الأب يوسف سعيد.. وداعاً

Thursday 14th of October 2021 12:15:33 AM ,
5043 (عراقيون)
عراقيون ,

زهـدي الـداوودي

لا أعرف كيف دفعه القدر إلى أن يحط رحاله في كركوك، مدينة النار والنور.؟

ومن ثم يهاجر إلى بلاد الصقيع والبرد؟

هل كان يركض وراء الحرية؟

لم يدر بخلدي مثل هذا السؤال آنذاك، ولا في وقت لاحق. وإلا كنت سأطرحه عليه بلا شك.

كان ذلك في منتصف الخمسينات. كنت في الخامسة عشرة، حين قررنا، نور الدين الصالحي وجبران وأنا أن نزور الأب الشاعر يوسف سعيد في صومعته أو بالأحرى كنيسته الواقعة في منطقة كاورباغي. وجاء الاقتراح إما من يوسف الحيدري أو قحطان الهرمزي. وكان محتوى الاقتراح:”إنه معنا، يجب أن نزوره بين حين وآخر».

ما معنى معنا؟

كان ذلك أول مرة في حياتي أرى فيها سواء أكاهنا بملابسه الكهنوتية السوداء أم كنيسة بجوها السحري المقدس.

لقد انبهرت بالرجل وكنيسته.

وأدى هذا الانبهار إلى أن أتطرق إلى هذا الجو الكنسي وراعيه في روايتي “زمن الهروب” بعد أربعة عقود من الزمن.

علمت من كلماته الجميلة، التي نسيتها، ومن أسارير وجهه المشرقة وانطلاقه معنا بلا تردد، أنه معنا فعلا وإننا بدورنا معه أيضا. و لاحظت أنه كان في البداية متحفظا ومترددا، بيد أن جبراناً، أزال تحفظاته عندما بدأ يعرفنا به باللغة الكلدانية أو الأثورية لا أعرف بالضبط.

ولكنني ظللت أنظر إليه نظرة التلميذ إلى معلمه. وأحس هو بهذا. وحاول أن يزيل هذا الحاجز، ولكن عبثاً.

إذاً، كان هو المعلم، شئت أم أبيت.

كان الأب يوسف سعيد أحد أبرز عناصر جماعة كركوك.

أكبرهم عمراً وتجربة ودراية

وتمرداً، إذ أنه، من أجل الحرية، كان يخترق حتى الجبة السوداء التي كان يرتديها من أجل السماء، دون أن يدري أنه يقترب من الأرض، من الخطيئة، ولكن:

من منكم بلا خطيئة؟

كان طائرا يحلق على أبعد نجمة، تاركا سربه ومغردا خارجه ومحاولاً أن يجعل من السماء والأرض منزلاً من الفردوس.

وظل يعيش مع هذا الحلم إلى أن غادرنا إلى الأبد،

طائراً فريداً من نوعه، يعشق الحرية ويبحث عنها في كل مكان.

سواء في أعماق السماء أم مجاهل الأرض.

وداعاً

الأب يوسف سعيد

لن ننساك

ولن تنساك

كركوك.