مقاهي شارع الرشيد في عهدها الذهبي

Sunday 20th of June 2021 09:32:21 PM ,
4969 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

حيدر كامل العبادي

ارتبط تاريخ بغداد بعدد من المقاهي, التي كانت تمثل المكان الوحيد لرجال المحلة, وأرباب الحرف والأعمال للراحة بعد قضاء أعمالهم اليومية, كما ترتاد هذه المقاهي طبقات الناس المختلفة,وكان لكل مقهى روَّادهِ الذين تربطهم صِلات اجتماعية أو مهنية,

فبعضها كانت منبراً لمجالس السياسة وعقد الندوات وخروج التظاهرات, ومكاناً للتعلم, ولقراءة الجرائد, ومركزاً لتواجد المختار وكاتب العرائض, واخرى كانت مخصصة لمجالس الأدب والشعر واللهو وشرب الأركيلة, فضلاً عن أن البعض من هذه المقاهي تمارس فيها بعض الألعاب كالطاولي والدومينو،ومن السمات الأخرى التي اتسمت بها تلك المقاهي أن أصحابها يستعينون برواة القصص الذين يقصون أخبارهم على روادها كعملية ترويجية للمقهى.

ومن أبرز المقاهي التي كان لها صدى في شارع الرشيد ومكان يجتمع فيه الكثير من الرواد:

1 - مقهى سيد بكر:

يعود تاريخ أنشائها إلى منتصف القرن الثامن عشر, وتقع جوار مدخل القلعة الجنوبي,وكانت مركزاً لتجمع الصم والبكم,فضلاً عن هواة تربية البلابل ونطاح الكباش وكسار الديكة, وأطلق عليها عدة تسميات فسميت بمقهى (الخرسان والطرشان)ومقهى(باب القلعة) ومقهى(البقجة), ومنها خرج النجار الأخرس, الذي استشهد في ثورة العشرين امام(جامع الحيدر خانة) وبقيت حتى عام 1954,إذهدمت وتم تشييد بناية دائرة إسالة ماء بغداد بدلاً عنها.

2 - مقهى الزهاوي(مقهى امين):

أفتتحت عام 1917, تقع عند مدخل شارع حسان بن ثابت وكانت ملتقى للنخب الثقافية والأدباء والشعراء والكتاب, وسميت بهذا الاسم نسبة إلى الشاعر جميل صدقي الزهاوي بعد وفاته عام1936, إذ كانت تسمى بمقهى أمين،وكان الزهاوي يعقد مجالسه فيها باستمرار, وكثيراً ما شهدت في الثلاثينيات القرن الماضي حلقات السجال والمناقشة بين الزهاوي والشاعر الكبير معروف الرصافي,التي أدت بالرصافي إلى تركه هذه المقهى واتخاذه من مقهى(عارف اغا) مقراً جديداً له, كما شهدت ماعرف بـ(المعارك الأدبية), إذ كان الزهاوي يرد على مقالات عباس محمود العقاد التي كانت تنقلها الصحافة العراقية والمصرية,ولقربها من شارع الصحافة والمطابع كانت ملتقى المراسلين والصحفيين, وزارها العديد من الأدباء العرب والأجانب منهم الشاعر الهندي طاغور عام 1932, الذي أبدى أعجابه بهاوكتب فيها قصيدة جاء في بعض منها:

أيها الرحالة, اينبغي ان ترحل؟ الليل ساج, والظلمة تمشي فوق الغابة المصابيح تشع في شرفتــنا والزهر كله ترقرق رياناً وغضـاً والعيون الفتية تـسـتيقظ هادئـة هـــــل حان وقت الظعــــــــــن؟.

3 - مقهى عارف اغا:

افتتحت عام 1918, وتقع بالقرب من جامع الحيدرخانة, وتعود لعائلة الثري البغدادي عارف اغا، وكانت على شكل سقيفة مبنية من الحصران, وتم هدمها عام1925,وأعيدت بناؤها من جديد وبنحو حديث,من طابقين أرضي شتوي وطابق علوي صيفي, وكانت تقام فيها حفلات المقام العراقي الذي كان يعد من الفنون الغنائية الذائعة الصيت في بغداد, فضلاًعن كونها ملتقى السياسيين والصحفيين والشعراء والتجار، واتخذ منها الشاعر معروفالرصافي مكاناً لعقد مجالسه.

4 - مقهى حسن عجمي:

أفتتحت عام 1928,وتقع في محلة الحيدرخانة،ومما عرف عن تلك المقهى أناقة صاحبها حسن عجمي في ملبسه وحسن تصرفه، وكثيراً ما كان يقتطع بعض من زوايا المقهى لطلاب المدارس ويهيئها لهم للدراسة.اختلفت الآراء في أصل التسمية بـ(حسن عجمي ) فقد أشير إلى أن عمال المقهى كانوا من العجم، فيما ينسب البعض أن صاحب المقهى أصله من العجم ولهذا اطلقت هذه التسمية ، كما قيل أن حسن عجمي عراقي و(عجمي) اسم والده الحقيقي ولا علاقة له بـ(العجم).

وعرفت بالنظافة, فقد كانت تقدم أواني الشاي في صينية بيضوية للحفاظ على نظافة فراش المقاعد، كما تحوي على طابق علوي, اتخذه صاحب المقهى كفندق,إذ كان يبيت فيه القادمون الى بغداد من المحافظات المختلفة مقابل مبلغ بسيط من المال,ومن سماتها الأخرى, أنهاكانت ملتقى المثقفينوالأدباء والشعراء الذين كانوا يناقشونفيها شؤون الفكر والثقافة المختلفة والحوار الفعال،وهي من أول المقاهي التي أستعملت طريقة الكاشير في محاسبة الزبائن, إذ كانت تعطيللزبون (فيشة الحساب) مع ما تقدمه إليه من خدمات.

5 - مقهى البرلمان:

أفتتحت في منتصف الاربعينيات من القرن العشرين, وتقع مقابل جامع الحيدرخانة وتطل على شارع الرشيد بواجهتها الزجاجية، وتعود للحاج حسين فخر الدين,وكانت ملتقى للنواب والشيوخ والتجار والأدباء وبعض من السياسيين ذوي الميول اليسارية القادمين من النجف والفرات الاوسط،أماعن تسميتها الأخيرة بـ(البرلمان) فيقال أنها نسبة إلى ان غالبية روادها من أعضاء البرلمان.

6 - مقهى البرازيلية:

أفتتحت عام1937, وسميت بهذا الاسم نسبة إلى (البن البرازيلي),الذي تقدمه لزبائنها، وكانتنظيمها وشكلها أقرب الى الطراز الأوربي, من حيث (الكراسي) التي استعملت لجلوس الزبائن والطاولات الحديثة واللوحات التي كانت تملأ جدرانها, ولم تكن فيها ألعابكالتي كانت منتشرة في وقتها(دومنيووالطاولي), إذ اقتصرت على لعبة(الشطرنج)، وكانت تقدم فيهاالعصائر والمشروبات الغازية والشاي،

وفيها قال المله عبود الكرخي:

الكـهــــوة البـرازيليــــة إجتكم يا كهوجــيـة

صرتي اليوم ياكهوة في كل المــلأ زهوة

وبهذا القطر شـهوة الى الامة العراقــية.

أما روادها فكانوا على الأغلب من الطبقة المثقفة والأغنياء, وذلك لارتفاع أسعار مشروباتها.

يتضح لنا مما تقدم, أن المقاهي لم تكن مجرد مكاناً لشرب القهوة والشاي وتزجية أوقات الفراغ للعاطلين او العائدين من أماكن عملهم فحسب, بل كانت المكان المفضل لغالبية الأدباء والشعراء ومختلف طبقات المجتمع, وادت دوراً في الحركة الأدبية والثقافية والسياسية, فهي حلقة وصل بين جمهور متعطش للثقافة والفكر والفن ومبدعين يبحثون عن صدى إبداعهم لدى المتلقي, ومكان تنطلق منه تظاهرات القوى الوطنية ضد الهيمنة البريطانية, وإجراءات الحكومات المتعاقبة التي لم تكن تصب في مصلحة الوطن, فضلاً عن كونها أمكنة للقاء القادمين من المدن المختلفة الى بغداد بأصدقائهم وأبناء مدنهم, ممن قطنوا بغداد للعمل أو السكن الدائم فيها.

عن رسالة (شارع الرشيد 1916-1959دراسة تاريخية)