من وجوه الناستالجيا العراقية.. مجلس عطا عبد الوهاب

Wednesday 10th of February 2021 09:35:51 PM ,
4871 (عراقيون)
عراقيون ,

عبد الخالق كيطان

دعاني الأستاذ الفنان القدير يوسف العاني لحضور أصبوحة في منزل الشخصية العراقية المعروفة عطا عبد الوهاب في عمان، حيث ينعقد صباح كل ثلاثاء مجلس ثقافي يشارك فيه نخبة من ألمع وجوه المجتمع العراقي المقيمين في عمان، ومن مختلف الاختصاصات.

كانت الأصبوحة مخصصة للفنان العاني، وعنوانها: \”اللامألوف في المسرح الفرنسي\”، وهي محاضرة مخصصة لمجموعة عروض من المسرح الفرنسي شهدها العاني بين العامين 1983 و1985 في باريس، أيام كان عضواً في المركز الدولي للمسرح ممثلاً عن العالم العربي. وقد أطلق على تلك العروض مصطلح \”اللامألوفة\” لشدة غرابتها في التقديم.وأنت تدلف إلى بيت الأستاذ عطا عبد الوهاب لابد من أن تسترعي انتباهك صوره مع شخصيات من العائلة الهاشمية المالكة في العراق، وأخرى الأردنية. فالسيد عبد الوهاب هو سكرتير الملك فيصل الثاني، وله في هذا الخصوص كتاب يمثل صورة قلمية للأمير عبد الإله، الوصي على عرش العراق لمدة ناهزت عقدين من الزمن، حتى حدوث انقلاب الرابع عشر من تموز سنة 1958 في بغداد. حيث قدم في الكتاب جوانب إنسانية متعددة لشخصية الأمير عبد الإله لعلها غير معروفة لدى الكثيرين. يقول لي إنه كتب كتابه لكي يوضح الصورة التي عايشها للوصي، وهي صورة لا تشبه الصورة التي ترسخت في الذهن الجمعي العراقي. ومن حقنا السؤال هنا، في هذا الاستدراك، عن المسؤول عن صناعة الصورة النمطية للوصي في أذهان العراقيين.أهداني بعدها الأستاذ عبد الوهاب المجلد الأول من محاضرات ملتقى الثلاثاء الذي دأب على تنظيمه في منزله منذ سنوات. طبعة أنيقة صادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ضمت بين ثنياتها مجموعة المحاضرات التي ألقاها عدد من المتخصصين بشتى حقول المعرفة. أما أبرز المشاركين في هذا المجلد فهم: عطا عبد الوهاب، عبد الرحمن بهجت نوري، وسام الزهاوي، رياض الياسين، عبد الواحد لؤلؤة، مدحة الجادر، عاطف سليمان، محمد شكري جميل، نجيب محيي الدين، عبد المحسن إسماعيل شنشل، مهدي الهاشمي، حسين الأعظمي، إحسان البحراني، حسين أمين، محمد غني حكمت، طارق صالح الربيعي، هاشم الشبلي، طاهر حمدي كنعان، وليد محمود خالص، نجدة فتحي صفوة، عبد الأمير رحيمة العبود، إسماعيل الجاسم ويوسف العاني.وعلى غلاف الكتاب نقرأ: \”بلغ عدد الجلسات الثقافية، التي عقدت حتى الآن في دار عطا عبد الوهاب، ثلاثاً وخمسين جلسة خلال سنة ونصف السنة. وقد شارك فيها لفيف من المثقفين العراقيين بدءاً من أوائل نيسان 2009. كانت كل جلسة من الجلسات تخصص لحديث أحد المشاركين في موضوع يختاره، ثم يجري النقاش حوله من قبل الحاضرين، وبين آونة وأخرى كانت تعقد جلسة عمومية للمناقشة في الموضوعات التي طرحت سابقاً. وقد استضافت الندوة كذلك عدداً من الشخصيات الثقافية المرموقة ناهز ثماني شخصيات\”.وضعت الكتاب جانباً وأنا أتابع وصول الضيوف. كانوا مجموعة من التكنوقراط الذين خدموا العراق لسنوات طويلة، وأصبح مكانهم اليوم أبعد من الرفوف. وها هم يعيشون على حافات العراق دون أن ينسوا دورهم الأساس، والمتمثل أساساً بالتنوير في ظل ظروف عراقية أحوج ما تكون إلى التنوير. وبالرغم من أن حلقة الثلاثاء لا تضم أكثر من 25 ضيفاً دائمياً إلا أن المجموعة دأبت على استضافة بعض الشخصيات التي تكون في زيارة للعاصمة الأردنية أو يقوم بترشيحها أحد أعضاء المجلس، كما حدث معي على سبيل المثال. وبعد أن قدمني الأستاذ يوسف العاني للحضور بدأ محاضرته التي استمرت زهاء ساعتين. جال فيهما العاني، بما عرف عنه من براعة في الحكي والسرد، لا على المسرح الفرنسي، كما هو حال عنوان المحاضرة، بل ذهب إلى المنابع الأولى للمسرح العراقي، وإلى تجربة فرقة المسرح الفني الحديث وإلى المسرح في لبنان ومصر وانكلترا وأميركا وروسيا وألمانيا... استذكر العاني في حديثه الشيق شخصيات عراقية وعربية وأجنبية فكان سامي عبد الحميد وقاسم محمد وكاظم حيدر وخليل شوقي حاضرين ذات الحضور الذي تمتع به تشيخوف ومولير وبريشت وشيكسبير. والحق أقول أن الفكرة التي بنى عليها العاني محاضرته تتلخص بسطر واحد مفاده: كيف تكتب عرضاً مسرحياً شاهدته؟ وعندي أن هذا السطر، السؤال، هو محور أحدث الدراسات في النظرية الأدبية، وأقصد: القراءة والتلقي. حيث تقول نظرية القراءة والتلقي بأن المتفرج في المسرح هو الذي يصنع العرض. كيف؟ من خلال إعادة قراءته. ولقد فعل العاني مع العروض الفرنسية ذلك. وبالرغم من أن العروض التي يتحدث عنها يعود تاريخها لحوالي 30 عاماً مضت، إلا أنه يتحدث عنها اليوم كما لو كان شاهدها بالأمس. وهو الأمر الذي يكشف عن أشياء كثيرة، منها: قدرة تلك العروض على الخلود من خلال شكلها الفني وليس موضوعاتها، وثانياً ملائمة منهج القراءة والتلقي لقراءة العروض، وثالثاً، تلك الذاكرة الحية التي يتمتع بها العاني وقدرته على تشخيص العروض ومتابعة تحليلها بعد رصدها وانتقائها من بين الآلاف من العروض التي شاهدها طيلة مشواره الفني. ولم يكد الحديث ينتهي حتى بدأ عدد من الحضور في إثارة عدد من القضايا التي تطرقت إليها محاضرة العاني. وهي ملاحظات أغنت المحاضرة والحضور على حد سواء.