حوار مع أديب نوبل الصيني مو يان .. أجراه مترجم رواية الذرة الرفيعة الحمراء إلى العربية

Tuesday 23rd of February 2021 09:21:25 PM ,
4881 (منارات)
منارات ,

حسانين فهمى حسين

بدأت علاقتي بمو يان في الحقيقة مع أعماله، قبل أن تربطني به أي علاقة مباشرة. حيث أخذت أعمال مو يان تثير انتباهي منذ دراستي للماجستير في الأدب الصيني، وتحديدًا في عام 2003. وفي خريف عام 2007 التقيت به لأول مرة في ندوة بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، والتي كانت حول أدب منطقة الشرق الأوسط.

وقد ألقى السيد مو يان خلال الندوة كلمة حول الأدب الصيني المعاصر ومشواره الإبداعي. وكنت قد طرحت عليه خلال هذه الندوة عددا من التساؤلات الخاصة بالأدب الصيني وأعماله وتقييمه لما وصل إليه الإبداع الأدبي في الصين، ولماذا تأخرت نوبل الآداب عن الأدباء الصينين، خاصة بعد تخطيها لشيخ الأدب الصيني صاحب ثلاثية "التيار" الروائي الراحل باجين. وقد وعدني السيد موا يان حينها بلقاء خاص يجيب فيه عن تساؤلاتي حول الأدب الصيني، وخاصة بعد أن ذكرت له اهتمامي بأعماله ورغبتي في ترجمة رائعته المعروفة "الذرة الرفيعة الحمراء".

نص الحوار

حسانين: وما رأيكم في ما ذكرته لجنة نوبل في حيثيات منحكم هذه الجائزة الرفيعة من أن أعمالكم تتميز بالمزج بين ما هو واقعي وما هو أسطوري وتأثركم بالواقعية السحرية؟

مو يان: نعم تتميز أعمالي بالمزج بين الواقعي والخيالي والغوص في عالم الأحلام، وليس العالم السحري بالمعنى الدقيق للكلمة، وهذا يشير إلى اختلاف معنى كلمة السحر الذى أشارت إليه لجنة نوبل، وبين معنى المفردة في اللغة الصينية. وحيث حضرت ندوة السيد سكرتير لجنة نوبل التي عقدت في شنغهاي الشهر الماضي، ولاحظت اختلاف الترجمة الإنجليزية لكلمات لجنة نوبل في تقييم إبداعي. أما عن تيار الواقعية السحرية ورائده جابريل جارثيا ماكيز، فإنه بالطبع كان له تأثير واضح على إبداعاتي القصصية في فترة الثمانينيات. وأن أسلوب ماركيز كان له تأثير كبير على أسلوبي في تلك الفترة وحيث كنت اسير على خطى الواقعية التقليدية الصينية. أما عن المزج بين ما هو واقعى وخيالي أو أسطوري في أعمالي، فيجب أن نشير في ذلك إلى نشأتي في هذه المنطقة من الصين، هذه المنطقة الغنية بالتراث الشعبي والأساطير الثرية، وتأثري بأعمال كتاب صينين ينتمون إلى هذه المنطقة مثل الكاتب الصيني بوسونغ لينغ الذى عاش غرب هذه المدينة قبل حوالى مائتين عام مضت، هذا بالإضافة إلى تأثري بأمهات الأدب الصيني الكلاسيكي مثل "حلم المقصورة الحمراء" للكاتب تساو شويه تشين وغيرها من الأعمال الكلاسيكية. وفى هذا الصدد أفضل أن يذكر بأن تأثري بالكاتب الصيني بوسونغ لينغ إبن شاندونغ بالمزج بين الواقعي والأسطوري يفوق تأثري بجارثيا ماركيز.

حسانين: انطلاقا من هذه النقطة والحديث عن جابريل جارثيا ماركيز والأدب العالمي، فهل يمكن لسيادتكم أن تحدثنا عن أهم الكتاب الصينيين والأجانب الذين كان لهم تأثير واضح على إبداعاتكم؟

مو يان: بالطبع. فإذا تحدثنا عن الكتاب الأجانب فإنه فضًلا عن جارثيا ماركيز، هناك أيضًا الأمريكي وليام فوكنر والياباني ياسوناري كوابا والكاتب الألماني إدجار هيلسنرات وميخائيل شولوخوف و تولستوي وغيرهم من الكتاب الكبار. أما عن الكتاب الصينين فهناك كما ذكرنا بوسونغ لينغ وتساو شويه تشين ومن الأدب الحديث هناك الكتاب لو شيون وماو دون وشين تسونغ ون والذين كان لهم تأثير واضح على إبداعاتي.

حسانين: سيد مويان تتميز أعمالكم بأنها ربما كانت من أوائل وعلى رأس الأعمال الأدبية لجيلكم التي ترجمت إلى العديد من اللغات الأجنبية، وحصدت عددا كبيرا من الجوائز المحلية والعالمية قبل فوزكم بنوبل هذا العام. كيف تنظرون إلى هذا الأمر؟

مو يان: بالطبع بدأت ترجمة أعمالي إلى عدد من اللغات الأجنبية منذ نهاية الثمانينيات. وكانت اللغة الفرنسية أول اللغات الأجنبية التي ترجمت إليها أعمالي وخاصة رواية "الذرة الرفيعة الحمراء"، واستمرت الترجمة إلى مختلف اللغات التي أعتقد أنها بلغت العشرين لغة. وحيث نرى أن أعمالنا ربما تتميز ببعض الجوانب التي تجذب القراء الأجانب والمترجمين عن الأدب الصيني المعاصر. وحيث يجد القارئ الأجنبي في أعمالنا بعض الجوانب التي ربما لن يجدها في أعمال كتاب أخرين. إلا أنه يجدر الإشارة إلى أن الساحة الأدبية الصينية غنية بعدد كبير من الكتاب المعاصرين الذين لديهم الأعمال المميزة ولكن لم يتم ترجمتها بشكل كبير كما حدث مع الأعمال الخاصة بنا.

حسانين: بالعودة إلى رائعتكم المعروفة رواية "الذرة الرفيعة الحمراء"، فإنه كما ذكرنا كانت هي الرواية الوحيدة التي تم الإعلان عن قرب صدور ترجمتها العربية من ضمن أعمالكم الكثيرة. حتى راح القراء العرب يتساءلون فور إعلان فوزكم بنوبل، من هو هذا الكاتب الصيني الكبير مو يان الذى حازت إبداعاته إعجاب لجنة نوبل. فماذا تقول سيادتكم لجمهور القراء العرب؟

مو يان: بالطبع أود أن أقول لهم أعزائي القراء العرب في كل البلدان العربية الصديقة، تحية إليكم جميعًا. وبداية أود أن أتوجه إليكم بالشكر على اهتمامكم وزيارتكم ، ولا زلت أذكر أننا كنا قد تقابلنا معًا قبل خمس سنوات من اليوم في بكين، وقد ذكرتكم لي اهتمامكم بدراسة وترجمة الأدب الصيني إلى العربية، ورغبتكم في ترجمة روايتي "الذرة الرفيعة الحمراء" الأمر الذى أسعدني كثيرًا لأن تتاح الفرصة لكم للاطلاع على أعمالي الأدبية. وكنتم قد انتهيتم من ترجمة هذه الرواية عام 2009 أي قبل الإعلان عن فوزى بنوبل بثلاثة أعوام، ولكن تسببت بعض الأمور في تأخر صدورها إلى عام 2012. وبالطبع فإن قرب صدورها خلال هذه الايام يأتي في توقيت مناسب بسبب حصولي على نوبل هذا العام. فهذه الرواية بلا شك تعتبر من أهم أعمالي، وهى أيضًا العمل الذى كان سببًا في شهرتي في الأوساط الأدبية الصينية والعالمية، كما تم تحويلها إلى فيلم سينمائي تم عرضه في أواخر الثمانينات وحاز إعجاب الكثيرين داخل وخارج الصين وحصد جوائز كبيرة. فهذه الرواية واحدة من أهم أعمالي الأدبية والتي تعبر خير تعبير عن أبداع مو يان، وعن الأدب الصيني المعاصر في أواخر الثمانينيات. ومن ثم فإنه يسعدني أن أتوجه إليكم بالشكر على جهدكم في ترجمة هذه الرواية المهمة، وأعرب عن سعادتي بأن تتاح الفرصة أخيرًا أمام القارئ العربي للاطلاع على أول روايتي "الذرة الرفيعة الحمراء".

حسانين: عظيم. ما دمنا نتحدث عن روايات "التغيرات" و"الحياة والموت كبد وعناء" و"الإعدام على خازوق الصندل" وغيرها من الأعمال، فلماذا سيد مو يان تبدو راويتكم "الإعدام على خازوق الصندل" بهذه الصورة الوحشية"؟

مويان: بالطبع يبدو للقارئ ذلك، وهذا ليس بعيدًا عن الحياة التي كان يعيشها الإنسان الصيني آنذاك، والتي كانت ممتلئة بالقسوة والظلم والوحشية. وحيث شهدت هذه المنطقة مدينة قاو مى آنذاك الكثير من الأحداث التي سجلتها الرواية، فنحن نكتب في هذه الرواية عن الواقع الصيني آنذاك وما عاناه المواطن الصيني البسيط آنذاك. فأفضل أن نقول أن الرواية تكتب عن الإنسان خير من القول بأنها تهتم بالحديث عن العقوبة القاسية بالإعدام على خازوق الصندل. حيث تهتم الرواية بتصوير الجانب النفسي والإنساني عند ذلك الشخص الذى كان ينفذ جريمة الإعدام. وهكذا فإن القارئ العربي الكريم يمكن له من خلال مطالعة هذه الرواية أن يقف على الخلفية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للصين آنذاك، وبالطبع يمكن أن يربط بين ذلك وبين الواقع العربي في نفس الفترة التي تصورها الرواية من تاريخ الصين الحديث. وحيث تعرضت البلاد العربية آنذاك مثلها مثل الصين للاستعمار الأجنبي.

حسانين: وماذا عن قصتي "التغيرات" و"الفجلة الذهبية" وهل هناك علاقة بين موضوع هاتين القصتين وبين حياتكم الشخصية؟

مو يان: دعنا نبدأ بقصة "الفجلة الذهبية" والتي تعتبر أول قصة في مشواري الإبداعي وأول قصة كان لها الأثر الكبير في ظهور أسمى على الساحة الأدبية الصينية، وحيث نشرت في عام 1985، وأكدت فور صدورها مكانتي ككاتب شاب آنذاك. وبالطبع تشير القصة إلى بعض الجوانب في حياتي الشخصية حيث كنت قد عملت في طفولتي عاملا أجيرا في مسقط رأسي، وحدثت معي الكثير من الأحداث التي سجلتها القصة حول البطل، وهكذا فقد أشارت القصة إلى الحلم الذى حلمه البطل. ويعتقد الكثير من القراء والنقاد أن هذه القصة هي أفضل أعمالي على الإطلاق حيث كنت قد كتبتها آنذاك قبل الإلمام بالنظريات الأدبية، والكثير مما يتعلق بأساليب الإبداع الأدبي، فهي تتمتع ببراءة الطفولة والصدق في تصوير العالم المحيط بالكاتب.

أما عن قصة "التغيرات"، فهي إحدى القصص التي صدرت لي خلال السنوات الأخيرة، وتعود قصتها إلى عام 2005 عندما كنت قد ذهبت مع إبنتي إلى إيطاليا لاستلام جائزة نونينيو الأدبية، وتقابلت آنذاك مع ناشر هندي والذى طلب منى مع عدد من الكتاب الأخرين من دول مختلفة أن يكتب كل منا عمل قصير يتعلق بحياته الشخصية وخبراته الخاصة ووجهة نظره في الحياة المعاصرة. وفكرت في البداية في الكتابة عن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة التي شهدتها الصين خلال الأعوام الأخيرة من خلال كتابة سيرة ذاتية خاصة بي، إلا أنني شعرت بأن كتابة مثل هذه السيرة الذاتية الخالصة لن يحقق الهدف من الفكرة التي أود التعبير عنها، ومن ثم فضلت أن أقدم ذلك من خلال الأسلوب الأدبي الذى يجمع بين ما هو واقعى وخيالي، فهي قصة تتميز بطابع سيرذاتي واضح، وتدور أحداثها في محيط هذه المدينة التي نلتقى فيها الأن مدينة قاو مى.

حسانين: سيد مو يان هل يمكن أن تحدثنا عن الأزمة التي أحدثتها صدور روايتكم "النهود الكبيرة والأرداف الممتلئة" فور صدورها في منتصف التسعينيات؟

مو يان: نعم تعرضت هذه الرواية آنذاك للنقد، وحيث تعبر هذه الأزمة خير تعبير عن التغيرات التي شهدها المجتمع الصيني في العصر الحديث، حيث كان من الصعب صدور مثل هذه الرواية بهذا العنوان في عام 1996 عام صدور الرواية للمرة الأولى، في حين تغير الوضع تمامًا في عام 2004 حيث بدأ الاهتمام بهذا العمل وتوالت طباعته في الصين وترجماته خارج الصين.

حسانين: أشرتم في حديثكم إلى أن الساحة الأدبية الصينية المعاصرة غنية بالكثير من الكتاب الصينين المعاصرين الذين يتمتعون بمكانة وقيمة كبيرة في تاريخ الأدب الصيني المعاصر، فما رأيكم في إبداعات الكتاب من جيلكم أمثال آلاى ويوخوا وتيه نينغ وغيرهم من الكتاب المعاصرين؟

مو يان: نعم هناك قائمة طويلة من الكتاب المعاصرين الذين يتمتعون بمكانة وقيمة أدبية كبيرة على الساحة الأدبية الصينية المعاصرة من أمثال الكتاب آلاى، يوخوا، وانغ آن إى، سو تونغ، قه فيي، جانغ وى وغيرهم من الكتاب الذين هم جديرين بالحصول على نوبل في الآداب، والذين ربما ستتاح لهم الفرصة للحصول على هذه الجائزة.

حسانين: ما دمتم ذكرتم الكاتبة وانغ آن إي، فإنني كنت قد قرأت في بعض المصادر اهتمامكم وتقديركم لأعمال هذه الكاتبة الصينية المعاصرة، فما تعليقكم على هذا الأمر؟

مو يان: نعم. تتميز إبداعات الكاتبة وانغ آن إي بخصوصية واضحة تظهر من خلال أسلوبها في الكتابة والذى يجعلك تشعر اثناء مطالعة أعمالها وكأنها فنانة قديرة تنسج حكايات أعمالها، وتستخدم لغة جميلة تعبر عن خصوصية الأنثى، وقد نجحت وانغ آن إي في التعبير عن بعض الموضوعات الهامة التي تتعلق بمدينة شنغهاي وريف سوجوو مسقط رأسها وغيرها من الأعمال التي تعبر عن جيل الشباب المثقفين والقضايا الخاصة بهم ومعاناتهم بعد سنوات الثورة الثقافية الكبرى. وهكذا فإنني أهتم بمتابعة أعمال هذه الكاتبة الصينية المعاصرة.

حسانين: وهل يمكن أن نسألكم عن الشخصية التي كان لها تأثير كبير في حياتكم الشخصية ومشواركم الإبداعي؟

مو يان: نعم إنها أمي.

حسانين: أعتقد أن صورتها ظهرت في عدد من الأعمال الخاصة بكم.

مو يان: نعم، ظهرت صورة أمي في عدد من أعمالي الأدبية، وحيث كان لها تأثير واضح في خبراتي الحياتية والجوانب الأخلاقية، وغيرها من الجوانب الهامة في حياتي، والتي سجلتها في بعض الأعمال والتي لا تخلو بالطبع من بعض الخيال الأدبي.

حسانين: ما دمنا نتحدث الأن من مدينة قاو مي مسقط رأسكم، والتي تقع في حدود مقاطعة شاندونغ مسقط راس الحكيم الصيني الكبير كونفوشيوس. فما رأيكم فيما تقوم به الصين خلال الأعوام الأخيرة بتأسيس عدد كبير من معاهد كونفوشيوس في مختلف الدول الأجنبية والتي وصلت تقريبًا إلى حوالى 400 معهد حول العالم؟

مو يان: نعم يعتبر المفكر الصيني المعروف كونفوشيوس رائد الثقافة الصينية، وحيث أن تأسيس معاهد كونفوشيوس خارج الصين تعد خطوة هامة في مجال نشر الثقافة الصينية والتعريف بفكر كونفوشيوس. مثلها في ذلك مثل معاهد جوته المتعلقة بالثقافة الألمانية. إلا أنني أعتقد أن هناك مبالغة في تأسيس معاهد كونفوشيوس خارج الصين، بما يتعلق بذلك من نفقات مادية عالية جدًا. إلا أنها في مجملها تعد خطوة مهمة في مجال تعليم اللغة الصينية والتعريف بالثقافة الصينية.

حسانين: بالوقوف عند حديثكم عن دور معاهد كونفوشيوس في تعليم اللغة الصينية للأجانب، فما رأيكم في ترجمات أعمالكم إلى اللغات الأجنبية المختلفة؟ وهل يساوركم القلق تجاه نجاح المترجمين في نقل نصوصكم إلى اللغات الأجنبية المختلفة؟

مو يان: بالطبع يعتبر نقل الأدب من لغة إلى لغة قضية بالغة الصعوبة. فالترجمة الأدبية هي بمثابة إبداع ثانٍ. وأنكم تدركون صعوبة الترجمة بين اللغتين الصينية والعربية. وأعتقد أن المترجم عليه أن ينجح في نقل مضمون حكاية العمل الأدبي بلغة سليمة تساعد القارئ على الإلمام بهذا العمل المترجم. فالمترجم عن الأدب الصيني يجب أن يكون على دراية كبيرة بالثقافة الصينية والتاريخ الصيني وغيرها من الجوانب المتعلقة بخلفية العمل، وحيث أنه يجب عليكم أن تقدموا الأعمال الأدبية الصينية للقارئ العربي من خلال لغة سليمة وجميلة إلى حد كبير تساعد القارئ العربي على التعرف على ملامح وخصوصية الإبداع الأدبي الصيني. وفى هذا الصدد يسعدني أن أشكركم للمرة الثانية على جهدكم الكبير في ترجمة روايتي إلى اللغة العربية وحيث أعلم جيدًا صعوبة الترجمة بين هاتين اللغتين.

عن موقع حكمة الالكتروني