السدارة الفيصلية.. والوطنية العراقية

Sunday 22nd of August 2021 11:08:18 PM ,
5007 (ذاكرة عراقية) (نسخة الكترونية)
ذاكرة عراقية ,

حسين حاتم الكرخي

في 23 اب/اغسطس1921, تولى فيصل الاول نجل الشريف حسين شريف مكة, عرش العراق كاول ملك للملكة العراقية الحديثة, وكان يحلم ببناء دولة عصرية في العراق, وادخال عدد من التقاليد والنظم السياسية والاجتماعية الحديثة للعراق الخارج تواً من ظلمة الحكم العثماني الذي استمر مايقارب الاربع قرون,

ومن جملة هذه التغيرات اراد هذا الملك الطموح ايجاد لباس وطني للراس بدلاً من الفينة ليكون كزي رسمي لموظفي للدولة العراقية, فاوجدت السدارة, ووزعت اول مرة للوزراء من قبل رستم حيدر احد مستشاري الملك في حينها, وكان اول من ارتدى السدارة هو الملك فيصل الاول لتشجيع الناس على ارتدائها, ومنها سميت باسمه (فيصلية), مع العلم ان الملك فيصل الاول جاء للعراق بزيه البدوي الحجازي المتكون العقال المقصب والعبائة العربية.

وتتميز الصدارة (كما يلفضها بعض اهل بغداد) بشكلها النصف المقوس, والمدبب تقريبا من الوسط, وتكون مطوية الى طيتين للداخل ويغلب عليها اللون الاسود وهو اللون الرسمي, الى جانب اللوان عديدة.

وهناك عدة اراء تفسر اصل كلمة السدارة، فهي برأي الباحث عزيز الحجية مؤلف السلسلة التراثية الشهيرة (بغداديات عزيز الحجية), كلمة سامية تعني لباس الراس عند قدماء الفرس, ووردت عند الفيروز ابادي بـ (السيدارة) ويشير بها الى عصبة الراس, ورددت بنفس المعنى في معجم المنجد للغة للأباء الكاثوليك.

انواع السدارة:

للسدارة عدة انواع، ففي بداية ظهورها كانت تصنع من الجبن (الصوف المضغوط) وتسمى بسدارة الجبن وعرفت بحجمها الكبير، وتميزت بأرتدائها الشخصيات المهمة في المجتمع من امثال ياسين الهاشمي رئيس الوزراء في العهد الملكي, والشاعر البغدادي الشعبي الملا عبود الكرخي والشاعر جميل صدقي الزهاوي, وكان لها معمل في بغداد اسس بامر من ياسين الهاشمي.

والنوع الثاني هو السكوجية وكانت تصنع من القماش , وتفصل من نفس قماش الملابس , حيث بعد تفصيل البدلة الرجالية (القاط) تاخذ قطعة من ذات القماش لغرض تفصيل سدارة, وكان حجمها اصغر من سدارة الجبن, واغلب من كان يرتدي هذا النوع السدائر هم افراد الشرطة والجيش في العهد الملكي وكذلك في العهد الجمهوري لغاية عقد السبعينات من القرن الماضي. حيث استبدلت بالبيرية لاغلب صنوف الجيش والشرطة, ومن امهر صناع السدارة السكوجية شخص اسمه جاسم محمد وكان محله يقع في سوق السراي عند مدخل خان الصاغة, وفي مدخل سوق السراي من جهة جسر الشهداء, توجد عدد من محلات عمال قالب السداير الذين يقومون بتنظيف السدارة وقلب الوجه الخارجي الى الداخل عندما يتقادم وتذهب لمعته, وكان اغلبهم من اليهود, ولكن السدارة المقلوبة واضحة للعيان حيث الجزء الداخلي للجوخ خشن وغير لماع.

ويذكر الباحث عزيز الحجية في سلسلته بغداديات: ان السداير الاجنبية (الايطالية والانكليزية) بدات تغزو العراق في الثلاثينات وكانت تصنع من مادة الجوخ اللماع , ومن ابرز مستوريدها (مهدي قنبر و صيون شمعون) ولكن ظلت السدارة الاولى المصنوع من الجبن محل اعتزاز الكثيرين ممن اهل بغداد واطلق عليها السدارة الوطنية, وكان الشاعر الشعبي ملا عبود الكرخي قد ذكر السدارة الوطنية في شعره, حيث انشد قائلاً:

مع كل هذا ليعــــــــــــــــلم

مني كل اجنبي ويفـهم

بالسدارة (الكرخي) مغـرم

حيث للمواطن شعــاره

**************

شعـــــــــار اوطاني وهيه

الليبسوها الوطــــــــنية

عربيــــــــــــة عـــــراقية

صايرة ابراسي اشــارة

محاولة الغاء السدارة:

بعد انقلاب بكر صدقي في 29 تشرين الثاني 1936, ظهرت محاولات لالغاء السدراة من قبل القائمين على الانقلاب, حيث اصدرت حكومة الانقلاب التي تراسها حكمت سليمان, قانوناً يقضي بابدال السدارة (الوطنية), بالقبعة الاوربية لكون الاخيرة من مظاهر التطور والاتصال بالعالم الخارجي, والصحيح ان القائمين على الانقلاب كانوا على خلاف مع ياسين الهاشمي الذي كان الانقلاب موجه ضده بالاساس ولان الهاشمي من المحافظين على لبس السدارة الوطنية كما ذكرنا من قبل,وكان قد امر بجعل السدارة الباس الرسمي لجميع موظفي الدولة العراقية في منتصف الثلاثينات, حيث اراد الانقلابيون ابدال السدارة بالقبعة الاوربية نكاية بالهاشمي الذي توفي بعد فترة من الانقلاب, واخذ بعض من الشباب المتحمس للانقلاب بلبس هذه القبعة, ولكن سرعان ماعادت السدارة الفيصلية (الوطنية) كزي رسمي وعام الى المجتمع بمقتل الفريق بكر صدقي في الموصل وسقوط حكومة الانقلاب بعد اقل من عام من اول انقلاب عسكري في التاريخ العراقي الحديث.

ج. الاتحاد في 27 آب 1988