المثقفون وتتويج فيصل الاول..جريدة (العراق) وتأييدها لعرش فيصل

Sunday 22nd of August 2021 11:05:46 PM ,
5007 (ذاكرة عراقية) (نسخة الكترونية)
ذاكرة عراقية ,

د. سامي عبد مشعب الموسوي

كما ان معظم العراقيين كانوا مجمعين على تأسيس حكومة ديمقراطية دستورية برغم اختلاف الآراء حول نوع الحكومة الواجب اقامتها في العراق. وهذه كلها كانت تقف إلى جانب الملك فيصل وتزيد في احتمال ترشيحه ملكاً على العراق.

وزيادة على ذلك فأن أهم ما قرره مؤتمر القاهرة الذي عقده السير ونستون تشرشل وزير المستعمرات البريطانية لقادة الشرق الأوسط في الثاني عشر من آذار 1921، الذي حضره الوفد العراقي المؤلف من السير برسي كوكس، وجعفر العسكري وزير الدفاع وساسون حسقيل وزير المالية (في الوزارة النقيبية الأولى) والسير هالدين القائد العام للقوات البريطانية والمس بيل ، هو إنشاء حكومة عربية يرأسها ملك عربي من البيت الهاشمي، وقد وقع الاختيار على الأمير فيصل بن الحسينبعد ان اشترط ان يكون حكمه دستورياً نيابياً وان تكون الحكومة ديمقراطية يقيدها الدستور.

كل تلك الظروف والآراء التي قيلت في شخصية الملك فيصل، جعلته المرشح الأول والمفضل لدى البريطانيين لاعتلاء عرش العراق، كما ان الشخصيتين العراقيتين اللتين حضرتا مؤتمر القاهرة، جعفر العسكري وزير الدفاع وساسون حسقيل وزير المالية كانا من المتحمسين لموضوع اختيار فيصل ملكاً على العراق، حيث كانا يمثلان رأي النخبة العراقية المثقفة في كون فيصل مقبول دينياً من العراقيين وهي أمور لم يكن بوسع البريطانيين أيضاً ان يأخذوها بنظر الاعتبار كما ينظر إليها المسلمون عامة والعرب خاصة.

عملت الصحافة العراقية في تلك الفترة على إظهار الاتجاهات العامة للشعب التي تؤشر ميولهم نحو مرشحيهم، وعن شكل النظام الذي يتبعه من يتولى إدارة شؤون البلاد العامة، وبرزت في هذا الميدان السياسي جريدة العراق وكانت من الصحف السباقة لتغطية الحدث المهم في حياة الشعب العراقي. ودافعت بحماس شديد في الترويج للبيت الهاشمي وأظهرت الجريدة رغبتها في ان يتولى عرش العراق أحد أبناء الشريف حسين بن علي.

لقد أكدت جريدة العراق موقف الفئة المثقفة العراقية في مؤازرتها للأحداث المهمة في العراق، كتأييد الملك فيصل في اعتلائه عرش العراق. وبالمقابل أتاحت الجريدة الفرصة أمام الأقلام الحرة لنشر آرائها على صفحاتها والتي عبرت عن جهاد الشعب العراقي في سبيل الحرية والاستقلال ومساهمتهم في النهضة العربية، ففي مقال تحت عنوان: (حول عرش العراق)، قال كاتبه (عراقي مفكر): “ان النهضة العربية اشترك فيها كثير من أبناء الشعب العراقي وجاهدوا في سبيل الحرية والاستقلال” ؛ وقد أنهى مقاله قائلاً: “بما ان العراق للعراقيين، يجب ان تعطى الرئاسة لأحد أبنائه».

ان موقف هذا الكاتب (عراقي مفكر) قد مثل رأي قسم كبير من أبناء الفئة المثقفة العراقية فيمن يتولى الرئاسة، وأكد على ضرورة ان تكون الرئاسة للعراقيين إشارة منه إلى ان الملك فيصل وان كان عربياً فهو ليس عراقياً.

انبرى للرد على هذا المقال عدد من المثقفين العراقيين الذين يؤيدون ويروجون للبيت الهاشمي بأكثر من مقال تدحض هكذا آراء لا تؤيد تنصيب احد أبناء الحسين بن علي، وساهمت بصورة فعالة جريدة العراق في التصدي للأصوات المعارضة للبيت الهاشمي، ففي رد مباشر على المقال السابق (حول عرش العراق)، نشرت الجريدة مقالاً يحمل نفس العنوان (حول عرش العراق) دعت فيه العراقيين ان لا ينسوا فضل الأسرة الهاشمية على الأمة العربية. وانه لن يكون هناك رجل تجتمع فيه الصفات ليكون ملكاً على العراق من غير الأسرة الهاشمية. كما واصلت جريدة العراق تأييدها لترشيح أحد أبناء الحسين بن علي، فهي ترى أنه لا يوجد أحد أحق من أبناء الحسين بن علي في تولي عرش العراق، وطرحت تساؤلاً. مضمونه انه يوجد بين العراقيين رجال، كل واحد منهم يتصف بالحكمة واصالة الرأي، ولكن هل يتفق عليه الشعب، إشارة إلى مقال (عراقي مفكر) الذي دعا فيه كاتبه إلى ان تكون الرئاسة بيد أحد أبناء الشعب العراقي.

كانت الدعايات والاراء كثيرة تروج للملك فيصل وللبيت الهاشمي، فقد نشرت جريدة العراق وحدها بهذه المناسبة بين العاشر من نيسان 1921 وحتى نهايته سبع عشرة كلمة تضمنت أغلبها التشويق للملك المنتظر، وخمس كلمات اختصت بالرد صراحة على الاعتراضات التي وردت ضد تنصيب الملك فيصل وبذلك حاولت اقناع الشعب العراقي بأن زمام الأمور بيده، فما عليه إلا ان يختار الشخصية الجديرة بعرشهم، لكن مجلس الوزراء العراقي بتاريخ الحادي عشر من تموز 1921 قرر بالاجماع المناداة بالأمير فيصل ملكاً على العراق.

استمرت الحملات الاعلامية والدعائية التي كان يقوم بها المثقفون العراقيون لتأييد فيصل ملكاً على عرش العراق واتخذت حيزاً واسعاً في الشارع العراقي طغت من خلاله على الاتجاه المناقض لفكرة تولي فيصل عرش العراق وولدت قناعات لدى أصحاب هذا الاتجاه بأن فوز فيصل بات حقيقية واقعة.

فقد تراجع الكثير من أصحاب الاتجاه المضاد لترشيح فيصل عن مواقفهم وآمنوا برغبة الثوار والشعب والحكومة المحتلة ؛ ومن هؤلاء المثقفين الذين تراجعوا عن اتجاههم المعارض لترشيح فيصل، سليمان فيضي الذي تخلى عن مساندة صديقه طالب النقيب لأن “ الثوار والشعب والحكومة المحتلة” أجمعت على تأييد فيصل على حد تعبيره، كما سلك مثقفون آخرون الاتجاه نفسه في التراجع عن مهماتهم التي كلفوا بها لمعارضة فيصل.

اتخذ تأييد فيصل ملكاً على العراق عند بعض المثقفين العراقيين اتجاهاً متطرفاً في الحماسة ومبالغة شديدة في إظهار الدعاية الاعلامية للنظام الملكي المنتظر. ومن هؤلاء الأخوان (رشيد ومحمد الهاشمي) وهما صحفيان، فقد كانا من أشد المتحمسين لفيصل والنظام الملكي، حتى أن أحدهما (رشيد الهاشمي) تخلى عن عمله في جريدة “دجلة” إذ كان يعمل محرراً فيها لأنه شعر ان اتجاه الجريدة يؤيد النظام الجمهوري، كما قام اخوه (محمد الهاشمي) بحملات دعائية إعلامية تؤيد فيصل، من خلال نشره للمقالات والقصائد الحماسية التي تمجد فيصل وتشييد بدوره القومي ومؤهلاته لعرش العراق. قبل ان يصل إليه.

ومن المواقف المسجلة لدور المثقفين العراقيين في خضم الأحداث الوطنية، لاسيما ترشيح فيصل لعرش العراق، ان شاعر ثورة العشرين محمد مهدي البصير قدم كتاباً خطياً في السادس عشر من تموز 1921 وقدمه لفيصل معلناً فيه مبايعته له وكان محمد مهدي البصير من أشد المعجبين بشخصية فيصل، حتى انه نظم قصيدة فيه ونشرها بعنوان (فيصل في عالم الخيال) في عام 1919،أي قبل ترشيح فيصل لعرش العراق بمدة طويلة، يقول فيها:

ليحيا الأميــر لنــا فيصل شريف النجار كريم النسب ومطلع القصيدة ينم عن التأييد والاعجاب اللذين يحملهما الشاعر للملك فيصل. كما بادر محمد رضا الشبيبي في آواخر عام 1920 إلى إظهار موقفه في ترشيح فيصل لعرش العراق، في كتاب خطي قدمه إلى رجال ثورة العشرين عندما سافروا إلى الحجاز بعد انتهاء الثورة، ذكر فيه:

(ان العقلاء والمفكرين يتفاءلون خيراً، خصوصاً وأقول سمو الأمير فيصل وأصغي إلى أقوال المخلصين العاملين من أهل البلاد وخاصة أولئك الأبطال المجاهدين الذين اشتروا استقلال العراق بدمائهم وأموالهم).

تتابعت مواقف المثقفين العراقيين بمختلف اتجاهاتهم الثقافية والفكرية، تؤيد فيصل بن الحسين ملكاً على عرش العراق، مما يعكس النظرة المستقبلية لهؤلاء المثقفين وادراكهم للواقع الذي يسيرون في فلكه.

كما أدرك المثقفون العراقيون مؤشرات عدة تدور حولهم تنم عن تصميم بريطانيا على تنصيب فيصل ملكاً على عرش العراق وأنها تدعمه اعلامياً وسياسياً إضافة إلى القوة التي تتمتع بها بريطانيا فانها ستسند بها فيصلاً في حال مقدمه إلى العراق، فقد كانت بريطانيا في تلك المرحلة من أكبر الدول الاستعمارية وهي الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس (بريطانيا العظمى) كما تطلق على نفسها. وما تملكه من اسباب القوة العسكرية والسياسية لقهر الشعوب لإرادتها.

وأخيراً فقد اعتلى الأمير فيصل عرش العراق رسمياً في الساعة السادسة من مساء اليوم الثالث والعشرين من آب 1921، وكان عليه ان يضع في حسبانه منذ هذا اليوم ان يتعامل مع واقع اجتماعي واقتصادي وسياسي جديد، يعتمد عليه مستقبل العراق إلى حد كبير، بابتعاده عن المساس بالمصالح البريطانية فيه.وفد ساد التفاؤل في الأوساط المثقفة العراقية، من خلال المقالات الني نشروها في الجرائد، إذ عبروا بها عن فرحتهم بقدوم فيصل، ومما زاد في هذا التفاؤل اعلان فيصل عن نيته المباشرة بوضع دستور للبلاد على قواعد دساتير الحكومات السياسية الديمقراطية .

عن رسالة (دور المثقفين في الحركة الوطنية في العراق في سنوات الانتداب 1920 - 1932م)