عيد الصحافة العراقية..مع العدد الأول من جريدة الأهالي سنة 1932

Sunday 13th of June 2021 09:19:29 PM ,
4964 (ذاكرة عراقية) (نسخة الكترونية)
ذاكرة عراقية ,

د. بشرى سكر الساعدي

عُدَّت جماعة الأهالي أول هيأة عقائدية محلية نشأت في بلد عربي، وقد استطاعت أن تجذب أنظار الجيل الجديد في العراق نحوها، لأنّها أثارت جدلاً سياسياً حيوياً بين جيلين من الساسة. وامتازت عناصرها وافرادها بالوعي السياسي العام، وبالاندفاع في العمل السياسي الجاد كما يرى كامل الجادرجي. ونتيجة لذلك توقّع البعض لأصحاب هذه الجماعة مستقبلاً كبيراً، وأنَّ أفرادها سوف يصبحون قادة في المستقبل القريب.

وهذا ما حصل فعلاً، إذ أصبح لهؤلاء الافراد شأن كبير ودور فعّال في المجتمع، من خلال المبادئ التي نادت بها تلك الجماعة. وضمن هذا الاطار بدأ نشاط حسين جميل وتفكيره السياسي في التبلور، ورسم ملامح واضحة لشخصيته السياسية مستقبلاً.

كان النشاط البارز لحسين جميل ضمن الجماعة هو السعي للحصول على امتياز لإصدار صحيفة ناطقة بلسانها، هي صحيفة الأهالي، بعد أن تبلورت فكرة إصدارها بعد توقف صدور الكراسات الخاصة بالجماعة، التي يعبرون من خلالها عن أفكارهم وآرائهم الوطنية. ولما كانت تلك الافكار جديدة على الساحة السياسية، لم يكن أصحاب الصحف يرغبون في نشرها. وعلى هذا اتفقوا مبدئياً على اصدار صحيفة يومية يستطعيون من خلالها نشر دعوتهم، وإيصال مبادئهم التي نادوا بها، وكان حسين جميل حينها من المتحمسين لهذا التوجه، ونتيجة لذلك جرى الاتصال بينه وبين كلّ من عبد الفتاح ابراهيم وعبد القادر اسماعيل ومحمد حديد لتوحيد عملهم ومساعيهم، واتفقوا على أسلوب عملهم في الصحيفة، بأن يكون بالوسائل الديمقراطية. وهكذا أخذ كلّ من عبد الفتاح ابراهيم و حسين جميل الاتصال بأصدقائهما الذين كانوا معهما، وعرضا عليهم الفكرة، فوافق بعضهم على الارتباط بهما، في حين أخذ بعضهم الآخر موقف التأييد و الدعم فقط، فاتصلا بكلّ من خليل كنه وجميل عبد الوهاب، اللذين وافقا على المساهمة فقط، في حين وافق ابراهيم بثيون على المساهمة في هذا الموضوع العمل بوصفه مشروعاً اقتصادياً ليس الا. أَوكلت الجماعة إلى حسين جميل مهمة تقديم الطلب إلى وزارة الداخلية لإصدار صحيفة يومية بأسم (الأهالي). وبالفعل قُدّم الطلب إلى الوزارة من قبل حسين جميل في 16 حزيران عام 1931. بدأت الجماعة في وضع منهج الصحيفة والاهداف والمبادئ التي تسعى من أجلها، وبعد مداولات خاضها حسين جميل وغيره اتفقت الجماعة على المحاور الرئيسة للعمل، والتي تخص جميع جوانب الحياة وميادينها المختلفة، إذ أصبحت فيما بعد المادة الأساسية للشعبية التي نشرت على شكل كراس طبع في عام 1932، وهو الشعبية- "المبدأ الذي تسعى الأهالي الى تحقيقه". ثم بدأوا بالاجراءات الأخرى، منها تهيئـة رأس المال الواجب توافره لإصدار الجريدة، وشراء مطبعة، ودار نشر مستقلة خاصّة بها، لكي لا تخضع لمؤثرات الآخرين،لأنّهم وضعوا في حساباتهم أنّهم سوف يلقون معارضة من بعض الجهات ولاسيّما أنّ توجهات الجريدة، وما تتضّمنه من أفكار ومبادئ ومفاهيم تعدّ جديدة انذاك. غير أنّ مساهماتهم المالية لم تكن كافية لإصدار الجريدة. فاقترحوا مشاركة أشخاص لمساعدتهم مالياً، من غير أن يتدخلوا في سياسة الجريدة أو في تحديد أبوابها. فشارك بعض الاصدقاء بأموالهم لأجل شراء مطبعة عبد اللطيف الفلاحي الذي وافاه الأجل قبل أن يتسلَّمَ مطبعته من الكمارك، لهذا تولَّى ورثته المهمة وقاموا ببيع المطبعة للجماعة. وقد ضاعفت الجماعة جهودها من أجل إصدار الجريدة في اليوم الأول من عام 1932، قبل انتهاء المدة القانونية المحددة من وزارة الداخلية لإصدار الجريدة، غير أنّهم فوجئوا بوجود خلل فني، فاضطروا بسببه إلى تأجيل الموعد إلى اليوم التالي، إذ استعانوا بإحدى المطابع لطبع العدد الأول فيها. وهكذا صدرت جريدة الأهالي تحمل اسم حسين جميل بصفته مديرها المسؤول. كان تأثير ظهور هذه الجريدة في الحياة السياسية في العراق واضحاً، إذ بعثت اتجاهاً سياسياً جديداً لمعالجة الأوضاع السياسية والاجتماعية، وكانت المجال الوحيد لبثّ الأفكار التقدّمية في مجتمع متخلف. فكانت بمثابة وعاء فكري ورسالة توجيهية إلى الجمهور، وغدت من أبرز الصحف الموجودة في العراق، ولم يكن ذلك مصادفة، أو لقلّة الصحف آنذاك، أو لكونها صحيفة معارضة، لكن بسبب حفاظها على المستوى الرفيع في كتابة الافتتاحيات ونشر التقارير والتحقيقات، ولعلَّ الأهمّ من ذلك كلّه أنّها كانت تعبّر عن المشاعر العامة ومطاليب الناس، وتعبّر عن رغبة الشعب في حياة أفضل. ونتيجة لذلك عدّ صدورها بداية نشوء تيار سياسي وفكر وطني جديد تبنَّته مجموعة من الشباب الداعين إلى مفاهيم جديدة في المجتمع العراقي، لذا أصبحت بحق لسان حال كلّ الحركة الوطنية التحررية في العراق. كتبت الصحيفة في عددها الاول مقالاً افتتاحياً بعنوان"منفعة الشعب فوق كلّ المنافع"، أوضحت فيه أهم المبادئ والأهداف التي صدرت من أجلها، وحاولت رسم معالم سياستها العامة وحقيقة ما تدعو إليه، اذ أوضحت أنّ منفعة الشعب هي المنفعة الأولى، ولا سيَّما في رفع مستوى معيشته، وضمان رفاهه المادي والنفسي، لذا تبنَت الدعوةَ إلى سياسيةٍ اقتصادية جديدة، واستثمارالمواهب الفكرية، وموارد البلاد الاقتصادية، وخيرات البلاد المختلفة، بأفضل الطرق وأضمنها نفعاً، ويقصد بالشعب هنا السواد الأعظم من الأهلين. وعلى الصعيد نفسه نبَّه حسين جميل على مقدار الصعوبات التي تواجة جماعة الأهالي في الحاضر والمستقبل، وما يحتاجه هذا العمل من خدمة وتضحيات وكفاح في سبيل خدمة السواد الأعظم من جميع نواحي الحياة اليومية. ولأجل إبعاد صفة الحزبية عن الجريدة، ذكرت المقالة أنّ الجريدة لا تشايع حزباً ما، وأنّ الأحزاب اتخذت طريقاً خاصًّا بها، وقال"حقيقة دعوتنا هي منفعة الأكثرية، وأنّ ما نورده من أفكار هو من وحي عقولنا، من غير أيّ مؤثّر سياسي معيّن". وعلى الرَّغم من كلّ الظروف شارك أعضاء جماعة الأهالي جميعهم في تحرير الصحيفة، فأشرف كلُّ واحدٍ منهم على القسم المناسب له، فكان حسين جميل يعمل بصفة محرر ويساعد في إدارتها، فضلاً عن أنّه كان يكتب في الشؤون القانونية، لأنّه كان قانونياً متمكَّناً، كما كتب عن الحريات العامة و الشؤون الدستورية والمفاهيم الديمقراطية. وكان يعهد إليه كثيراً بكتابة المقالات الافتتاحية، إذ كان يتمتع بأسلوب سليم ورصين، يمتاز بالاتزان والاعتدال ومراعاة طابع الكتابة الصحفية. أمّا عبد الفتاح ابراهيم فكان مسؤولاً عن المقالات السياسية والاجتماعية والتاريخية، التي تركّز على التفسير العقائدي للشعبية، وعلى ترجمة المقالات والكتب المختلفة، فضلاً عن اسهامه في كتابة الافتتاحيات في بعض الاحيان(. في حين كتب محمد حديد في المجالات الاقتصادية، لأنّ الأهالي امتازت بمعالجتها للعديد من الموضوعات الاقتصادية، بسبب الظروف الاقتصادية العالمية القائمة آنذاك. كما ترجم فصولاً مِن آراء هارولدلاسكي. أمّا عبد القادر اسماعيل فكان مشرفاً على عملية الطبع، فضلاً عن كتابته قصة اليوم، التي أبدع فيها كثيراً بسبب هوايته الخاصَّة لهذا الفنّ الأدبي وامكانياته التعبيرية، وشارك مجموعة من المثـقفين في رفد الصحيفة بموضوعات مختلفة، ومنهم عبد الله جدوع ولطفي بكر صدقي وقاسم حسن ويوسف متي، ولاسيّما في مجال القصة، لكونها الوعاء الفكـري والاطار الأدبي لنشر الآراء. وامتازت أغلب الافتتاحيات التي كان لحسين جميل دور كبير فيها، بأسلوب واضح ولغة مشرقة، ووفق أسلوب لم يتغير قط، فالعنوان المعبّر يشير إلى الموضوع، ثم يأتي المقال لمعالجته وتحليله، ويطرح بعد ذلك حلاً له.

عن رسالة (حسين جميل ودوره السياسي..)