من إنجازات ثورة 14 تموز 1958..البدايات الأولى لملكية الصناعة النفطية العامة

Sunday 11th of July 2021 10:40:08 PM ,
4984 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

أمجد خضير رحيم

لا شك أن الشركات النفطية الأجنبية كانت تمتع هي وحدها فقط بحق تنقيب وإنتاج وتصدير النفط في جميع الأراضي العراقية تقريباً، إلاّ أن تلك الشركات لم تقم بأجراء الاستثمارات اللازمة لاكتشاف وتطوير جميع حقول النفط العراقية، حيث أن استثماراتها كانت مقتصرة على عدة مناطق صغيرة لاتتجاوز نسبتها(0.5 % ) من مجموع الأراضي التي كانت تحت تصرفها.

كما إنها كانت تقوم بتحديد اتجاه سياستها الإنتاجية، بهدف تحجيم أو تصعيد وتائر العائدات النفطية، وبما يؤمن إبقاء الضغط الاقتصادي والسـياسي الخارجي على الدولة بغض النظر عن طبيعة هذه الدولة.

ونظراً لأهمية القطاع النفطي في الاقتصاد العراقي اتخذت الحكومة العراقية خلال هذه الفترة عدة إجراءات كانت ترى ان بموجبها تعزيز لمكانة القطاع النفطي، وأهم هذه الإجراءات مايأتي:

أنهت الحكومة في عام 1958م الامتياز الممنوح لشركة نفط خانقين وتولت بنفسها مباشرة عملية إنتاج النفط في هذه الحقول، وأسست لها (إدارة حقول نفط خانقين) والحقتها بالهيئة العامة لشؤون النفط . في عام 1953م كانت الحكومة العراقية في عهد العراق الملكي قد اشترت جميع ممتلكات شركة نفط خانقين، وفي مقابل ذلك تعهدت الشركة المذكورة بأن تقوم بعملية التكرير والتوزيع نيابة عن الحكومة لقاء أجر سنوي مقطوع

في عام 1959م تولت مصلحة النفط الحكومية إدارة مصفى الوند في خانقين.

أنهت الحكومة في عام 1959م وكالة الشركة الخاصة بتوزيع المنتجات النفطية للاستهلاك المحلي، وأسست (مصلحة توزيع المنتجات النفطية) لتقوم بإدارة عملية التوزيع.

توسيع الطاقة الإنتاجية في مصفى الدورة بإضافة وحدات جديدة، ومد خط أنابيب من حقول نفط خانة في خانقين الى مصفى الدورة، ليقوم بتصفية النفط الخام الفائض عن طاقة مصفى الوند.

كما عمدت الحكومة العراقية في عام 1961م على إصدار قانون تعيين مناطق استثمار النفطرقم 80 لعام 1961م والذي أعتبر أهم إنجاز قد تحقق في هذه الفترة، والذي بموجبه حددت الأراضي التي يحق لكل شركة من الشركات الأجنبية العاملة في العراق الاحتفاظ بها. جاء في الأسباب الموجبة لإصدار هذا القانون (صدر هذا القانون نظراً لعدم استجابة الشركات لحق العراق الشرعي العادل عن طريق المفاوضات المباشرة معها مما استوجب الأخذ بمبدأ استثمار الأراضي المشمولة بمنطقة الامتياز والتي لم تشغلها الشركات صاحبة الامتياز).

وبذلك فان القانون رقم (80)،كان هو بمثابة استعادة لحوالي (99.5 % ) من الأراضي العراقية البالغة مساحتها(438446) كم2، والتي بقيت تحت تصرف الشركات النفطية الأجنبية من دون استثمار ولمدة تجاوزت ٍثلاثين عاما الاّ أن هذا القانون لم يمس المناطق المستثمرة فعلاًَ من قبل الشركات المذكورة، وهي مناطق تحتوي على احتياطي عظيم من النفط يؤمن لهذه الشركات استمرار انتاجها مع النمو والتوسع في هذا الإنتاج بنسبة كبيرة ولمدة طويلة،بل اقتصر الأمر على محاصرتها فقط في المناطق التي يتم أستخراج النفط منها وسحب جميع الأراضي المشمولة بمناطق الأمتياز السابقة وغير المستثمرة من تاريخ صدور هذا القانون.

وبعد صدور القانون رقم (80) قدمت الشركات النفطية الأجنبية دليلاً على قدرتها في استخدام سياسات الإنتاج والتسعير من أجل احتواء الدول المنتجة واستغلال حاجتها الى العائدات النفطية لتمويل انجازاتها العديدة وتأكيد شرعيتها الثورية على الصعيدين السياسي والاجتماعي، وبالتالي نجاحها في ابقاء الدولة الوطنية الجديدة ضمن سياق الوظائف المحددة لها في النسق الاقتصادي العالمي. وهكذا فقد قامت هذه الشركات بتخفيض معدلات زيادة الأنتاج في العراق حيث بلغت (4.7 % ) فقط خلال الفترة (1961-1971م) مقابل(11-12 % ) في الدول المجاورة .

واستكمالا للقانون رقم (80)، شرعت الحكومة العراقية قانون تأسيس شركة النفط الوطنية العراقية في 30 أيلول 1962م ، كشركة ذات شخصية معنوية وتتمتع بأهلية اداء كاملة. لتقوم بتطوير الصناعة النفطية في العراق عن طريق استثمار الأراضي غير المستثمرة وممارسة مختلف النشاطات النفطية داخل العراق وخارجه. بصورة مباشرة أو عن طريق التعاون والمساهمة مع الشركات والمؤسسات الأخرى الوطنية والأجنبية،عدا ماهو مخصص لشركات النفط الأجنبية بموجب القانون (80) لعام 1961م.

ولتقوم كذلك بممارسة مختلف النشاطات النفطية داخل العراق وخارجه وبصورة مباشرة، أوعن طريق التعاون المساهمة مع الشركات والمؤسسات الوطنية والأجنبية الأخرى.

الاّ ان الحكومة العراقية، وبسبب عجزها وعدم قدرتها الفعلية على استثمار الحقول النفطية، دخلت في عام 1964م بمفاوضات جديدة مع الشركات النفطية الأجنبية السابقة، وانتهت في عام 1965م بمسودة اتفاق ينص على استثمار الأراضي التي استرجعتها الحكومة بموجب القانون رقم (80) بصيغة مشاركة تكون حصة الحكومة العراقية فيها (35 % ) مقابل (65 % ) للشركات. الاّ انه وأمام الضغوط السياسية الداخلية الداعية الى عدم التساوم على مصالح لعراق مقابل الزيادة في العائدات النفطية، اضطرت الحكومة العراقية الى التراجع عن مسودة اتفاقية شركة نفط بغداد مع شركة نفط العراق. وخلالها قررت الحكومة الأستمرار بتمويل الموارد المالية من الخطط التنموية الى الميزانيات الاعتيادية وعلى النحو الذي الحق أضراراً كبيرة بعملية التنمية نتيجة التلكؤ في تنفيذ العديد من المشاريع الهامة. وأضافة الى ذلك فأن سياسات التسعير في توجهاتها العامة لم تخرج عن سياسات الأنتاج، فبعد أن كانت الأسعار تحدد قبل تأسيس منظمة الأوبك في عام 1960م على أسس قواعد تنفرد الشركات صاحبة الأمتياز بتحديدها وتطبيقها، أصبحت الأسعار في المرحلة اللاحقة لعام 1960م تحددعلى أساس مبدأ التفاوض بين الشركات والمنظمة المذكورة.

عن رسالة ( التطور الصناعي في العراق 1958 – 1979م)