من تاريخ الحركة الديمقراطية..الحزب الوطني الديمقراطي في الحلة

Sunday 20th of June 2021 09:28:35 PM ,
4969 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

د. ستار علك الطفيلي

نتهت الحرب العالمية الثانية، وبدات توجهات العالم نحو بناء مجتمعات ديمقراطية، لاسيما ان انتصار دول الحلفاء في الحرب دعم هذا الاتجاه، على أساس ان هذه الدول كانت تمثل المعسكر الذي ينشد الحرية والديمقراطية لشعوب العالم بحسب ادعائهم.

ظهرت عدة احزاب سياسية في عهد وزارة توفيق السويدي عام 1946، علما ان الحياة الحزبية لم تكن جديدة في العراق، فهنالك أحزاب وجعيات ظهرت قبل هذه الفترة ، لكن الاحزاب التي ظهرت بعد الحرب كان وضعها يختلف عما هو عليه قبل الحرب، اذ بدت هذه الاحزاب اكثر تحرارا واستقلالية، كما انها استطاعت ان تحقق انتشارا، وبالتالي كان تاثيرها في الجماهير أعمق وأوسع، بل ان مواكبة الاحداث والتطورات كانت سمة من سمات الاحزاب التي برزت بعد الحرب.

وكان من الضروري ان تتاثر النخبة السياسية الحلية بظهور هذه الاحزاب ، على الرغم من تباطؤ هذه النخبة في الانتماء الى أي حزب من الأحزاب عند تكوينها عام 1946م، فلم يشترك الشيخ عبود الهيمص مثلا في أي حزب، يبدو ان له موقفا من الحياة الحزبية، أو العمل في أي حزب، كان هذا الموقف حصيلة تراكم نظرته الى الاحزاب التي نشات في بداية تشكيل الدولة العراقية، فهو ينظر اليها على انها احزاب موسمية تنتهي وتختفي عن الوجود بانتهاء مهمتها التي تالفت من اجلها، بل يرى ان الانضمام الى حزب و آخر شيء تحركه المنافع و المكاسب الشخصية .

ان الشيخ عبود الهيمص ينقل لنا عدم جدية الحكومة في الحياة الحزبية، حين سأل الشيخ عبود الهيمص عبد الاله عن مدى ايمانه بالعمل الحزبي، فأبدى الوصي عدم رغبته قائلاً عبود: “أرجح ان لا تنظم الى الاحزاب» .

ولم يكن رأي الوصي عبد الاله منعا له الانخراط في العمل الحزبي، بل ان نظرته الى الاحزاب، وموقفه الذي اتخذه بعدم الاشتراك فيها ظل ثابتا، حتى بعد المحاولات العديدة من رؤساء الاحزاب التي تأسست في عهد وزارة توفيق السويدي، اذ يذكر محاولة السويدي نفسه حين كان رئيسا لحزب الاحرار للانضمام الى حزبه، الا ان الشيخ عبود الهيمص اعتذر بكثرة اشغاله وأعماله الخاصة، وتكررت المحاولة من حزب الامة الاشتراكي الذي يرأسه صالح جبر، وجاءت هذه المحاولة عن طريق الشيخ دوهان الحسن و السيد جعفر القزويني، وعبرا عن رغبة صالح جبر الشخصية بانضمام الشيخ عبود، لكنه اعتذر ايضا، وقد اصر على اعتذاره حتى بعد اللقاء الذي تم بينه وبين صالح جبر، واعلان عبود الهيمص عن اعتذاره ايضا للسيد خليل كنة، عن عدم مقدرته في العمل في الحزب الاتحاد الدستوري الذي ألفه نوري السعيد عام 1949، الذي انضمت اليه الكثير من الشخصيات السياسية الحلية ، ولكن الشيخ عبود اكد رغبته على البقاء مستقلا.

أكد ان عدم استجباته للدعوات التي وجهت اليه بخصوص الاشتراك في العمل الحزبي قائلا : “ وإصراري على الاعتذار لشعوري وقناعتي بان تلك الاحزاب لم تكن بالمؤسسات السياسية الجادة التي تملك قوة الاستمرار و العمل في صفوف الشعب، و بالتالي العمل على قيام حكم نيابي ديمقراطي مستقر” .

اما عبد الوهاب مرجان، وهو محام على درجة عالية من الثقافة و الطموح، فقد استهوته الحياة الحزبية منذ بداية نشاتها، فكان أحد مؤسسي الحزب الوطني الديمقراطي، حين أجازته وزارة الداخلية في الثاني من نيسان عام 1946.

كان عبد الوهاب مرجان من بين الثلاثة من مؤسسي الحزب ، من غير جماعة الاهالي، وعقد اجتماع في السادسة والعشرين من نيسان عام 1946م، لانتخاب اللجنة المركزية للحزب و التي تألفت من سبعة أعضاء، لم يكن عبد الوهاب مرجان من ضمنهم رغم ترشيحه مما أدى الى انسحابه من الحزب وقد انسحب معه عبد الكريم الازري وعبود الشالجي وصادق كمونة.

اختلفت الاراء حول انسحاب عبد الوهاب مرجان من الحزب، فهناك من يرى ان انسحابه جاء لأسباب طائفية، اذ يرى محمد صادق سعيد عضو اللجنة المركزية السابق، ان حسين جميل سكرتير الحزب، كان يحاول ان يكون تيارات سنية لتبوء المراكز القيادية للحزب، في حين نفى حسين جميل ذلك، وأيد نفيه بان عبد الكريم الازري كان نائبا للرئيس عند استقالته، وصادق كمونه ومحمد عبود الشالجي عضوان في اللجنة المركزية، وان انسحاب عبد الوهاب مرجان جاء نتيجة غضبه لعدم فوزه بانتخابات اللجنة ، ولوجود خلافات حول اساليب العمل في الحزب .

يذكر ان عبد الوهاب مرجان اوضح اسباب استقالته قائلا: « ان سبب انسحابي ومعي بعض الاعضاء المؤسسين للحزب، هو قبول انتساب عدد كبير من اليساريين الشيوعيين اعضاء في الحزب، وهذا يتعارض مع اهداف ومبادئ الحزب، وبالتالي عدم قدرة الجادرجي في صدهم، وضعفه في مجابهتهم، وانه حاول وأقرانه المنسحبين من الحزب مرات عدة وتباعا تصحيح المسار ، وانهم حذروا كامل الجادرجي وطالبوه بعدم قبول الشيوعيين في الحزب، والا ستكون النتيجة انسحابهم من الحزب، وبالفعل كان ذلك. .

وما يؤيد هذا الرأي، هو قبول عدد غير قليل من الشباب الذين يحملون الافكار الماركسية، الذي تدفعه بعض المنظمات السرية من اجل السيطرة على الحزب وتوجيهه كيفما يريدون، اما حنا بطاطو فيرى ان الاكثرية التي حضرت انتخابات اللجنة المركزية هزمت عبد الوهاب مرجان، وانتخبوا يساريا وهو المحامي زكي عبد الوهاب، كما ذهب الحسني من قبل الى هذا الرأي، في حين يذهب شقيقه، ان استقالته كانت نتيجة شعوره ان الحزب لم يكن لديه توجها قوميا).

هكذا يتضح من خلال الاراء، ان الاسباب التي ادت بعبد الوهاب مرجان الى الاستقالة من الحزب الوطني الديمقراطي كانت ايدلوجية، اضافة لعدم فوزه بعضوية اللجنة المركزية في الحزب، اما الحزب الذي تركه عبد الوهاب مرجان بعد اربع وعشرين يوما، فقد قدم لائحة اصلاح لكل مظاهر الحياة العراقية بوسائل ديمقراطية، وبحسب خطة منظمة وشاملة، من اجل اقامة دولة ديمقراطية، اذ تطرق منهاجه الى الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة، مع التركيز على النقاط المهمة، اذ دعا الى زيادة حصة القلاح من الانتاج الزراعي، وضمان حقوق العمال لبلوغ حياة ديمقراطية، واستكمال استقلال العراق.

وصف الحزب بالوطنية والديمقراطية، بوصفهما عنصرين مترابطين، ويؤمن بارتكاز كل منهما على الاخر، اذ امتاز الحزب بالتوجه الديمقراطي الذي يكاد يكون سمة تميز بها، من خلال اعطائها الاولوية في عمله، ورغم دعوته ودفاعه عن المبادئ الاجتماعية المعتدلة التي تبناها في منهاجه.

عن بحث ( موقف نواب الحلة من انبثاق الحياة الحزبية ) جامعة بابل 2010