أرونداتي روي في كتابها الجديد “الديمقراطية: تنتفض ضد الإمبريالية الأميركية

Tuesday 16th of February 2021 09:22:15 PM ,
4875 (منارات)
منارات ,

مدني قصري

لعل القائمين على جائزة نوبل سيمنحون لـ أرونداتي روي ذات يوم، جائزتين من جوائزهم: جائزة السلام، وجائزة الأدب.
فعلى الرغم من أنها سجلت منذ روايتها الأولى، “إله الأشياء الصغيرة” اسمَها على قائمة نجوم الأدب العالمي، إذ حصلت على عقد بمليون دولار، وعلى “جائزة بوكر” العام 1997، فإن ملكة الرواية الهندية الجميلة ( صنفت أرونداتي أيضا في مجلة “الناس” ضمن خمسين ملكة جمال العام 1998)، ما لبثت أن أدارت ظهرها لهذه المهنة العالمية السهلة.

فبعد أن توقفت عن كتابة الروايات، اختارت أن تجابه بشجاعة نادرة لا ينكرها أحد، حكومة بلدها، لكي تندد ليس فقط بألوان الظلم في زماننا، لكن على الخصوص، لكي تفضح الروع الاقتصادي والإيكولوجي والاجتماعي والسياسي في بلدها الهند، التي تصنّف رغم ذلك، كواحدة من الديموقراطيات المتحضرة في العالم.

تُرى، من أين تأتي هذه الحماسة، وهذا الإصرار، اللذان يمتزجان في روح أرونداتي، برقة كبيرة؟ لا بد من البحث عن أصول هذه الصفات في أعماق الروائية نفسها، وفي طفولتها الهندية، وفي روح والدها، زارع الشاي البنغالي، وفي روح والدتها ماري روي، المديرة في إحدى مدارس منطقة “كيرالا”، والمعروفة هي أيضا بنشاطها السياسي. كيرالا التي تروي أرونداتي روي، جمالها الشاعري في روايتها الأولى، مستوحاة من تجربتها.

فبعد أن حلمت أرونداتي بأن تصبح مهندسة معمارية، ومصممة ديكور، وسيناريست، التحقت في الأخير بحركة الاحتجاج ضد بناء سدود عملاقة في وادي “نارمادا”، وهي السدود التي أرغمت السكان على مغادرة بيوتهم العريقة، بدعوى “التطور الاقتصادي” المزعوم. فعندئذ تحولت أرونداتي روي، إلى كاتبة ملتزمة، تخشاها الحكومة الهندية كثيرا.

في كتابها الجديد “الديمقراطية: ملاحظات ريفية” تنتفض أرونداتي روي ضد الإمبريالية الأميركية، وتناضل ضد الاحتلال الهندي لإقليم كاشمير التي تطالب باستقلالها، وتندد بهيمنة الشركات الكبرى متعددة الجنسيات على الاقتصاديات المحلية. وفي هذا الكتاب تنتقد زيارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش إلى الهند، وتفضح الإبادة التي تعرض لها المسلمون في إقليم “غوجيرات”، وضد كافة ألوان التخويف والإذلال. فقد توجهت في العام الماضي، في شهر شباط (فبراير) إلى منطقة محرمة في الهند، حملت فيها القبائل المقيمة في قلب غابات “دانداكارانيا، في ولاية “شاتيسغارت، السلاح ضد التجمعات المنجمية العالمية التي شرعت بالتعاون مع الحكومة الهندية، في نهب إقليمها وأراضيها.

وهناك أمضت أسابيع عديدة مع هؤلاء الثوار الماويين (نسبة إلى ماو تسي تونغ) الذين أقسموا بأنهم سيقلبون الدولة الهندية. لقد أصرت أرونداتي على أن تذهب إلى هناك، حتى وإن عرّضت نفسها للموت نتيجة قصف القوات الحكومية الهندية، وحتى وإن وُصفت بالماوية المتخلفة. فهل هناك من يستطيع إيقاف ثورة أرونداتي روي؟

• في رأيك، ما الجديد في السياسة الأميركية منذ الانتخابات؟ هل باراك أوباما أفضل من جورج بوش؟

– لم تعد المشكلة، في اعتقادي، أن نصنف السياسة الدولية، والحروب والاحتلال العسكري، والانتحار الإيكولوجي، والساسة، بالقول إن هؤلاء طيبون، وأن أولئك شريرون. فالسخرية تأتي من أن أي إنسان، طيبا كان أم شريرا، لا يكاد يصبح، كما أصبح الرئيس الأميركي، الرجل الأقوى في العالم، حتى يفقد كل قوته، ليصبح عبدا لنظام يُفترض أن يكون هو المتحكم الحقيقي في إدارته. فالمسألة الحقيقية بالأحرى هي: هل العالم الذي نصفه بالمتحضر، قادر على إنقاذنا؟ أم أنه هو الذي سيقوّض حياتنا على الأرض، ويقوّض الأرض نفسها؟

• ألم تكوني سعيدة بانتصار أوباما؟

– لقد وسّع أوباما دائرة الحروب في قارة آسيا. وبمباركة الحكومة الباكستانية فهو الآن يقصف باكستان. وفي هذه الأثناء يستمر الاقتصاد الباكستاني في التقهقر. فعندما صار رئيسا كتبت إحدى الصحف الساخرة، تحت عنوان كبير، تقول: “رجل زنجي يُعيَّن للأسوأ”. وهذا صحيح. لقد انتخب لكي يُصّدق على نهاية الإمبراطورية الأميركية.

• ما هي انطباعاتك عن الثورات في تونس، ومصر وليبيا؟

– لقد أبدى المتظاهرون شجاعة نادرة. لكن ظني أن الرهانات اليوم توجد في أماكن أخرى. فالأمر بالنسبة للقوى الكبرى هو تحريف طاقة هذه الثورات، باستعمالها في أهدافها الوقحة. فعندما نقرأ في الصحف أشياء مثل “مصر صارت حرة”، فإننا لا نملك إلا أن نتبسّم ساخرين! فالعساكر هم الذين استولوا على الحكم! و نحن نعرف جيدا أن الجيش المصري والحكومة الأميركية يسيرون اليد باليد. حسني مبارك كان مريضا، وقريبا من النهاية. وقد كانت فترة الانتقال مغامرة. ألم يقدم للشعب المصري المقمع الهائج، قليل من الهواء، قبل أن يُربط من جديد؟ نعرف أنه من دون مراقبة مصر لن تستطيع إسرائيل فرض حصارها على غزة. والسؤال هو: هل تقبل الولايات المتحدة الأميركية بهذا؟

وعندما تحتفل وسائل الإعلام الغربية الكبرى بهذه الثورة، أراني أشعر بالخوف والقلق دائما. لكن الأمر لا يثير نفس الردود. وفي كاشمير في الهند، تحدى الآلاف من المتظاهرين، في الشارع، وعلى مدى سنوات، القوات العسكرية الهندية التي لم تكن قوات سلمية بأي حال. فهل شجاعة هؤلاء تثير إجماع وسائل الإعلام الغربية؟

• ما الوضع في وادي نارمادا، الذي تظاهرتِ فيه بقوة، ضد بناء سدود عملاقة، على حساب السكان المحليين؟

– كل السدود في الوادي، قيد الانجاز حاليا. الحركة القوية المضادة لبناء هذه السدود والتي كانت تستند إلى ذرائع عادلة وعميقة، تكتفي اليوم برفع الدعاوى بواسطة مجموعة من المحامين الذين يحاولون الحصول على تعويضات لفائدة السكان الذي أُرغموا على النزوح عن أماكنهم. إنها مأساة هائلة. وثمة مئات من السدود التي تشيّد في الوقت الحالي في أعالي جبال هيمالايا. سوف تكون العواقب وخيمة للغاية على البيئة. لكن هذه المناطق قليلة السكان، ولذلك لا أحد يعترض، أو يحتج!

• هل أنت حساسة أيضا لمسألة منطقة إقليم كاشمير. لقد قمت بزيارتها مؤخرا؟

– نعم، فأنا أزورها كثيرا. إنها المنطقة الأكثر عسكرة في العالم. قوات الأمن الهندية التي تتمركز هناك وصل عددها إلى 700.000 جندي. فحتى في عز الحرب مع العراق لم تتجاوز وحدات الجيش الأميركي 200.000 جندي. فلم نعد نحصي في هذا الحوض المعسكرات العسكرية ونقاط التفتيش، وغرف التعذيب، والمقابر: 68.000 شخص قتلوا منذ العام 1990. الإقامة هناك تعني العيش من دون أوكسجين، ومن دون كرامة. إنه جحيم مطلق، وسجن ضخم في الهواء الطلق.

• ما الذي يمكن أن نتوقعه، في رأيك، في مجال الإرهاب الدولي؟ هل تعتقدين أن الأوضاع سوف تزداد سوءا في المستقبل؟

– إن جزءا كبيرا من القوة الاقتصادية التي تمتلكها البلدان الغنية تقوم على سوق الأسلحة: الصواريخ، والطائرات الحربية، والتوربيدات، والقنابل النووية. ففي الهند، حيث يقتات 800 مليون نسمة على أقل من 20 روبيه يوميا (ثلاثون قرشا)، تنفق الحكومة البلايين لشراء أسلحة من هذا النوع. وكذلك الشأن بالنسبة لباكستان التي صار اقتصادها مهلهلا. ومع ذلك نقول: هل لكل هذه الأسلحة فعالية أمام التهديد الإرهابي؟ أقول: كلما راكمت هذه البلدان أسلحة الحرب، وانغمست في قومياتها الأكثر تبجحا، إلا وصارت أكثر تعرضا للإرهاب الذي يستطيع أن يدمر هذه الأسلحة جميعا. لقد رأينا أثناء هجمات بومباي، العام 2008، كيف استطاعت جماعة من الانتحاريين، أن تُركع بلدا كاملا على مدى أيام عديدة. والغريب أن قادة بلداننا لا تراودهم أدنى فكرة بأن الرد المقبول الوحيد على الإرهاب هو القضاء أوّلا على ألوان الظلم الذي يخلق هذا الإرهاب.

• ما أخبار الكتابة الرومانسية عند أرونداتي روي، هل ستعودين إليها قريبا؟

– أجل، لقد شرعت في كتابة رواية منذ بعض الوقت. لكنني أتقدم ببطء. أشياء كثيرة تعطلني.

• ماذا تشبه حياتك اليومية؟

– ليس لحياتي، والحمد للرب، شيء مما يشبه حياة كل يوم.

• هل لك أن تصفي لي الغرفة التي تكتبين فيها؟

– ليست نفس الغرفة دائما. فأنا جمهورية متنقلة. لكنني أكتب في الغالب في شقتي في نيو دلهي. أعشق العمل فيها. ففيها أقبّل الجدران أحيانا، امتنانا مني لما تمنحه هذه الغرفة لفتاة مثلي، من أمان وطمأنينة! -

عن موقع حفريات