المخرج عمانوئيل رسام

Wednesday 8th of September 2021 09:19:31 PM ,
5020 (عراقيون)
عراقيون ,

د. سالم شدهان

المخرج عمانوئيل رسام (ع.ن.ر) ..اسم جميل جاء بالصدفة ليزامل اسم (عمانوئيل رسام) ويعيش مرادفا للاسمين الماضيين, وجميع هذه الاسماء تشيرالى مبدع ولد في الموصل عام 1940 والده كان يهوى الموسيقى والاخراج المسرحي ومدرسا للغة الانكليزية, جاء الى معهد الفنون الجميلة برفقة عوده ليعزف ويغني لزملائه اجمل الاغاني الموصلية ,التحق بمعهد الفنون الجميلة عام 1957 وتخرج منه عام 1961 ثم اكمل دراسته في اكاديمية الفنون الجميلة ,

عمل في الفن وهو طالب في المعهد حينما كتب تمثيلية (البوم الذكريات ) عن حياة والده مستذكرا والدته التي فارقته وهو في الثامنة من العمر ,يومها بكى طويلا وهو يمثّل امام الشاشة التي كانت تعرض التمثيلية مباشرة,كان يمثّل وامام عينيه خصلة الشعر التي احتفظ فيها والده من امه ,هكذا تعلّم عمو الوفاء والصدق في التعامل والتلقائية في كل شيء ,يقول مايشعر به دون مراعاة للضرف الذي يرافق ذلك الفعل, وهذا ماوضعه في دائرة الاتهام اكثر من مرّة لكن مايلبث ان يخرج من تلك الدائرة منتصرا فيحقق بذلك مكانة وموقف ايجابيا من الاخرين.عام 1964 شارك في بطولة فيلم (اوراق الخريف)للمخرج لطفي لبيب ,كما شارك في اعمال تمثيلية ومسرحية كثيرة حينما كان منتميا الى فرقة مسرح 14 تموز برفقة اسعد عبد الرزاق ووجيه عبد الغني .

دخل عموالى عالم الدراما الحقيقي حينما قام بأخراج حلقات مسلسل (تحت موس الحلاق) التي سجلت للتلفزيون وحققت نجاحا كبيرا بعد ان استغل عمو ماتعلّمه من دراسته ومن حياته المستقرّة وهدوءة وتقبّله لكل شيء ببساطته المعهودة حيث تعامل مع النص بدون تعقيد, اللقطة عنده مسقرّة غالبا ماتكون عامة شبيهة بالاشتغال المسرحي ,او تكون كبيرة بغرض التركيز على الممثل البطل الذي يهتم به كثيرا لكن ليس على حساب باقي الشخصيات .كذلك زوايا الكاميرا التي لم يهتف بها كثيرا,وكان دورها في هذا العمل لغرض العرض معتمدا على الممثل والنص وكاميرتين, والية تسجل اكثر من مشهد باستمرارية بطلها الممثل الذي درّبه عمو كثيرا على الحركة امام الشاشة ,خاصة في مشاهد صف محو الامية.لم يحيد عمو عن اسلوبه في التعامل مع الحدث ببساطته المعرفة في اعماله الاخرى ومنها مسلسل (فتاة في العشرين), لكنه تفوّق على سابقه في عملية خلق تكوين مرئي مناسب للحدث ,كما اهتم بحجم اللقطات رغم قلّتها, وغلبة فعل التمثيل على باقي الافعال بقي سائدا عنده مراهنا على قوة النص وحسن اختياره للممثل وتدريبه ونصحه بأن يتعامل مع الافعال بتلقائية وصدق .كانت جديّته وتفكيره الواقعي وطموحهوطريقته في كسب المتلقي ترافقه حتى في المواقع الادارية التي تبوّئها ومنها رئيس قسم الدراما ومدير لشركة بابل وشركة عشتار. كان يفكّر في نشر الدراما العراقية عربيا وتم عرض اعماله في دول عربية كثيرة كما هو الحال في مسلسل (فتاة في العشرين )ومسلسل (حرب البسوس)الذي أستقدم له مجموعة من الممثلين العرب منهم نضال الاشقر واسامة المشيني وعايده عبد العزيز, وفي هذا العمل تكررت طريقة عمو في الاعتماد الكبير على النصوص المكتوبة بطريقة ممتازة والالتزام بعرض الفعل الدرامي اعتمادا على الممثل والنص والاستفادة من باقي العناصر الصورية في خدمة العنصرين الماضيين. لكن اعتماد المخرج على احجام اللقطات وزوايا الكاميرا قد سجّل حضورا وزيادة في الاشتغال عن باقي الاعمال ساعده في ذلك قوّة وحرفيّة النص الذي كتبه الدكتور ثامر مهدي الاستاذ في السيناريو والذي يعرف جيدا كيف يوزّع الافعال على الشخصيّات كل حسب دوره, ويفهم دور الكاميرا, ويمنح المخرج مساحة حرّة في استخدام خياله لزيادة فاعلية النص ومدى تأثيره على المتلقي .استمر عمو في طريقته هذه وحقق نجاحا كبيرا في اعمال لاحقة منها ثلاثية (حضرت صاحب السعادة ) الذي جاء مكمّلا لخطوات عمو الماضية مضيفا لها ماتفرضه عليه طبيعة الموضوع والجو النفسي له .وفي هذا العمل كانت لغة الايجاز والتكثيف غالبتا عليه ,والاحداث متسلسلة بطريقة تصاعدية مرافقة لشخصيّة البطل (فخري العقيدي) الذي يغالبه الطموح ,عرف عمو كيف يتعامل مع هكذا نص فأعطى دورا اكبر للكاميرا في اشتغالها الحركي والموضعي , فتحركت وتنوعت الزوايا واللقطات اذ تميزت لقطات ومشاهد صاحب السعادة عن باقي الشخصيات, فبعد ان كانت الكاميرا تتابعه في بداية النص في لقطات مساوية لوجة النظر ,اخذت تنزل الى اسفل وجهة النظر مع تطور الشخصّة ونموها وتصاعد بناءها الدرامي نحو تحقيق اجزاء متصاعدة من الطموح الذي يسعى لتحقيقه, لكن هذا الاشتغال لم يصل الى درجة نسيان عمو طريقته المعهودة في عدم تعقيد المشهد واللقطة وعدم اشغال المتلقي في عملية فهم وتفسيرالدلالات التعبيرية لانه يقدم للمتلقي وجبة دسمة من الدراما التي يتكفّل بها الجانب المرئي في اقل تعقيد وابسط صورة .ومن الاعمال المهمة الاخرى التي سجل فيها عمو حضورا هو مسلسل (الايام العصيبة )الذي اكمله بعد وفاة المخرج المصري ابراهيم عبد الجليل وفيه حاول ان لا يخلق جو من الاغتراب والاختلاف لدى المتلقي مابين اسلوب عبد الجليل وطريقته في العمل, لذا فانه اخرج العمل المكتوب بطريقة تناسب طريقته في العمل دون ان ينسى من سبقه اعتمادا على النص الذي كتبه المؤلف عادل كاظم بكاركترات خاصة تكسب المتلقي وتتفاعل معه دون اللجوء الى التعقيد اللقطوي والحركي .وتميّز عمو في هذا العمل اخراجيا فقد استطاع ان يملأ المكان الجميل بحركة ممثلية وحركة كاميرته المتأنية التي تحاول ان تمسك بخيط الفعل الرئيسي دون ان تنسى الافعال الثانوية القليلة في هذا العمل, وجاءت جميع الخطوط وكأنها تمارس دور البطولة.وظهر هذا العمل بايقاع يختلف عن باقي اعمال عمو لانه كان يسعى لمحاكاة ومواصلة طريقة ابراهيم عبد الجليل في التعامل مع النص والكاميرا والكاركترات المميزة التي تتفاعل مع بعضها البعض متأثرا بذلك من بيئته المصرية , وبقي (ع.ن.ر) ضمن الخط الذي رسمه عبد الجليل للاحداث وطريقته في التعامل معها . لقد جاء العمل منتميا للاثنين معا ومنظما بطريقة عمّو الحريص على ان يكون كل شيء في حياته منظّما ومحسوب بدقة, لايتدخل فيما لايعنيه ولا يحب ان يتدخل احد في مايعنيه ,يفرح ويحزن بذات السرعة, المه داخليا حتى كاد ان يقضي عليه مبكرا حينما اصيب بجلطة قلبية بسبب احد المدراء العامين للتلفزيون الذي اقتطع ثلاثة ارباع الساعة من سهرة اخرجها ,اصابته الجلطة وهو يشاهد زمنه الحي ميتا بفعل فاعل غبي لايعرف قيمة الزمن المصنوع ببلاغة الفن وتعبيريته المدهشة .بعد هذه الجلطة توالت عليه امراض القلب اللعينة ,جلطة اخرى,ومارس معه القلب الشفاف لعبة الغش والاختفاء وهي اللعبة التي يجيد عمو صناعتها في الدراما لكنه لا يتعامل بها في الحياة اذ سكت القلب نهائيا ذات مرّة لكنه اذعن للصعقة الكهربائية وعاد الى العمل مجبرا شرط ان يرافقه صديق وكان هذا الصديق بطارية , اذ عاش سنينه الاخيرة بقلب تحرّكه بطارية يجب ان تتبدّل كل اربعة او خمسة سنين لكنها مالبثت ان توقفت تماما وغادر القلب الطيب النقي الى صمته الموعود الذي لايتقبل سوى مواجهة الرب بصفحة بيضاء ناصعة ,توقف القلب الذي كان لا يسعده شيء اكثر من لحظات التأمل على ضفاف دجلة التي فارقها مرغما بعد ان نفذ صبره وهو يراقب اوضاع البلد التي لم تهدأ كما يقول هو (منذ ال1958 الى اليوم 2016 قتل وحرب ودمار وسحل ماعدىالفترة من 1970- 1978وهي الافضل في كل شيء) تارك خلفه مجموعة من الاعمال اهمها :مسلسل (فارس بني خيبان )وتمثيليات (ليطه,وعش الهدهد ,وابو محجن الثقفي ,والصرخة,والستائر الزرق ,وشرف المهنة ,واوبريت بيادر خير لفؤاد سالم وسيتاهاكوبيان , وتمثيلية (الربح والحب) التي نالت الجائزة الذهبية في مهرجان عربي وتمثيلية (لو )التي منع عرضها رغم ان اهل السياسة قد شاهدوها كما يقول عمو جميعا ابتداءا من الصحاف الى البكر وكان الكل يضحك منذ بدايتها الى نهايتها لكن الصحاف قال لعمو ساخرا (اعرض هذه التمثيلية بعد سقوط الحزب ).رحل الفنان الذي يقول (العمل هو الذي يخلق الاسم وليس العكس ) رحل في كندا في 26 سيبتمبر عام 2016 تاركا اعمال ارّخت اسم كبير في خارطة الدراما العراقية انه (ع.ن.ر) يرحمه الله .