الوصي على العرش في حياته الخاصة.. كيف كان عبد الأله يقضي يومه ؟

Sunday 25th of July 2021 10:13:34 PM ,
4988 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

وديان حيدر الدلفي

تشير المصادر إلى أن الأمير عبد الإله كان كل يوم في الساعة السادسة صباحاً,عندما ينهض يقوم بالاستحمام ثم يرتدي ملابسه الخاصة بركوب الخيل ويخرج في نزهة رياضية مع مرافقيه تستغرق عادةً إلى الساعة السابعة, وبعدها يعود إلى القصر ويستحم مرة أخرى ويرتدي ملابسه الملكية, وكان يميل إلى الألبسة الداكنة في الشتاء والفاتحة في الصيف. كماعرف الأميرأنه كثيرالعناية والاهتمام بهندامه لذلك عدته الصحف الأجنبية من أرشق (أناقةً وترتيباً) أمراء العالم وأسلمهم ذوقاً.

اعتاد الأمير أن يتناول صباحاً كوباً من القهوة بالحليب وخلال هذه المدة الصباحية كان يطلع على البريد المستعجل الذي وصل إلى البلاط الملكي بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً, وبالأخص البرقيات التي فيها المشاكل والقضايا الاجتماعية التي قدمها بعض الأهالي إلى الوصي وفيها استعطاف أوتظلم أو برقيات فيها من الأخبار السياسية والحوادث العالمية والعربية والمحلية, وبعد الانتهاء يجتمع عبد الإله مع والدته على مائدة الإفطارعند الساعة الثامنة ويتناول فطوره في جوعائلي تتخلله أحاديث خاصة حتى الساعة الثامنة والنصف، ثم بعد ذلك يذهب إلى المكتبة في داخل القصر ويطالع ما هيأ له مأمور القصر من الصحف الصباحية فيلقي نظرة على أخبارها ويشير بقلم أحمر على ما استوقفه من أخبار مهمة كي يناقشها مع المسؤولين حسب اختصاصهم حول ما جاء فيها من معلومات، وهذه العملية تستغرق حتى الساعة التاسعة والنصف ثم يغادر الأمير قصر الرحاب إلى البلاط الملكي وعند وصوله إلى البلاط يلتقي الأمير في الساعة العاشرة مع كبار موظفي البلاط ويصغي بكل هدوء إلى ما يعرضونه عليه ويناقشهم بما يمكن لاتخاذ القرار المناسب,وتستغرق أعماله الرسمية من الساعة العاشرة والنصف إلى الساعة الثالثة ظهراً.

وفي بعض الأيام يستمر أكثر من هذا الوقت, وذلك لانشغاله في الاطلاع على ما يعرض عليه من عرائض وتقارير داخلية وخارجية ودراستها,وحتى قرارات مجلس الوزراء والإرادات الملكية, ويراجع بعض القوانين والأنظمة التي تصدرها الدولة, وفي هذه الحالة يستعين ببعض المستشارين والاختصاصيين الذين يقدمون له المشورة في تفسير هذه القرارات والقوانين, وكان الأمير عبد الإله يهتم ويستمع ويصغي لهؤلاء المستشارين ويحترم آراءهم وأفكارهم التي يقدمونها له, ومن ثم يتخذ القرار المناسب, وبعض الأحيان يؤجل ما يراه لوقت آخر حتى يصل إلى القرار المناسب في الوقت المناسب.

ومن ضمن برنامجه الرسمي فقد حدد الوصي عبد الإله ثلاثة أيام لمقابلة الوزراء وكبار موظفي الدولة وثلاثة أيام لأبناء الشعب وكان يستقبل ضيوفه واقفاً ويرحب بهم ويطلب منهم الجلوس قبله حتى يشملهم بكل رعاية واهتمام.

يعود الوصي عبد الإله بعد ذلك إلى القصر عند الساعة الثالثة بعد الظهر ليتناول الغداء مع العائلة (الملك وأخواته) ويذكر أن الوصي عبد الإله في أواخر عام 1941 قد ألغى الكثير من الأكلات التي تعدها المطابخ الملكية وحتى وجبات الحلويات التي توضع مع موائد الغذاء, وذلك بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي كان يعيشها الشعب العراقي من جراء الحرب (العالمية الثانية) الصعبة ولابد من تقليل الإنفاق على مثل هكذا مآدب ووجبات ويرى أنها لا تتفق مع هكذا ظروف يمر بها البلد.

وبعد تناول الغذاء فإذا كان الفصل صيفاً ينام قرابة ساعتين ثم يخرج بعدها إلى المسبح مصطحباً معه الملك فيصل الثاني وإذا كان الفصل شتاءً يمارس بعض الألعاب الرياضية إذ كان مولعاً بالألعاب الرياضية, فضلاً عن ذلك كان الأمير عبد الإله يحب ممارسة قيادة السيارة وركوب الخيل ولعبة التنس والسباحة والتجديف والصيد.

عرف الأمير عبد الإله بروحه الرياضية ورعايته للنوادي الرياضية وتشجيعه للشباب لممارسة الرياضة,فكان يقود سيارته بنفسه والتجول في شوارع بغداد وكان شغوفاً بقيادة السيارات المكشوفة على وجه الخصوص أما في الحفلات الرسمية أو عند قيامه بواجبه الرسمي فلا يستعمل غير سيارته (الور)، كما يجيد ركوب الدراجة (الموتوسيكل) إجادة تامة كما يحب ممارسة لعبة التجديف والتي تعد من الألعاب الرياضية المحببة إلى قلبه في فصل الصيف فكان الأمير عبد الإله رجلاً متعدد الهوايات إلا أن أهم هواياته التي أبدع فيها هي رياضة الفروسية التي اعتاد على ممارستها صباح كل يوم بين الحقول الخضراء والبساتين ومن خلال هذه الهواية اقتنى أفضل أنواع الخيول واهتم بتربيتها وإشراكها في السباقات الأسبوعية, فضلاً عن ذلك كان للأمير مقصورة خاصة في سباق الخيل في المنصور التي يتردد عليها برفقة الملك فيصل الثاني .كما له عضوية في أحد الأندية البريطانية الخاصة هو نادي صيد الثعالب البريطاني وهذه الرياضة تجر على ظهور الخيل وتعدمن أهم أنواع الرياضة عند البريطانيين ولها نواديها الخاصة في بريطانيا, وكثيراً ما يرى فيها الوصي أصدقاءه البريطانيين ويجيد لعبة التنس ويهواها حتى يزاولها ثلاث مرات في الأسبوع, وقد اعتاد أن يلعبها مع كبار الضباط العراقيين وبعض الأجانب وعقيلاتهم،وكان محباً لصيد الطيور وله جولات رائعة في الصيد في مناطق خارج بغداد في لواء ديإلى وضواحي لواء الموصل وقضاء سامراء, فكان صياداً ماهراً يقوم بالصيد والقنص وهو على ظهر الخيل أو مشياً على الأقدام وخاصةً في صيد الغزلان وغيرها من طيور الدراج والحباري كما كان للوصي اهتمام بتربية طيور الزينة كالكناري والكاسكو وغيرها من الطيور التي يتم جلبها إليه من الخارج.

أما في الألوية الجنوبية وتحديداً لواء البصرة فكان الأمير عبد الإله يحبذ صيد البط على غيرها من الطيور الأخرى, فضلاً عن ذلك كان للأمير عبد الإله اهتمام برعاية حفلات الصيد التي تقام عدة مرات في السنة ويشارك فيها شخصياً وغالباً ما يصطحب معه الملك فيصل الثاني

وعند الساعة السادسة مساءً يعودإلى قصره بعد ممارسة رياضته المعتادة فيتناول فنجاناً من الشاي أو القهوة إذا كان الفصل شتاءً أما إذا كان الفصل صيفاً استعاض عن ذلك بشراب قدح من عصير البرتقال,كما وأن الأمير عبد الإله كان قليل التدخين في الأيام العادية وربما لا يتجاوز عشرة سكاير في اليوم الواحد والذي أعتاد عليه بعد العشاء, أما في حالة حدوث أزمة سياسية أو مشكلة كبرى يبدأ يدخن كثيراً, تكاد السيكارة لا تنطفئ من يده,ثم بعد ذلك يتناول طعام العشاء مع الأسرة المالكة أما في قصر الزهور أو في قصر الرحاب, قد يضطر في بعض الأحيان إلى استقبال بعض الشخصيات لأمور مهمة, أو قد يزوره بعض المقربين فيأمر بإقامة مائدة أخرى ويتناول معهم الطعام, وبعد ذلك يجلس مع من كان في صحبته ويتحدثون بأحاديث مختلفة. وفي الوقت الذي يستمع إلى من يكون في حضرته يكون في الغالب مشغولاً بتقليب صفحات بعض المجلات الشهرية او الأسبوعية العالمية فيلقي الوصي نظرة على تطور الأحداث العالمية من الناحية الزراعية والصناعية والأدبية, إذ كان له اشتراك في العديد من المجلات العربية والعالمية على اختلاف لغاتها وأنواعها, وهي تقدم الأخبار الجديدةوما وصلت إليه الابتكارات الحديثة في العلوم والفنون والموسيقى,وعند الساعة الحادية عشر ليلاً ينهض للانصراف فينصرف من كان في مجلسه بعد أن نالوا من مجلسه الرعاية والاهتمام.

أما الفنون والآداب في حياة الأمير عبد الإله فقد اهتم بالفنون المختلفة وأعطى لها الاهتمام سواء كان ذلك في الرسم أو التصوير أو الآداب والموسيقى,كما أنه كان يزاول الكثير منها في أوقات الفراغ, ويحب أيضاً سماع الموسيقى لا سيما في أوقات فراغه فيستمع لبعض المحطات الغربية, أو يأمر بوضع الأسطوانات التي يرغب فيها, وتكون على الأغلب من نوع الكلاسيك وبحكم نشأته فهو يحب الموسيقى العربية على اختلاف أنواعها, ويفضل الموسيقى العراقية على غيرها ويستمع إليها في أغلب أوقاته.

كان الأمير يقتني مجموعة من آلات التصوير ليلتقط بها صوراً فنية رائعة, وهو شديد الولع بتصوير المناظر الطبيعية, وكان له اشتراك في الكثير من مجلات الفن, وكثيراً ما يصطحب معه آلة التصوير عند قيامه بالنزهة في الغابات لالتقاط صور بعض المناظر التي يتفاخر بأنها أجمل مما ينشر في الكثير من المجلات ولا يقل إعجابه بالرسم عن إعجابه بالتصوير فكان معجباً بالرسوم القديمة ولديه مجموعة من اللوحات الثمينة لأشهر الرسامين القدماء,كديفنس ورفائيل وغيرهما من الرسامين, كما كلف أحد الرسامين الأجانب برسم بعض مناظر الثورة العربية الكبرى ورجالاتها كي يحلي بها جدران قصره .

عن رسالة : (الحياة الاجتماعية للعائلة المالكة في العراق 1921-1958)