ع. ن. رسام.. الذاكرة الحية

Wednesday 8th of September 2021 09:16:12 PM ,
5020 (عراقيون)
عراقيون ,

علي حسن الفواز

الوفاء التزام، واستعادة رموزنا الثقافية مسؤولية، وكلا الامرين يمنح الفعل الثقافي قيمته في التاريخ وفي الذاكرة وفي التجربة، فلا يوجد حاضر او مستقبل من دون ماض، وهذه القاعدة هي الاساس الذي تكرست عبره الحضارات الكبرى.

عمانوئيل رسام المخرج والمعلم والرمز الثقافي واحد من اهم العلامات في ذاكرة ثقافتنا الفنية، والتلفزيونية بشكل خاص، إذ شكلت اعماله الاخراجية القاعدة الاساس، التي كان لها أثرها في توطيد البناء الفني للدراما العراقية، وتطور مساراتها الفنية والادارية والاكاديمية.

كان الرسام مدرسة لوحدها، حريصا في عمله، دقيقا في التزامه، قريبا من التفاصيل العراقية، في همومها ومشكلاتها وصراعتها، وفي التقاط ما يمور فيها من مظاهر وشواهد اعطت لأعماله سمة خاصة، وهوية فنية وقيمة اجتماعية لها العمق في تأسيس وانتاج ظاهرة التمثيلية والمسلسل التلفزيونيين.

ذاكرة الجمهور تحتفي بتمثيليات “تحت موس الحلاق” وباسم مخرجها “ع. ن. ر” بوصفها واحدة من الاعمال التأسيسية في الدراما العراقية، مثلما هو الاحتفاء بأعماله الفنية الاخرى التي لامست نبض الشارع العراقي، وهموم الناس، مثل “فتاة في العشرين” و”حرب البسوس” وثلاثية” حضرة صاحب السعادة” واكماله لاخراج المسلسل الكبير”الذئب وعيون المدينة” بعد رحيل المخرج ابراهيم عبد الجليل، وغيرها من الاعمال التلفزيونية.

استعادة “ع. ن. ر” لا تعني التذكّر فقط، بل تعني في جوهرها ابراز اهمية التاريخ في حياتنا الثقافية، لا سيما ما يتعلق بتاريخ الرموز التي عملت وكابدت ظروفا صعبة ومعقدة، وسعت الى تفعيل دور الفن بوصفه الجمالي والمعرفي والانساني والنقدي، ليكون جزءا محركا للوعي المجتمعي، وشاهدا على اهمية الصناعة الثقافية في حياتنا، ودورها في تغذية قيم الجمال وصياغة الرأي العام ومواجهة كل مظاهر القبح، وهو ما سعى اليه عمانوئيل رسام في حياته وفي اعماله، إذ عمل على تقديم الدراما الفنية، مثلما قدّم الدراما التعليمية من خلال انتاجه لمسلسل “اشهى الموائد في مدينة القواعد” وانتاج شريط عن الشاعر بدر شاكر السياب، فضلا عن اخراجه لمسلسل “لو” الذي رفضته الرقابة آنذاك، لأسباب تمسّ سياسة النظام السابق، وهو ماسبب له أزمة صحية خطيرة.

الراحل “ع. ن. ر” تاريخ عراقي عميق الأثر، وسيرة فنية تؤكد عمق واصالة رواد الدراما العراقية، وأجد الاحتفاء بها هي مسؤولية الجميع في وزارة الثقافة، وفي شبكة الاعلام العراقي، وفي نقابة الفنانين، وبالاتجاه الذي يجعلنا أمام مسؤولية الحافظ على اثرنا الثقافي، وعلى أن تدرك الاجيال الجديدة من العاملين في الدراما فاعلية التواصل والحرص على الايمان بروح الابداع وقيمه الجمالية والمعرفية.