهالوا على الطلبة ضرباً ولكماً وعندما خرج بقية الطلاب من صفوفهم اشتبكوا مع الاشخاص المهاجمين فاسفر الاشتباك عن اصابة عدد من الطلاب بجروح منوعة، ولما حضرت الشرطة الى الكلية قبضت على ثلاثة من المعتدين بينما فر الرابع.

وكان المعتقد ان عميد الكلية واحد المعيدين قد حرض هؤلاء الاشخاص على الاعتداء على طلاب الكلية.فاعلن الطلاب ان هذا الاعتداء كان مدبراً، وان الذي دبره، هو عميد الكلية الدكتور يحيى عوني صافي، وبعض الاساتذة، وانهم يعلنون الاضراب العام حتى يأخذ العدل مجراه ويقصى العميد ومن ساعده عن الكلية.

وقد استغلت الاحزاب السياسية الوطنية ومنظمات الطلبة تلك الحادثة فانتشر الاضراب وشمل كليات ومدارس اخرى بالرغم من عزل العميد مؤقتاً تضامناً مع كلية الصيدلة والكيمياء وان الاضراب سيستمر حتى تجاب مطاليب الطلاب في هذه الكلية.

لقد كان لاضراب الطلبة دوراً مهماً، حيث تطور موقفهم وارتبط الجانب العلمي بالجانب السياسي، فاذا بهم يذيعون ما يلي:

«ان تنكر الفئة الحاكمة للمطاليب الوطنية، لدليل قاطع على الذهنية الرجعية المسيطرة على عقلية المسؤولين، وهي محاربة كل ما من شأنه اصلاح الاوضاع القائمة، والقضاء على الفساد المخيم على الشعب بوحي من مصلحة الاستعمار. لذا فأننا طلبة المعاهد العالية نعلن اضرابنا عن الدوام، بصفتنا الطلبة الواعية في الوطن العربي، حتى تستجاب مطاليبنا التي تنحصر في الامور التالية:

وجوب الاخذ بالانتخابات المباشرة كأساس للانتخابات القادمة.

القيام بالاصلاحات الداخلية الانية اللازمة لصيانة الحريات العامة، ومواكبة التطور العلمي.

وفي حالة عدم استجابة المسؤولية، سنلجأ الى الاساليب التي تفهمها الفئة الحاكمة”

وهكذا ما اعلنت الكليات تضامنها وتوسع الاضراب وانتقل كل شيء الى الشارع بعد ان ظهر من خلال تطور الحدث ان الحكومة هي التي تريد الاصطدام بالناس على هذا الشكل ولكن لسوء حظ الحكومة والبلاط ان الامور تطورت الى شيء لم يسبق له مثيل في العراق.وكان لابد للحكومة من تهدئة الرأي العام، واختلاق الاسباب لدخول المجهولين الى حرم الكلية المصان، فأصدرت البيان الرسمي:

«نشرت بعض الصحف اخباراً وتعليقات مختلفة حول حادث الشجار الذي وقع في كلية الصيدلة والكيمياء وقد ذكرت الجهات الرسمية المختصة، ان حقيقة الحادث المذكور هي ان احدى الطالبات لم تشترك في الاضراب الذي جرى اخيراً في تلك الكلية. فلما انتهى الاضراب اخذ بعض الطلاب في الكلية المذكورة يؤنبون تلك الطالبة، على عدم اشتراكها في الاضراب، مما حفز اخاها ورفيقين له على المجيء الى كلية الصيدلة والكيمياء، والتشاجر مع اولئك الطلاب، فأصيب البعض بجروح مختلفة، وقبض على المعتدين، واوقفوا بقرار من حاكم التحقيق. هذا ولا يزال التحقيق مستمراً في هذه القضية ولسلامة التحقيق، مهدت عمادة الكلية الى احد الاساتذة وكالة ومن ذلك يتضح جليا ان الدوافع في هذه الحادثة شخصية بحتة».

أ. هـ. مدير الدعاية العام

لم يكن اضراب كلية الصيدلة والكيمياء حدثاً مفاجئاً وغير مرتبط بتطور واشتداد تأزم الاوضاع الداخلية في البلاد، وانما كانت الاحداث الوطنية عبارة عن سلسلة مرتبطة احداها تكمل الاخرى.

فقد تطور اضراب الكليات سريعاً، فاصدر رئيس مجلس التعليم العالي بياناً في 20 تشرين الثاني ناشد فيه الطلاب بان لا يستمعوا الى الجماعات الصغيرة التي اضربت عن الدراسة وقد جاء في البيان:

«ان جماعات صغيرة من طلبة المعاهد العالية اضربت عن الدراسة، واخذت تحرض الكثرة الراغبة في الدراسة على الانقطاع عن الدروس».

وناشد رئيس المجلس الطلاب بان لا يستمعوا الى هذه الجماعات الصغيرة التي تعمل ضد مصلحتهم، ودعاهم “الى الدوام المنتظم، والعودة الى الدراسة في جو يسوده الهدوء والنظام”.

وقد كان لهذا البيان الاثر في ازدياد الجو توتراً مرة اخرى بسبب مطالبة الاحزاب بالانتخابات النيابية المباشرة، ووجوب اصلاح الاحوال الداخلية جذرياً وموقف البلاط والحكومة من ذلك كله، فحدثت اصطدامات مسلحة استغلته الاحزاب الساية ومنظمات الطلبة وانتشر الاضراب بين الكليات والمدارس الاخرى.

واجتمع الطلبة مرة اخرى في 21 تشرين الثاني وقاموا بالتظاهرات والقيت الخطب والهتافات التي عبرت عن مشاعر الرأي العام. وتوجهوا الى باب المعظم ومنطقة “الفضل” حيث وقعت بينهم وبين قوة “الشرطة السيارة” اشتباكات بالحجارة والعصي مما ادى الى وقوع عدد كبير من الجرحى بين الطرفين وقد استمت الاشتباكات بالقسوة البالغة من جانب الشرطة التي قابلها المتظاهرون بهجمات مضادة اكثر عنفاً. وكانت تهتف جماهير الطلبة “نريد خبزاً لا نريد رصاصاً “ وهو تعبير عن حالة الغلاء الفاحش التي اجتاحت البلاد انذاك.

وفي صباح يوم السبت الموافق 22 من تشرين الثاني 1952 صحت بغداد بقيادة طليعتها الواعية الممثلة في شباب العراق الجامعي، الناقم على الاوضاع الشاذة، الكاره للحكم الفسوق، وهو يردد الهتافات المعبرة عما يعج في نفوس ابناء الشعب، وما يتفاعل في اوساطهم، وكانت الكليات، ومختلف المدارس الثانوية على ميعاد في اعلان الاضراب.

وتجمع طلابها في معاهدهم وترديدهم الهتافات الوطنية، ثم خروجهم على شكل مظاهرات.وكانت الساحة المقابلة لمبنى كلية العلوم والاداب ملتقاها، حيث تجمعت قوات الشرطة وحدث الاشتباك الاول..

عن رسالة: نور الدين محمود ودوره العسكري والسياسي