الشاعر الكبير محمد حسين آل ياسين.. هسيس الذكريات في قصائد الستينيات

Wednesday 3rd of February 2021 09:24:43 PM ,
4866 (عراقيون)
عراقيون ,

يوسف عبود جويعد

ضمت المجموعة الشعرية المترجمة أفروديت للشاعر محمد حسين آل ياسين الصادرة عام 2012، وقد قام بترجمتها المترجم أ.المتمرس الدكتور عبد الواحد محمد مسلط، معززة بالقصائد الأصلية باللغة العربية، وهي قصائد تمثل نماذج من تجاربه، خلال فترة امتدت لأربعة عقود، حيث يقول عنها الشاعر موجهاً رسالته إلى المترجم …

فبين يديك خمسين قصيدة ومقطوعة راعيت في اختيارها أن لا تكون من مطولاتي فكانت هذه المجموعة التي فيها ما لا يزيد على البيتين وفيها التي تتجاوز الثلاثين، وجميعها من الغزل أو الوجدانيات الخاصة أو الأخوانيات والمدن، وحرصت أن تكون من الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات لتعطي صورة شاملة عن التجربة الشعرية. وفي الوقت الذي أشعر فيه أنها خالية من التعقيد والصعوبة، أشعر أنها أصعب من المجموعة المترجمة والمطبوعة سابقاً وقد توقف الشاعر طويلاً في مرحلة الستينات، حيث ضمت هذه المجموعة ثلاثة عشر قصيدة ، كتبت في تلك الحقبة، وهي مرحلة الشباب، والنضوج الفكري، وامتلاكه لناصية الشعر، وحضور المخيلة الخصبة النابضة بالأحاسيس الوهاجة، واعتلاءه لصهوة الشعر بكل تمكن، وهي لا شك تمثل محطة مهمة جداً، من محطات الشاعر، التي لا تنسى ، ولا يمكن للذاكرة أن تمحوها، ومن الواضح أنه يحن لأيام الصبا والشباب، وهو الذي جعل الشعر زاده وزواده، بل أن حياته شعراً منذ صباه، وعالمه شعراً ، حتى أنه بات يلتقط من صميم الحياة لحظات متوهجة لينقلها إلى مخيلته الشعرية، فيحيلها إلى قصيدة تنبض بروح الحدث المقتطع، وكأنه الوسيط بين الحياة وعالم الشعر، فينهل من واقع الحياة هذا النبع المتدفق الوهاج، الذي وجده الشاعر مادة خامة، نقية، صافية، رقراقة، تصلح أن تكون قصيدة، فهو لا يتخيل بنية القصيدة ، بل أنه دائب يعيشها، ويعيش تجربتها ليحيلها إلى مفردات شعرية تنبض بالحياة ، لأنه اختار أن يكون الشعر كل حياته، وأن يعيش ليكون شاعراً، وقد هيأ روحه وكيانه وأحاسيسه لذلك، حتى أن مجاله العملي كان له صلة بتطوير هاجس الشعر لديه، أما مفردته الشعرية فهي جزء من بنية القصيدة، حيث أن القصيدة لديه وحدة موضوع متكامل موحد، ابتداء من بنية العنونة، وانتهاء بأخر شطر، وهو يكتب القصيدة العمودية، ولا يحيد على تغيرها ، كونه يعرف جيداً أن الانتقالات الحداثوية التي حدثت في مسيرة الحركة الإبداعية الشعرية، لا يعني التحول من العمود إلى التفعيلة أو النثر، بل إن الحداثة تكمن في مقدرة الشاعر في نقل القصيدة العمودية إلى عالم الحداثة، ولكي نعرف اهتمام الشاعر بمرحلة الستينات وأهميتها لديه، علينا أن نراجع القصائد التي ضمتها هذه المجموعة، ومدى تنوعها واختلافها عن بعضها، من حيث الثيمة، والبناء، والرسالة الإنسانية، والخطاب الأدبي، والخطاب الثقافي، قصيدة صبرا سعاد 964، قصيدة أخي 1965، قصيدة عبقر جديد 1965، قصيدة عرس 1965، قصيدة لابد أقرأ شيئاً 1965، قصيدة نبضات قلب 1965، قصيدة الخيال الجموح 1966، قصيدة عمر جديد 1966، قصيدة أبتاه 1967 ، قصيدة سهى 1967، قصيدة رياض 1967، هذه القصائد تشكل لدى الشاعر محطات حياتية مهمة جداً، وهي عالقة في الذاكرة، كما إنها تشكل لدى الشاعر الخطوات الواثقة والرصينة في رحلة الشعر الطويلة التي امتدت لأكثر من ستين سنة، حتى بات ذا شأن كبير في مجال الشعر، ويطلق عليه شيخ الشعراء، وآخر العنقود لسلالة كبيرة من رواد الشعر في البلد، وكذلك إنها رسمت ملامح نهجه الشعري، وشخصيته، وسماته، فقصيدة صبراً سعاد فهو يدعو سعاد هذه المرأة التي هي محطة مهمة في حياته، ويؤازرها ويساندها، ويتألم لحالها، ويثور لأجلها، ويبكي لها، والمفردة الشعرية في هذه القصيدة انفعالية عميقة الدلالات والمعاني .

وقد قال الناقد عبد الجبار عباس في دراسته لمملكة الحرف يذكر هذه القصيدة ” ويتضح إنشداد الشاعر إلى دائرة ضيقة من تراثه الشعري في قصيدة لابد أقرأ شيئا يستهلها بحضور شاعريته في عكاظ، وقدرة شعره على أن يسحر النوادي ، منعطفاً إلى الشكوى والفخر التقليدي …

فالشاعر آل ياسين هنا امتداد مكرور وحفيد معاصر لأسلافه عقيدة ومنتسباً وشعراً الشريف الرضي ، المرتضى ، مهيار ، الصاحب بن عباد ، وصولاً إلى شعراء القرن التاسع عشر ما إن يمتلك الواحد منهم في فتوته قدرة على النظم حتى يطيب له أن يزهو بشعره وحنكته وتجاربه التي ضمت نوائب الدهر وأثارت حسد الحاسدين في فخر الفتيان النوابغ ” وإذا توغلنا في تلك المرحلة المهمة من حياة الشاعر، فسوف نكتشف بأنها القاعدة الثابتة والقوية والمتماسكة لتي شكلت انطلاقه الشعري بكل قوة وثقة، ففي قصيدة نبضات قلب التي تعد من أجمل القصائد الوجدانية، يقدم لنا الشاعر تداعيات وجدانية ذاتية عميقة، تصل إلى أعمق أعماق ذاته، فتخرج مكنونه الشعري والحسي دون أن يكون هنالك عائق يقف حائلاً بينه وبين بنية القصيدة، فاللغة عنده طيعة سهلة المنال كونه امتهنها كعمل في حياته، وهذا الجانب ساعد الشاعر في تقديم قصائد تحمل لغة بليغة عالية المستوى،

وهكذا تستمر رحلة مرحلة الستينات والنضوج الشعري وثورة الشباب وعنفوانه لدى الشاعر، وخبرته التي تزداد كلما تقدم، ونجد ذلك في قصيدة الربيع الحزين وكذلك قصيدة غد الشعر والتي قال عنها الشاعر خالد علي مصطفى في مقال له بعنوان أجمل الشعر أقله يتحدث فيه عن الأماسي الشعرية ويذكر هذه القصيدة :

والى هنا تنتهي رحلتنا مع النماذج المختارة من قصائد فترة الستينات، لندرك أهمية هذه المرحلة لدى الشاعر، ومدى تأثيرها في مسيرته الشعرية الوضاءة، أما قصائد فترة السبعينات ، والثمانينات ، والتسعينات ، فهي قصيدة نسب العلم 1975، وقصيدة ليلة 1983، وقصيدة دانية أيضا 983، وقصيدة الطيب 1982 ، وقصيدة فائدة 1984 ، وقصيدة يا ابنة الدرس 1987 ، وقصيدة أستاذ 1992، أما قصيدة ليلى فلم تذيل بتاريخ، وقصيدة أفروديت 1984، وقصيدة رسالة 1981، وقصيدة ياهوى الأمس 987، وهي قصائد اختارها الشاعر لتكون ضمن هذه المجموعة كونها مميزة، ومتفردة، ولها أهمية، في مسيرة الشعر، إلا أن تحليلها ودراستها يحتاجان لوقت آخر، وهكذا فان هذه المجموعة المترجمة للشاعر محمد حسين ل ياسين، تشكل مرحلة شعرية كبيرة في طريق الشعر الذي وطأ الشاعر أقدامه الراسخة، ليصبح قامة كبيرة من قامات الشعر في العراق والوطن العربي.