لنتذكر سعاد الهرمزي

Sunday 23rd of May 2021 09:40:52 PM ,
4949 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

يوسف العاني

صباح الاثنين 12/1/1982 جاءني النبأ .كنت قد خرجت من الدار بعد عشرين يوما من معاناة المرض الذي لا أحبه وأتحداه دائما صباح الاثنين ..جاءني النبأ ..وقفت وقفة حزن وأسى وخشيت أن أبكي ..لا أدري لماذا هذه الخشية ؟ لا أدري ربما لأننا ماعدنا نلحق لوداع من نحب واحدا بعد واحد . وربما لأن لحظات الصمت أحيانا أعمق تعبيرا من كل الدموع وأبلغ منها..لكن الصورة راحت تتداعى من الذاكرة .

قبل سنوات كتب لي (سعاد) كارتا يحمل اسمه في جلسة فنية أقامتها نقابة الفنانين كلمات محبة ووفاء ..قبلته وقلت له : يا سعاد قليلون الذين مكثوا في الأرض بصلابة الإنسان الذي نحلم به ونفخر ..أنت واحد من هؤلاء.. التفت إلي وكانت الدموع تملأ عينيه ولم يقل كلمة . بعد أشهر التقيته أمام دار الإذاعة على الرصيف المقابل ،واقفا .كان مترددا في الذهاب إليها ..ينظر فقط ولا يتحرك ..بعد ان سلمت عليه .سألته :هل أعاونك على العبور ؟ ..أمسك بيدي وقال بصوت متهدج ،عصي عليه توضيح الكلمات ..ليست المشكلة في عبوري . المشكلة في أن أكون هناك..وأشار الى دائرة الإذاعة والتلفزيون..كيف أكون هناك وأنا بلا مكان ولا موقع ولا صوت ؟ ضحكت بتكلف واضح وكأنني لم أدرك ما كان يريد .أمسكت به توجهنا إلى دائرة الإذاعة والتلفزيون . وعند الاستعلامات رحب به الجميع ،وتركته محاطا بهم في طريقه إلى داخل الإذاعة . بقيت أسأل عن صحته وكان آخر لقائي مع ولده (ضياء) وهو يتسلم جائزة تكريمية من السيد وزير الثقافة والإعلام قبل أسابيع . ويوم الاثنين وصلني النبأ . لقد ودع سعاد الحياة .ولكنه ما ودع وهو في آخر رمق ،ذلك التاريخ الحافلوالمؤثر ، ما ودع (المايكروفون ) عشقه الكبير منذ أن كان يحدو في درب الإذاعة ومعه السينما.كان كاتبا ومتابعا وناقدا يلاحق الحركة الفنية داخل العراق وعبر البلاد العربية والعالم . ظل يقرأ الكثير ويستمع إلى كل الإذاعات ويشاهد آخر صرعات السينما محاولا اللحاق بالجديد الآتي وكأنه يسابق الزمن .. وكان صوته يعبر عن كل تلك الطموحات عبر ذلك المعشوق ( المايكرفون) وعبر ما يكتب وينشر . يوم الاثنين 12/1/1998 بقيت ساكنا ..آثرت العودة إلى داري ..إلى فراش المرض لأستل القلم وبضع أوراق نقية بيض مثل قلب سعاد الهرمزي ،وأكتب سطورا من الذاكرة عساها تشفع لي عن عدم قيامي بفروض وواجبات وداعه.. عساها .. وحين يغيب سعاد الهرمزي ، صاحب الأوصاف الحميدة التي تذكر قبل أن يذكر اسمه ،هل يكفي أن نستعيده (من الذاكرة) ؟ وأية ذاكرة تلك التي كانت خزين محبة وصندوق حكايات حلوة لا تنضب وتعبير وفاء .ما كان ينسى فيه أحدا من الخالدين أو المبدعين أو الطيبين .." . وبغياب الهرمزي، انطوت صفحة ناصعة من الحب والعمل الدؤوب في خدمة شعبه وثقافته وتراثه . ولقد أدى الراحل العزيز دوره كاملا ، فحق علينا أن نحتفي بإنجازاته الفنية.

مجلة (ألف باء) ، العدد 1532 ، السنة الثلاثون ، 4 شباط 1998 .