التحولات اللونية لنهى السومرية

Wednesday 7th of April 2021 10:49:09 PM ,
4918 (عراقيون)
عراقيون ,

عبد الكريم كاظم

فكرت أن أكتب إليك بعد قراءة يومياتك عن بغداد ولكن يا لحسرتي... فقد رحلت ولم يسعفني هذا الرحيل المفاجئ للكتابة إليك، لقد أختطفك الموت مثلما أُختطفَ العراق قرأت ما بين السطور في يومياتك عن بغداد فصعقت للحقائق التي بقيت تدوي في رأسي المعطوب أصلاً،

استوقفتني كلماتك طويلاً تلك التي كم كنت أتمني أن أجد لها تفسيراً يضاهي حقيقتها، لا أدري ما الذي أصاب عفوية الأشياء ومن أين لي القدرة التي من خلالها أعيدُ ترتيب الوطن كما كان من قبل بعد أن عبث به وبعثره البرابرة الجدد. للأسف الشديد لقد مرّ هذا العمر سدى بعد أن أدركت تماماً أن ما جري وما سيجري لاحقاً قد حمل معه تلك التراكمات الفظيعة التي أفرزت القشة التي ستقصم ظهر البعير بعد أن أعطبت روحه وجعلته نافذ الصبر في صحرائنا الربذية.

يا سيدتي السومرية.... يتثائب الزمن ويتمطي، ربما الصفحة التي تتبدل في الوطن هي صفحة الوفيات فأرض الراحلين العراقيين تتسع حتى تحتل صفحات أخري ويبقي الموت يزحف حتى يأكل من الصفحات المجاورة وربما سيأتي يوماً وهو ليس ببعيد سنضطر علي دفع إعلان انتقالنا الي رحمته تعالي، فصلتنا الوحيدة بالواقع هي المؤامرات الدنيئة، الإنفجارات، السيارات المفخخة، الإنفجارات والموت الذي نسمعه جيداً ونحن علي مرمي حجر من الوطن، ها أنت تغادرين وتبقي أنية الزهور علي مقربة من قبرك تتطابق وألوانك التي كم كنت تتمنين أن تتزين بها جسور بغداد، ونبقي نحن نرتقب موتنا القادم بمنتهي الحرص والاستعداد، كم ميتة سيموت العراقي حتى يغلق باب القيامة، يبدو أن مبدأ الموت العراقي سيستمرالى أجل غير مسمى وأن المفارقات اللفظية في ألف ليلة وليلة ستتحول الي ألف مقبرة ومقبرة وووووو......

هذا العالم الشاسع من المفردات الساحرة في يومياتك والذي يحمل الكثير من الشحنات الشعرية يؤثث أجندته الخاصة متحدياً بالوقت نفسه صانعي الموت وبيقيني انه يتحرك في مساحة قادرة علي صنع الحياة التي تدفعنا لتجاوز حدود الموت وإلغاء سطوة صانعيه. لذلك سنعتني بكل ما كتبته الفنانة نهي الراضي حتى لا ينفرط عقد كلماتها الساحرة وتتبدد في هذا التيه الذي نحياه، لم يتبق لي في هذا الغياب

البهي الذي يباغتنا بين حين وآخر لكوكبة من رموزنا الثقافية سوي هذا الصراخ المرير الذي يغالب حالاتنا القلقة. يبدو أن سوء حظنا أكبر مما كنا نتصوره في فقدان من أَحب العراق حد التوحد مع عذاباته، وأخيراً أستطيع القول بان الانتصار الذي يحققه الموت ليس سوي هزيمة ساحقة له.

مرثية نهي

حين أجهشت الزهور بالرحيق

صباح الخير يا نهى

يا خبيرة الآثار وطلاسم بابل

أيتها المرأة التي تمشي مأخوذة بالغيوم

أنت المترعة بجمال عشتار

وحكمة شهرزاد

كيف ستتحمل بغداد غيابك المفاجئ؟

هذا الغياب البهي....

يا كحلة غافية ما بين دجلة والفرات

ويا وشماً علي جسر الرصافة

علي شاشة الدنيا

كنت تتحدثين....

الكلام شريحة من الزبدة فوق رغيف عراقي مطعم بالعسل

الأصابع تتمايل كالسحر

فتشير لامرأة بارعة الخيال

هل أنتهي يوم قيامتنا؟

مضيت إلى حيث البياض

ومضينا إلى حيث الشعر

في ظهيرة تموزية

سقطت بين يديّ يومياتك عن (اللصوص والكلاب والندم)

وكأن بصخرة سيزيف تهشم رأسي

لم نستطع حملها فسقطنا معاً

وحُسمت هذه الأسطورة

........

........

ها هي ألوانك....

البرتقالي: حبك للملك حمورابي

الأزرق: دجلة في صباح باهر

الأبيض: حفيف الشجر قرب شباك غرفتك

الأسود: الكحلة الهاربة من الرصافة الي جانب الكرخ

هي: تتهادي الهوينى علي ضفاف دجلتها

ماذا تقول اليدان المتصافحتان

في تلك الزاوية

أنت ضفة....

تهمسين بلغة سومرية لتلك الضفة

متي نلتقي؟

وباللغة ذاتها...

في أقصي الزاوية

تقولين....

لقد أجهشت الزهور بالرحيق

لرحيلك هكذا

يا الله...

خذ المتيمة بحب الرافدين

بمنتهي الرفق .