تروتسكي والحب والنهاية المفجعة

Tuesday 24th of August 2021 10:30:25 PM ,
5009 (منارات)
منارات ,

د. مصدق الحبيب

ليون تروتسكي، واسمه الحقيقي لف ديفدوفج برونستين المولود عام 1879 في يانوفكا (أوكرانيا حاليا) هو الثائر الماركسي وأحد ابرز قادة ثورة اوكتوبر السوفيتية. بدأ نشاطه السياسي المناوئ للقيصر منذ صباه فنـُفي الى أواسط آسيا وسيبيريا،

ومن هناك هرب الى إنكلترا وتنقل بين عدة بلدان كسويسرا وفرنسا واسبانيا. وكان في كل مرة يُطرد من بلاد، يجد بلادا أخرى يهاجر اليها. كان قد التقى بفلاديمير لينين أيام المنفى في لندن واصبح صديقا وحليفا له كقائد بلشفي رغم انه كان يميل فكريا للمناشفة. عاد مع لينين الى موسكو عند تفجير ثورة أكتوبر عام 1917، فعينه لينين وزيرا للخارجية، ثم قائدا سياسيا للجيش الأحمر. وهكذا بقي عند موضع ثقة واعتماد لينين الذي كان يفكر ان يجعله خليفة له، لكن تدهور صحة لينين عام 1922 ووفاته عام 1924 قلبت كل الموازين وتميزت بصعود قوة وسطوة ستالين الذي كان يعتبر تروتسكي منافسا غير مرغوب فيه. فمباشرة بعد رحيل لينين شن ستالين حربه التدريجية ضد تروتسكي فبدأ بتجريده من منصبه الرسمي كوزير عام 1925، ثم فصله من المكتب السياسي عام 1927، ثم نفاه الى مقاطعة ألما أتا النائية عام 1928، ثم الى تركيا، وبقي يطارده الى ان جعله يهرب الى اقصى بقاع الارض خوفا على حياته فذهب الى المكسيك بعد مدة في فرنسا والنرويج.

في المكسيك كان الفنان التشكيلي المعروف هناك دييكو ريفيرا قد تزوج الفنانة فريدا كالو، وكانا معا عضوين في الحزب الشيوعي المكسيكي ويميلان بحماس الى الخط التروتسكي، حتى انهما التمسا الرئيس المكسيكي لازارو كارديناس ان يوفر اللجوء السياسي لتروتسكي، فكان لهما ما أرادا. ومن هنا جاءت فرصة الانتقال الى القارة البعيدة، فسافر تروتسكي وزوجته نتاليا سدوفا على ظهر ناقلة نفط الى المكسيك فكانت فريدا في استقبالهما في الميناء ولم يرافقها وقتذاك زوجها ريفيرا بسبب مرضه في ذلك اليوم. أخذت فريدا ضيفيها الى بيت يعود لها ولزوجها، وكانا قد اعداه ليكون مسكنا دائما لتروتسكي وزوجته. ومنذ ذلك الحين اخذت علاقة الأربعة تتوثق، لكن بوادر علاقة رومانسية بين فريدا وتروتسكي بدأت تنضج بعد عام واحد على لقائهما، أي في عام 1937، وأصبحت مكشوفة لحد ما لريفيرا الذي كان موضع تندر وخصام دائم من قبل فريدا. كما اصبحت العلاقة مكشوفة أيضا لنتاليا زوجة تروتسكي التي اضطرت بعد ان نفذ صبرها ان تضع تروتسكي في قفص الاتهام وتمنحه الفرصة لاتخاذ قراره الاخير”!! كان ذلك بعد ان رسمت فريدا بورتريتا شخصيا لها واهدته الى تروتسكي في عيد ميلاده وكان البورتريه يظهرها وقد حملت باقة ازهار وكاردا كتبت فيه الى ليون تروتسكي مع كامل حبي!

عن تلك العلاقة كتبت بعدذاك سكرتيرة تروتسكي جين فان هيجنورت:

“ كانا يتبادلان الغزل والدعابة باللغة الانكليزية بشكل متواصل وفاضح وعلى مرأى ومسمع نتاليا التي لم تكن تفهم الإنكليزية جيدا لكنها تستطيع بالتأكيد أن تفهم لغة الغزل والمداعبة والتلميحات الجنسية. كما كانا يلتقيان سرا في بيت شقيقة فريدا ويتبادلان رسائل الحب التي كانا يخفيانها بين صفحات الكتب المتبادلة بينهما».

كما وتقول الكاتبة جري سوتر في كتابها عن الفنان ريفيرا المنشور عام 2014: ان نتاليا زوجة تروتسكي كانت قد طفح بها الكيل للحد الذي واجهت فيه تروتسكي واعطته الخيار الحاسم “أما أنا أو هي»!

وأما عن البورتريه، هدية الحبيبة للحبيب، فقد كتب الاديب السريالي الفرنسي أندريه برتن الذي زار تروتسكي هناك عام 1938، قائلا:” لقد رسمت فريدا نفسها ملفعة برداء من الاجنحة تطرزه الفراشات، وقد اطلت بنفسها من بين صفين من الستائر أزاحتهما الى الجانبين.. ربما كانت تلك ستائر الدواخل وقد أزاحتها امرأة شابة خبرت معاشرة الرجال المهمين ذوي الشأن والاعتبار»

بعد اكثر من ثلاث سنين، وفي أواخر عام 1939 كانت العلاقة الرومانسية بين فريدا وتروتسكي قد تقادمت وذوت من الداخل لكونها مجرد نزوة عابرة انقضى أوانها، مما جعل فريدا تقف الى جانب زوجها ريفيرا الذي انقلب الان لصالح الصف الستاليني أمام سخرية تروتسكي المتواصلة وتعليقاته التي كان يصفه فيها بالرجل الساذج الذي لايفهم شيئا في السياسة، رغم ضيافة هذا الرجل له وكرمه وتحمل خيانة زوجته!!

أما ستالين فلم يكف عن مطاردة غريمه السياسي حتى لو كان يعيش بعيدا بآلاف الاميال عن موسكو. ففي مايس عام 1940 جندت مخابرات ستالين فنانا مكسيكيا متحمسا اسمه ديفد الفارو سكويار لاغتيال تروتسكي. فذهب سكويار الى بيت تروتسكي وامطره بوابل من رصاص رشاش اوتوماتيكي لكن تروتسكي لم يلحقه اي ضرر بليغ إلا ان ابن شقيقته الصبي الذي كان في زيارته اصيب بعدة عيارات نارية.

بعد ثلاثة اشهر من هذه المحاولة كانت المخابرات السوفيتية قد دفعت بالخطة- ب للتخلص من تروتسكي. ففي 20 آب من عام 1940 وبينما كان تروتسكي منكبا على القراءة خلف مكتبه، هجم رامون مركيدار وهو عميل مكسيكي محلي للمخابرات السوفيتية وهوى على رأس تروتسكي وهو مطرق بفأس حاد كان من المخطط له ان يفلع رأسه الى نصفين! يقول متحدث البوليس المكسيكي ان الفأس دخل لاكثر من انجين في جمجمة تروتسكي لكنه لم يؤد الى موته في الحال. فقد نقل الى المستشفى وفارق الحياة في اليوم التالي.

مرت الاعوام وطوت معها علاقة فريدا بالشيوعي الكبير طي النسيان لكنها لم تطو علاقتها بالشيوعية! فعند وفاتها عام 1954غطى الرفاق نعش الفنانة بغطاء يحمل شعار المنجل والمطرقة.

صحيفة المثقف العدد: 5268 في 2021-02-06