الأذاعة العراقية والعنصر النسائي.. صور وذكريات

Sunday 27th of June 2021 09:30:15 PM ,
4974 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

د .سندس حسين علي

أحجم العنصر النسائي عن العمل في الإذاعة بسبب الظروف الاجتماعية السائدة آنذاك والتي عدت عمل المرأة في كل دوائر الدولة عملا غير مستحب، لاسيما وأن العباءة السوداء كانت ما تزال تلف المرأة من رأسها حتى أخمص قدميها، ومع ذلك فتحت الإذاعة أبوابها أمام المرأة لتعمل في مجال الأعلام الإذاعي

فكانت أول مذيعة عراقية هي فكتوريا نعمان (ولدت في البصرة، ودخلت كلية الحقوق، انتمت إلى الحزب الشيوعي العراقي، تعرضت للاعتقال، عاشت في مدينة طرابلس اللبنانية ، وعملت في التدريس ناظرة لأول مدرسة ثانوية رسمية للبنات هناك توفيت عن عمر ناهز(80) عاماً. )، عام 1943 حينما ألقت كلمة في حفل بالكلية فصادف أن استمع إليها مدير إذاعة بغداد السيد حسين الرحال فأعجب بإلقائها ودعاها للعمل في قسم الأخبار وبذلك أصبحت أول مذيعة عراقية وصل صوتها إلى المستمعين مرتين كل يوم، في نشرتي أخبار الساعة الرابعة عصرا والساعة الثامنة مساءا إلا أن عملها لم يستمر إلا لمدة قصيرة وزاملتها في العمل السيدة أمينة الرحال ولفترة قصيرة أيضا.

أذاعت الإذاعة إعلانا جاء فيه:((إلى من يرغب بإلقاء كلمة أو قصيدة بمناسبة عيد النهضة العربية (9شعبان) فليتقدم إلى الإذاعة)) فذهبت السيدة صبيحة المدرس( ولدت عام 1925 في بغداد، قبلت في دار المعلمات الابتدائية، خرجت مع الطالبات للتظاهر خلال إحداث حرب آيار1941 ضد بريطانيا، وبعد فشل الحرب فصلت من المعهد وفي عام= =1944 أصبحت مذيعة، وقبلت طالبة بكلية الحقوق لتتخرج عام1951، وعينت سكرتيرة للمكتب الخاص لوزير العدلية جمال بابان وقد كانت طيلة تلك المدة تواصل عملها كمذيعة في إذاعة بغداد، وفي يوم 2 أيار1956 لم يكن هناك مذيعة غيرها لتنقل حفلة افتتاح محطة التلفزيون مع المذيع محمد علي كريم ) ، بتقديم إنشاء للمناسبة وصادف أن سمعها مدير الإذاعة آنذاك الذي أعجب بالقاؤها وعرض عليها العمل في الإذاعة وكانت ما تزال طالبة في الإعدادية المركزية لتعين كثاني مذيعة عراقية بعد فكتوريا نعمان لتصبح صبيحة المدرس بعد سفر فكتوريا إلى خارج العراق المذيعة الأولى، ثم أخذت الفتاة العراقية تدخل الإذاعة للعمل كمذيعة.

انطلقت المرأة من خلال عملها الإذاعي بتقديم برامج أكثر تركيزا للمرأة، فقدمت السيدة كلاديس يوسف( بدأت العمل الإذاعي عام 1956احترفت مهنة التعليم صباحا ومذيعة مساءا، وبدأت العمل في قسم البرامج ثم انتقلت إلى قسم المذيعين عام1960 ) ، برنامجا باسم (ركن المرأة)، ويدعو إلى الابتكار في أعمال المنزل من طبخ وديكور، حرصت على جعله واقعيا ولا تأتي بأشياء بعيدة عن متناول المرأة العراقية لتكون أكثر فائدة وأعم نفعا لربات البيوت،ومن ثم تم اختيار السيدة منى البصري(حينما كانت طالبة في الصف الثاني تقرأ درس المطالعة بمهارة وعن جدارة، مما دفع مدرسة المادة بتشجيعها على القراءة والمطالعة، إلى أن أصبحت مذيعة وبعد نجاحها في المدرسة قدمت طلبا للالتحاق بالكلية، في تلك المدة نشر إعلان في الصحف عن طلب مذيعات في الإذاعة فتقدمت إلى الاختبار وكانت من الناجحين السبعة فقط من أصل عدد المتقدمين (130) طالب) ،لإكمال مسيرة ذلك البرنامج والذي سمي ببرنامج (المرأة)، أصبح ذلك البرنامج أكثر تطورا حينما أخذت السيدة منى البصري بأعداده، إذ كان البرنامج موجها للأسرة والطفل ومدته نصف ساعة ويذاع يوميا، ولم يتم إلغاءه أو تأجيل إذاعته إلا نادرا.

كان لذلك البرنامج صدى واسعا في المجتمع العراقي وما يحويه من أمور تتعلق بالمرأة من طبخ وديكور، وتشجيع المرأة على المطالعة والدراسة (لاسيما الدراسة المسائية) وتذكير المرأة بالإرشادات الصحية، وحملات اللقاح للأطفال والأشهر الأولى من الحمل. كانت مقدمة البرنامج قد حصلت على موافقة الجهات الرسمية بذلك ولاسيما أنها كانت قد ساهمت إلى جانب تلك المؤسسات في توعية المرأة بشكل خاص والمواطن العراقي بشكل عام على جميع الصعد. واستحدثت مذيعة البرنامج طريقة جديدة لتقديم الفائدة للمستمعة العراقية من خلال قيامها حمل الرسائل التي تصل إلى البرنامج إلى أصحاب الاختصاص من الأطباء أو المحامين ويتم الإجابة على تلك المشاكل الصحية أو التي تتعلق بأمور قضائية من خلال البرنامج مباشرة).

أما أول مذيعة كردية دخلت الإذاعة الكردية هي نسرين محمد فخري عام 1958وكانت آنذاك طالبة في دار المعلمين العالية (كلية التربية حاليا) قسم اللغة العربية، إذ طلب منها تقديم عدد من البرامج من الإذاعة الكردية كقراءة الأخبار والتعليقات السياسية، ومأثور الكلام من التراث، فضلا عن تقديم برامج حول التراث الشعبي الكردي، وضم ذلك البرنامج قراءة أشعار مترجمة من العربية إلى اللغة الكردية وطنية كانت أم تراثية.

وإذا كان أثر الراديو على المرأة العراقية في الحواضر والمدن فأن للراديو أثره المتميز هو الآخر في الريف، لاسيما في صفوف المجتمعات التي انتقلت لتوها إلى مرحلة الاستقرار والانفتاح على المدينة، إذ تصبح الكلمة المنطوقة من الراديو قانونا مؤثرا في النفوس ويتجلى ذلك التأثير لدى المرأة أكثر من غيرها، فلا شك إن وصول البرامج الإذاعية إلى الريف البعيد قد أدى إلى فتح أبواب المدن والتحضر لسكان تلك المناطق بصفة عامة وللمرأة بصفة خاصة، لترتبط المدينة بالريف حضاريا وفكريا وروحيا وثقافياً .

بالنظر لمكانة الأم وخطورتها في الحياة الاجتماعية، فلكونها المعلم الأول والخلية التي تقوم عليها كيان المجتمع خلقيا وتربويا فقد أظهرت الإذاعة العراقية اهتماماً لأول مرة بعيد الأم، يوم السادس من أيار 1945حين وضعت منهاجا خاصا للاحتفال بتلك المناسبة، للمرة الأولى من دار الإذاعة اللاسلكية، فقد تطوع لفيف من فضليات السيدات فألفن لجنة باسم (لجنة السيدات لشؤون الإذاعة النسوية) للأشراف على ما يذاع من دار الإذاعة من أحاديث ومحاضرات ومواد أخرى تتعلق بشؤون العائلة والمرأة والطفل وكذلك أعداد تلك المواد وتحضيرها من قبلهن حين الحاجة، وقد تقدمن بطلبهن ذلك إلى مديرية الدعاية العامة فلقين منها كل ترحيب وتشجيع لتلك الفكرة التي تسد نقصا بارزا في مناهج الإذاعة، وهكذا اكتسبت (لجنة السيدات) الصبغة الرسمية وبدأت عملها منذ ذلك التأريخ، فكان لجهودها وخدماتها أثر لا ينكر في رفع مستوى الأحاديث النسوية بمختلف أنواعها وأصنافها ووضعت تلك اللجنة منهاجا خاصا بيوم الأم. وتوج عمل تلك اللجنة حينما أقرت الملكة عالية يوم الأم العراقية يوم 14 أيار 1945.

عن رسالة (توجهات الإذاعة العراقية الوطنية 1936-1958)