من ذكرياتي مع الأمير عبد الأله

Sunday 14th of February 2021 09:15:33 PM ,
4873 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

عطا عبد الوهاب

مقترحات

من المقترحات التي قدمت للاميرعبد الاله من قبل الدكتور فاضل الجمالي وجاء بها الى اسطنبول ــ حيث كانت العائلة تمضي اجازتها الصيفية عام ١٩٥٧ وكنت مرافقا لهم ،وكان من جملة المقترحات التي قدمت ان يتولى الامير منصب سفير العراق في لندن لكنه لم يظهر حماسة لهذا العرض اذ لم يكن يريد ان يزيح عمه الامير زيد بن الحسين الذي كان محبا لذلك المنصب بالذات ولا راغبا في منصب سفير العراق في واشنطن.

في ذلك الاجتماع مع الدكتور الجمالي عرض هذا الاخير اقتراحا جديدا يتلخص بانشاء منظمة للشباب يتولى الامير رئاستها، بيد ان الامير عرض اقتراحا آخرمفاده ان يستحدث منصب جديد بأسم “مفتش الجيش” وقال الامير انه اذا قرر البقاء في بغداد فإن مثل هذا العمل هو اقرب الاعمال الى قلبه لانه يحب الجيش وتربطه صلات وثيقة بأبرز رجاله وقد ساهم في بنائه ويريد ان يستمر في الاشراف على تطويره وتسليحه واعلاء شأنه.

الصيام في شهر رمضان

عندما حل الشهر الفضيل عام ١٩٥٧ قال الامير انه سيصوم في تلك السنة في الحبانية واستصحبني معه برفقة بعض مرافقيه. كانت قاعدة الحبانية الجوية ومنشآتها قد انتقلت من يد البريطانيين الى العراق سنة ١٩٥٥(أسوة بقاعدة الشعيبة التي انتقلت الى السيادة العراقية عام ١٩٥٤) واتضح لي في تلك المناسبة ان الامير يصوم رمضان سنويا، وتذكرت ما كنا نعتقده في شبابنا عندما كنا نسمع ان الوصي غادر الى سرسنك ليصوم رمضان فنرميه بكل ما حرم الله من اشاعات مغرضة كانت تروج في المقاهي رواجا عجيبا. ما ان وصلنا الحبانية كان اول من سأل عنه الامير هو قائد القاعدة الجوية هناك، قائلا: اين هو عارف؟ اي الطيار عارف عبدالرزاق ( الذي اصبح رئيسا للوزراء عام ١٩٦٥)، مرافقة وطياره الخاص سابقا، وقد جاء الرجل مساء فاحتفى به الامير كثيرا وعاتبه قائلا “لماذا انقطعت عنا والاهل يسألون عنك؟” فأجاب مغتذرا بكثرة اشغاله في القاعدة وكان واضحا ان كليهما يظهر الود للآخر.

كانت الاسرة المالكة، ملكا واميرا، ملكة واميرات، تتفقد من عمل في كنفها من الضباط برعاية صادقة وتسأل عن ناجي طالب وغيرهم من المرافقين السابقين وكلهم من انجب الرجال واكفأ الضباط . بيد ان هؤلاء الرجال الانجاب اداروا للعائلة المالكة ظهر المجن صبيحة يوم ١٤ تموز الدامي .

المال العام

كنت عصر احد الايام مع الامير في ربيعه الاخير في قصر الرحاب , فجاءه زائر لم اعرفه …. واختلى به بعض الوقت , ثم خرج فودعه واتجه الامير نحوي, وقال لي وهو منفعل ذلك الانفعال الذي رايته عليه مرارا اذ يحتقن وجه وتلتمع عيناه بما يشبه ترقرق الدموع : هل عرفته ؟ قلت : لا . قال : هذا شقيق الشريف حسين ( الشريف الحسين هو زوج الاميرة بديعه شقيقة عبدالاله الصغرى وهو والد الشريف علي راعي الحركة الملكيه الدستوريه في العراق حاليا) وهو مقيم في مصر ويدير املاكهم هناك , وجاء ينصحني ويقول لي اذا سمحتم دعوني اودع في الخارج شيئا من اموالكم . جلس الامير الى جانبي في ركن الانتظار وقال تخنقه العبرة : نحن نودع اموالنا في الخارج ؟ وماهي اموالنا ؟ قال لي الشريف ان المستقبل المجهول والوضع متفجر في المنطقه . فقلت له : اذا كان لايريدونا هنا فنحن نذهب كما جئنا . نذهب بانفسنا لا نحمل شيئا . وقد منّ الله علينا هنا بالملك وسعت العيش . وخدمنا البلد حسب اجتهادنا وطاقتنا واذا كان لايردونا نذهب وانا استطيع ان اعمل ولو كحمال لكي اعيش بكرامة . ثم اشار بيده الي اعلى الجدار الذي يواجه الداخل الي القصر وقال : أنا مومن بكلام الله هذا فنظرت الي حيث اشار وقرات الاية من سورة ال عمران : ” قل اللهم مالك الملك توتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شي قدير ”

قراتها مع نفسي وقد خطت بالقاشاني على امتداد الجدار باستقامة واحدة وشعرت كانني اراها لاول مره هناك وقد امتلئ كياني بالخشوع . وصار من عادتي كلما دخلت القصر ان انظر الي ذلك الخط الجميل واتملى المعاني الغيبية في تلك الاية القرانية واتذكر وقفة الامير امامها وكانت وقفة مومن بالله مستسلما لارادته الربانية وقد استغرقه هما عظيم .

ضعف الدعاية

لم تكن الدعاية في النظام الملكي بالمستوى المطلوب ولم تتمكن من مقارعة او مجاراة دعاية “صوت العرب ” والوقوف بوجه” احمد سعيد ” الذي ما أنفك ينقل الاكاذيب ويبث السموم والاشاعات عن الامير بالذات.

كنت اتحدث مع الامير كلما وجدت الفرصة المناسبة عن كيفية استخدام وسائل الاعلام على وجه علمي والامير يصغي باهتمام ثم قال بشيئا من الاسى والشعور بالتحرج ” ماذا نفعل والباشا لايقبل بغير خليل ابراهيم للدعاية ” وقد خلفه بعد فترة العميد الركن محسن محمد علي مديرا عاما للدعاية . ومضت الايام واعلنت الوحدة بين مصر وسوريا ( شباط 1958 ) وذات صباح كنت في مكتب الامير في البلاط فسالني: ماهو انطباع الناس عن اذاعتنا الان ( كانت قد ادخل عليها بعض التغيرات وطعمت بعناصر جديده ) فقلت له بهدوء الناس لايسمعون ” اذاعة بغداد ” بهت وقال: لماذا ؟ قلت : لانها لاتذكر الاحداث العالميه . قال : كيف؟ قلت منذ اعلان الوحده المصرية السوريه واذعتنا لاتذكر هذا الخبر ولو مجرد ذكر وهو حدث عالمي مهم , لذلك يستمع الناس الي اذاعات اخرى . وفي الحال رفع الامير سماعة التلفون وطلب مدير الدعايه . قال له محسن , اسالك لو ان ” الباشا ” , نوري السعيد قتل الا تذيعن الخبر ! لم اسمع جواب ولكن الامير اضاف يسال : اذا لماذا لايذاع خبر الوحدة .

التطير المبالغ من اليهود

رافقت الامير في خريف 1957 بزيارته الرسمية لكل من الصين الوطنية ( فرومزا ) واليابان وكانت سفرة طويلة توقفنا خلالها في مدن متعدده في الشرق الاقصى في الذهاب والاياب . ورافقنا في الطائرة سفر الصين الوطنية في العراق . كان هذا السفير قد اقترح عند العودة من اليابان الي هونج كونج النزول لبضعة ايام ضيوفا عليه في قصر يلمكه عديله هناك , وقبل طلبه .

توقفنا في طريق العودة في هونج كونج كما هو مقرر لقضاء ثلاثة ايام في تلك المدينة الصاخبة للاستراحة . في مساء اليوم التالي اقام عديل السفير حفلة عشاء على شرف الامير والوفد المرافق له في إحدى قاعات المدينة الكبرى. اعتذرت من الامير عن عدم حضوري تلك الحفلة بسبب وعكة المت بي . ذهب الامير بحلته الرسمية الباهرة وبقيت لوحدي ثم أوبت الي الفراش واذا انا بين النوم واليقظة سمعت طرقاً عشوائياً على باب حجرتي , ثم اذا باحد المرافقين يداهمها وهو يصيح : انهض انهض , اجمع اغراضك . فظننت في الوهلة الاولى اني في حلم يتطور الي كابوس ؟ قال قرر سمو الامير ان نغادر هذا المكان فورا . اجمع اغراضك . فذهبت من فوري بالبيجاما , الي جناح الامير , ووجدته وحده فارع القامة وسيم الطلعة تزهو به اوسمته ويحتقن وجهه وتلتمع في عينيه الدموع كانه وهو منحوت بحزن خرافي ينبض بالتمرد . وقبل ان اساله قال : تصور انا حفيد الحسين ياخذوني الي هناك ولا يقولو لي ان اليهود بين الحاضرين . وخنقته العبرات . فدخل علينا احمد مختار بابان فقال للامير يحاول تخفيف عليه من الصدمه : ياسيدي ,هؤلاء اليهود من العراقيين وقد هاجروا الي هنا لا الي اسرائيل وقد جاءك صاحب الدعوة بالكاميرات واحرق الافلام امامك . ياسيدي استر علينا من الفضيحة . فصاح الامير : الفضيحة: انت تقول هذا يامختار ! اية فضيحة . انا لا اخشى من الدعاية ولكن الجرح عميق في قلبي نحن من سلالة الرسول ونعامل هكذا . نخرج من هذا البيت الان !

عن كتاب ( الامير عبد الاله ، صورة قلمية )