أرونداتي روي ..بوح شفيـف عن الرواية المستحيلة

Tuesday 16th of February 2021 09:26:55 PM ,
4875 (منارات)
منارات ,

منى مدكور

أجرت صحيفة «غارديان» اللندنية حواراً استثنائياً في جرأته مع الكاتبة والناشطة الهندية أرونداتي روي، قالت فيه إن الرواية أجمل من أن تدور حول شيء واحد، وإنها لا تريد التحول إلى مصنع ينتج الروايات بصورة آلية.

قالت عن روايتها الثانية بعد رواية «إله الأشياء الصغيرة» التي فازت بجائزة بوكر إنها لم تقطع فيها إلا مسيرة محدودة، وذلك بسبب انشغالها بأنشطتها السياسية التي أصدرت في إطارها أخيراً كتابها «الجمهورية المهشمة» الذي انتقدت فيه بصرامة الحكومة المركزية الهندية التي وصفتها بأنها تتبع سياسة تعسفية حيال حق أبناء كشمير في تقرير مصيرهم وحق أبناء القبائل البدوية في وسط غابات الهند في الاحتفاظ بأرض أسلافهم التي يتربص بها المستثمرون لاستخراج المعادن منها وأبناء عليها مخالفة صريحة للأعراف والقوانين، وفيما يلي نص الحوار:

تشبه الكاتبة والناشطة الهندية أرونداتي روي الفارق بين كتابة الروايات وتأليف الكتب التي تطرح وجهات النظر المثيرة للجدل بأنه كالفارق بين الرقص والمشي. ورداً على سؤال بهذا المعنى حول ما إذا كانت لا ترغب في العودة إلى الرقص مجدداً، قالت: «إنني أرغب في ذلك بالطبع».

هل تعكف على كتابة رواية ثانية بعد روايتها الأولى «إله الأشياء الصغيرة»، تقول روي في معرض الرد على هذا السؤال: لقد كنت عاكفة على كتابة روايتي الثانية، ولكنني لم يتح لي الكثير من الوقت لإنجازها.

هل يزعجها أن الرواية التالية بعد «إله الأشياء الصغيرة» قد استغرقت هذا الوقت كله لترى النور؟ تقول روي: إنني إنسانة بعيدة عن الطموح إلى حد كبير. فما الذي يعنيه أن تصدر لي رواية ثانية أو لا يعنيه؟ إنني لا أنظر إلى هذا الأمر بهذه الطريقة. وبالنسبة لي فلا شيء يعادل ذهابي إلى الغابة للكتابة عن الثوار من بدو الهند في قلب غاباتها الوسيطة.

من الصعب الحكم بما إذا كانت روي ستصدر رواية ثانية على الإطلاق، فروايتها الأولى «إله الأشياء الصغيرة» اجتذبت الكثير للغاية من الاهتمام بحياتها، بأمها ذات الشخصية الكارزمية والتي لا تطاق في الوقت نفسه، بأبيها زارع الشاي السكير الذي هجرته أمها بينما كانت روي صغيرة السن للغاية، ورحيلها عن دارها في نهاية سنوات المراهقة، وربما كانت روايتها هي من نوعية الرواية الواحدة، التي تكتب بقدر ما تعاش.

وترد روي بردود ملتبسة على السؤال عما إذا كانت تتوقع صدور رواية ثانية لها. وهي تقول إنها من ناحية منغمسة في حركة مقاومة وإنها تسيطر على أفكارها، ولكنها في الوقت نفسه تقول إن هناك آخرين التقطوا طرف الخيط، وإنها تحب العودة إلى كتابة الرواية، إلى الرقص، بحسب التشبيه الذي تصر على التمسك به.

والأمر المؤكد، في هذا الصدد، هو أن القليل قد كتب من هذه الرواية الثانية، وهي تفضل ألا تتحدث عن موضوع روايتها الثانية، وتقول إنه لن يكون ممكنا أن تشير إلى هذا الموضوع، وتقول: «ليست لدي موضوعات، الأمر لا يشبه محاولتي كتابة رواية مناهضة لبناء سد، فالرواية أجمل من أن تدور حول موضوع واحد فحسب، وإنما ينبغي أن تدور حول كل شيء».

هل حال دون انجازها الرواية الثانية الضغط النابع من اضطرارها للسير على خطى الفائزين بجائزة بوكر؟ إنها تقول في معرض الرد على هذا السؤال: «لا، فنحن لسنا أطفالاً نريد جميعاً أن نكون الأوائل على الفصل وأن نفوز بالجوائز، وإنما الأمر عائد إلى متعة القيام بذلك، ولست أدري ما إذا كان هذا الكتاب الجديد سيكون كتاباً جيداً، ولكنني فضولية حول كيف وما الذي سأكتبه بعد قيامي بكل هذه الرحلات التي قمت بها».

هل يشعر ناشرها، بنفوين، ووكيل أعمالها الأدبي بخيبة الأمل حيال اضطرارهما للانتظار كل هذا الوقت قبل رؤية روايتها الثانية؟ تقول أرونداتي روي: «لقد كانا يعرفان دوماً أنه لن يكون هناك مصنع لإنتاج الروايات. وقد كنت واضحة تماماً فيما يتعلق بهذا. ولست أرى جوهر الأمر. لقد فعلت شيئاً، وتمتعت به، وأنا أقوم بشيء الآن، وأعيش حتى أطراف أصابعي، مستخدمة كل ما لدي، ومن المستحيل بالنسبة لي أن أنظر إلى الأشياء على الصعيد السياسي أو كمشروع بأي شكل من الأشكال للمضي قدماً بمسيرة حياتي العملية. فأنت تحقن مباشرة في دم الأماكن التي تعيش فيها وما يجري هناك».

وهي ليست بحاجة على الصعيد المالي لكتابة رواية أخرى، فروايتها «إله الأشياء الصغيرة»، التي بيع منها أكثر من ستة ملايين نسخة في مختلف أرجاء العالم، حققت عائدات كافية لإعاشتها طوال عمرها، وذلك على الرغم من أنها قد أعطت الكثير من المال، بل أنها قد رفضت عروضاً لشراء حقوق إنتاج الرواية سينمائياً، لأنها لا تريد لأي أحد أن يفسر كتابها لتقديمه على الشاشة الفضية. وهي تقول في هذا الصدد: «لكل قارئ تصور للرؤية في ذهنه، ولم أرد اختزال هذا كله في فيلم واحد».

وتتمتع أرونداتي روي بإرادة قوية. وفي عام 1996، عندما كانت رواية «إله الأشياء الصغيرة» تعد للإصرار، أصرت روي على أن يكون لها الرأي الأخير في صورة الغلاف لأنها لم ترد: «غلافاً يضم غوراً وسيدات يرتدين الساري» وهي بهذا المعنى ابنة أمها التي تتسم بصلابة الرأس والعناد.

وقد اشتهرت أرونداتي روي، التي دخلت عامها الخمسين أخيراً، بروايتها الأولى «إله الأشياء الصغيرة» التي فازت عام 1997 بجائزة بوكر التي تعد أبرز الجوائز الأدبية في بريطانيا، ولكنها على امتداد العقد الماضي أصبحت بصورة متزايدة منتقدة رئيسية للدولة الهندية، حيث هاجمت سياسيتها إزاء كشمير، والدمار البيئي الناتج عن التطوير السريع للأراضي، والبرنامج النووي الهندي والفساد الذي يحتاج الإدارة الهندية.

وهي باعتبارها مناوئة لكل ما يتعلق بالعولمة تسعى إلى بناء صرح «حداثة جديدة» تقوم على أساس الحفاظ على طرق الحياة التقليدية والدفاع عنها.

ويضم كتاب روي الصادر حديثاً بعنوان «الجمهورية المهشمة» ثلاث مقالات تدور حول حركة رجال حرب العصابات الماوية في غابات وسط الهندي التي تقاوم محاولات الحكومة لتطوير الأرض واستخراج المعادن منها، وهي الأرض التي يقيم عليها أبناء قبائل المنطقة. والمقالة المحورية في الكتاب والتي تحمل عنوان «السير مع الرفاق» هي ريبورتاج صحافي رائع يسرد وقائع ثلاثة أسابيع أمضتها مع رجال حرب العصابات في الغابة.

ورداً على سؤال حول ما إذا كانت قد تعرضت لخطر كبير خلال هذه الأسابيع الثلاثة التي أمضتها في الغابة تقول روي: «الجميع في خطر داهم هناك، وبالتالي فلا يمكن أن تمضي شاعراً بأنك في خطر بشكل خاص».

وتضيف روي بصوتها المرتفع الذي يدخل البهجة في نفوس سامعيها وتقول إنه على أي حال لا يعد عنف طلقات الرصاص والتعذيب أكبر من عنف الجوع وسوء التغذية والضعفاء الذين يشعرون بأنهم تحت الحصار.

هل يستمد انغماسها في الحياة السياسية الهندية من أمها ماري روي التي أسست مدرسة للفتيات في ولاية كيرالا واشتهرت بأنها ناشطة من أجل حقوق النساء؟

تقول روي رداً على هذا السؤال: إنها ليست ناشطة، ولست أدري لماذا يواصل الناس قول ذلك. فأمي تشبه شخصية هاربة من موقع تصوير أحد أفلام فلليني، وهي كون أدائي من إبداعها. والناشطون سيركضون ميلاً بعيداً عنها لأنهم لا يستطيعون التعامل مع ما هي عليه.

ويصفها منتقدوها بأنها متعاطفة مع الماويين. فهل هي كذلك؟ تقول روي في معرض الرد على هذا السؤال الدقيق: «إنني متعاطفة مع الماويين، ولست منظرة ماوية، لأن الحركات الشيوعية في التاريخ كانت مدمرة تماماً كالرأسمالية، ولكن في الوقت الحالي عندما يحتدم الهجوم فإنني أشعر بأنها جزء لا يتجزأ من المقاومة التي أدعمها».

تتحدث روي عن المقاومة باعتبارها «انتفاضة»، وهي تجعل الهند تبدو كما لو كانت ناضجة لثورة روسية أو صينية. إذن فلماذا لا نسمع في الغرب عن هذه الحروب الصغيرة؟ تقول روي: «لقد قال لي مراسلون كثيرون لصحف دولية إن لديهم تعليمات بعدم إرسال أخبار سلبية من الهند لأنها مقصد استثماري، ولذا فأنت لا تسمع بشيء عنها. ولكن هناك انتفاضة، وهي ليست انتفاضة ماوية فقط، ففي كل مكان من الهند يقاتل الناس».

ويجد المرء هذه الإشارة إلى وجود مثل هذه التعليمات أو أن صحافيين يحترمون أنفسهم سيقبلونها شيئاً مثيراً للسخرية، فالتغطية الأجنبية لأخبار الهند قد تتسم بالكسل أو قصر النظر، أما الفساد فهو مسألة أخرى.

ورداً على إشارة إلى أن حديثها يوحي كما لو أنها قد رأت النور في نهاية النفق تقول الكاتبة والناشطة الهندية: «إنها طريقة حياة، طريقة تفكير، وأنا أعرف أن الناس في الهند حتى الشباب العصريين يدركون أنه ها هنا يوجد شيء ينبض بالحياة.

لماذا لا تتخلى إذن عن الدار المترفة في دلهي وعن الظهور عبر أجهزة الأعلام وتعود إلى الغابة؟

تقول روي رداً على هذا السؤال: «سأكون أكثر من سعيدة للقيام بذلك اذا اضطررت إليه، ولكنني سأكون عبئاً عليهم في الغابة، فالمعارك ينبغي أن تخاض بطرق مختلفة. والجانب العسكري ليس إلا جانباً واحداً فحسب منها، وما أقوم به هو جزء آخر من المعركة».

البعض يضعون موضع التساؤل هذه النزعة المطلقة عند أرونداتي روي، لكنهم مع ذلك يظلون على إعجابهم بشجاعتها. وقد تعرضت دارها للقذف بالحجارة، وتصدت المظاهرات المؤيدة للحكومة الهندية لإطلاق الطبعة الهندية من كتابها «الجمهورية المهشمة».

هي قد تتهم بالتحريض على الفتنة والعصيان لقولها إن كشمير ينبغي أن تعطى حق تقرير المصير. وتعقب على ذلك بالقول: «إنهم يحاولون إفقادي توازني، وكل من يقول أي شيء يتعرض للخطر. والمئات أودعوا السجن بسبب هذا على وجه التحديد».

تنتقل أرونداتي روي للحديث عن أمها، ماري روي، فتقول إنها تشبه امبراطورة، فلديها عدد من الأزرار إلى جوار فراشها، وعندما تضغط عليها فإن كل زر منها يصدر صوتاً مختلفاً من أصوات الطيور، وكل زر منها يشير لأحد العاملين في دارها إلى ما تريده. فهل كانت محور حياة ابنتها. تقول الكاتبة الهندية: «لا، لقد كانت محور الكثير من الصراع في حياتي، وهي امرأة فذة، وعندما نكون معاً فإنني أحس كأننا دولتان نوويتان، وعلينا أن نلزم الحذر.

لوضع حد لتوترات العائلة تركت روي البيت عندما كانت في السادسة عشرة من عمرها لتدرس العمارة في دلهي، وحتى في ذلك الحين كانت ترغب في بناء عالم جديد، وتزوجت من طالب زميل لها، وهي في السابعة عشرة من عمرها وتقول عنه: «كان شخصاً لطيفاً للغاية، ولكني لم أحمل الأمر على محمل الجد».

في عام 1984 قابلت وتزوجت المخرج السينمائي براديت كريشين، وساعدته على تربية ابنتيه اللتين أنجبهما في إطار زواج سابق، وهما منفصلان الآن، ولكنها لا تزال تشير إليه باعتباره حبيبها. فلم الانفصال إذن؟

تقول: «إن حياتي شديدة الجنون، وهناك الكثير من الضغط والحساسية. وليست لدي أي مؤسسة، وليس لدي من يتوسط بيني وبين الدنيا، والأمر كله يقوم على أساس الغريزة». ولعل جوهر ما تقوله في هذا الصدد هو أن الحرية تعد مهمة بالنسبة لها أكثر من أي شيء آخر.

وقد اختارت روي ألا تنجب لأن ذلك من شأنه أن يحد من حريتها. وهي تقول: «على امتداد وقت طويل لم يكن لدي ما أعيل به أطفالاً، وعندما أصبح لدي ما أعيلهم به نظرت إلى نفسي باعتباري إنسانية لا يعتمد عليها. والكثيرات من النسوة في الهند اللواتي يخضن غمار هذه المعارك ليس لديهن أطفال، لأن أي شيء يمكن أن يحدث، ويتعين أن يكون المرء خفيفاً في حركته، وأنا أود أن أكون كذلك» .

عن جريدة الاهرام