باكية على ترف الماضي الجميل..مـحلة الـشواكة تغازل دجلة بسحـر شناشيلها

Sunday 20th of December 2020 06:08:27 PM ,
4835 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

شكيب كاظم

محلة حالمة على ضفاف دجلة، يفوح منها عبق الماضي التليد، وتطوف حولها النوارس، تتوسد الضفاف، معانقة أمواج النهر منذ قرون عدة، ومازالت منازلها العتيقة ذات الشناشيل عامرة بأهلها.

من محلات كرخ بغداد العريقة والقديمة، وتقع في الجانب الغربي من بغداد، مطلة على نهر دجلة الخالد، وتحدها شمالا (محلة باب السيف)، وتقع على جنوبها محلة (الكريمات)، أي إن هذه المحلات البغدادية القديمة الثلاث، تقع في المنطقة الواقعة بين جسري المأمون القديم الذي سمي في العصر الجمهوري (جسر الشهداء)، وجسر الملك فيصل الثاني الذي سمي لاحقا باسم (جسر الأحرار) في العهد الجمهوري أيضاً.

اشتهرت ببيع الشوك

اختلفت الروايات في سبب تسمية محلة الشواكة بهذا الاسم، لكن أكثر الآراء رجاحة وقبولا، أن تسميتها جاءت من أن ساكنيها يمتهنون مهنة بيع الشوك الذي كان يأتيهم من منطقة كرادة مريم، ولا يخفى على الدارسين ان استخدام الشوك كان الوسيلة الأساسية في التدفئة والطبخ، إلى جانب الخشب والفحم، قبل اكتشاف النفط.

لقد سكنت هذه المنطقة اسر تمتهن مهنا عدة، وكان يغلب عليهم العمل النهري، سواء في صيد السمك أم نقل الناس بين جانبي النهر، يوم لم توجد جسور في بغداد، إذ لا يخفى على الدارسين ان أول جسر عائم أنشئ على دجلة، قريبا من موضع جسر الشهداء الحالي أنشئ أواخر العهد العثماني، ولعلها سنة 1910، وكان عمي المرحوم صبري سعودي خليل إبراهيم (قنطرجي)، أي متعهد عليه من قبل الحكومة العثمانية إلى جانب المرحوم الياس شعوبي حيث كانا يجبيان ضريبة عبور الجسر، وحتى بعد إنشاء الجسور ظل الناس ينتقلون من جانب إلى آخر، بواسطتها.

أسر المحلة

سكنها عدد من الأسر الموسرة مثل أسرة الشاهين، وكان من أعيانها المرحوم أبو مضر الحاج علي الشاهين، فضلا على أسرة المولى، وقد أنجبت هذه الأسرة ثلاثة أشقاء هم : الوجيه صاحب الخان في منطقة الجعيفر المرحوم أبو صاحب أحمد المولى، فضلا عن شقيقه العميد حميد المولى وهو أحد ثوار تموز من عام 1958 وأعتقل في شهر شباط من عام 1963 ، ومات في تسعينات القرن المنصرم في مغتربه بالسويد، فضلا عن محمود المولى الذي كان أستاذا للتربية الرياضية في كلية الحقوق، وتولى رئاسة اتحاد الملاكمة في حينها وثلاثتهم رحلوا إلى رحمة الله، كذلك سكنتها أسرة الوتار ومنهم الوجيهان داود وسلمان الوتار اللذان كانا يمتهنان تجارة الجلود، وقد دأب أبو فؤاد داود الوتار على إقامة مجلس العزاء الحسيني، في داره العامرة المطلة على نهر دجلة، طوال أيام شهر الصيام الفضيل، وكان من أشهر قراء المجلس أيامذاك، الشيخ كاظم الذي كان معروفاً بحرصه على ان يسود الهدوء مجلسه وكان يغادر المجلس اذا سمع صوت حديث لحضّار مجلسه، وكان يتولى المرحوم (دعبول البلام) سقاية الحضار الماء، وكان (دعبول) الشخصية الكرخية الفكهة صديق الباشا رئيس وزراء العراق الأسبق نوري السعيد، يمتنع عن شرب الخمر طوال أيام الشهر الفضيل فضلا عن أيام عاشوراء.

شخصية دعبول البلام

و(دعبول البلام)، أصبح شخصية معروفة في بغداد والعالم العربي حيث جسد الفنان الرائد يوسف العاني حياته بمسرحية (الشريعة)، وكان صديقاً للمرحوم أبي ولي كذلك، التي كان لها صدى واسع حين عرضت على المسرح بداية السبعينات من القرن المنصرم، كما تناولته روائيا الكاتبة عراقية المولد بريطانية الأصل (أمل بورتر) ابنة الضابط البريطاني (بورتر) أيام الاحتلال البريطاني للعراق سنة 1917 والذي أحب العراق وتزوج من عراقية، وعاش فيه حتى مات. ولقد توفي (دعبول البلام) في خريف عام 1971.

وجهاء المنطقة

وكان من وجهاء محلة الشواكة كذلك أسرة الدرة وقد برز منها العقيد عبد الباقي كاظم الذي كان أول مدير لشرطة بغداد في العهد الجمهوري، وكان من أبنائها الأفذاذ أنجال الوجيه جعفر الأوقاتي، كل من الزعيم (العميد) الطيار الركن المرحوم جلال الأوقاتي، الذي تولى قيادة القوة الجوية في العهد الجمهوري، واغتيل في صبيحة الثامن من شباط من عام 1963، وهو يهم بمغادرة داره متوجها إلى مقر عمله في وزارة الدفاع، فضلا على أحمد الأوقاتي المحامي وشقيقه الطبيب أنور الأوقاتي الذي تولى أدارة المستشفى الجمهوري ببغداد، والصيدلي الأوقاتي وكانت صيدليته شاخصة في ساحة الرصافي إلى وقت قريب والذي أمضى فيها عقودا من الزمن.

أبطال رياضة السباحة

ومن الأسرالمعروفة في محلة الشواكة،أسرة المختار وعميدهاالحاج محمدعلي الملقب جابربن حاج كاظم بن سهيل، كما دون هو- رحمه الله-على نسخة قديمة من كتاب (الفيةابن مالك) تعود لبداية القرن العشرين وآلت إلي وكتب نحو أخرى بعد وفاته شتاء سنة 1972، وكان من أحفاده أبطال رياضة سباحة المسافات الطويلة الفقيدان جعفر محمد صالح الرياضي الشامل إذ كان لاعبا ماهرا في الكرة الطائرة وكرة السلة والساحة والميدان وشقيقه صادق البطل العراقي في سباحة المسافات الطويلة التي كانت تبدأ من ناحية الراشدية شمالي بغداد وصولا إلى جسر الملكة عالية(الجمهورية) في الباب الشرقي.

ما دمنا نتحدث عن الرياضة، فلابد من الوقوف عند رئيس اتحاد كرة السلة الأسبق الفقيد علي الصفار، مدرس الرياضة في العديد من مدارس (إعداديات وثانويات) بغداد وكان مدرساً للرياضة في متوسطة فيصل الرسمية نهايات العقد الخمسيني من القرن العشرين، الذي غادر الحياة صيف عام 2012، فضلا على رسمي عبد الحسين بطل العراق في سباق سباحة المسافات الطويلة عام 1958 والحائز على المرتبة الثانية عالمياً في سباق (كابري – نابولي) بإيطاليا سنة 1959، ويعد هذا السباق من أشهر السباقات في رياضة سباحة المسافات الطويلة عالمياً.

الطب والسياسة

إلى جانب سباق (صيدا- بيروت) الذي فاز به السباح العراقي المعروف القاضي علاء الدين النواب، ومن الأسر المعروفة في المنطقة أسرة آل سعودي وأولاده صبري ورزوقي القبطان وكاظم ومن أبنائه الدكتور ناظم كاظم سعودي اختصاصي طب وجراحة الأنف والأذن والحنجرة والحائز على شهادة ( الأف ار سي أس) من جامعة لندن، وأخيراً لابد من الحديث عن أسرة الدفتري، التي انتقلت إلى السكن في هذه المحلة في ثلاثينات القرن العشرين، قادمة من محلة الحيدر الخانة، أسرة الوجيه محمود صبحي الدفتري الذي اقترن بالسيدة(صبيحة) شقيقة المرحوم الأستاذ كامل رفعة الجادرجي مؤسس الحزب الوطني الديمقراطي وزعيمه حتى وفاته يوم الخميس الأول من شباط 1968، أقول انتقلت للسكن في محلة الشواكة وابتنت لها دارا فارهة مطلة على نهر دجلة الخالد ورحم الله تلك الأيام الخوالد.

سوقها المترف

وقد امتازت محلة الشواكة بسوقها الخاص بالخضار واللحوم، والذي كان يعد من أكبر الأسواق في الجانب الغربي من بغداد وقد عرف فيه عدد من القصابين مثل: القصاب (سلوم) الذي اغتيل في خريف 1962 فضلا عن القصاب(عصفور).

فضلا عن أنجال الشخصية السياسية المرحوم (عباس الترف)، وكبيرهم السيد فياض (صديق المرحوم أبي وصديقي) وكلف وروسي ورشودي (رشيد) وقد عرف السوق بالشخصيتين الفكهتين، الحاج عبد الأمير شقيق مختار محلة الشواكة محمد علي وعبود المعروف بـ(عبوكي) الذي كان يبيع جبن العرب وكان متوترا دائما، ولعل ذلك ناتج عن كونه عاش أعزب ولم يتزوج، فضلا عن الحاج مهدي السمين الذي لم يعقب خلفا بعده.

والسوق يمتد من رأس محلة الشواكة مرورا بمحلة باب السيف وانتهاء بمحلة الباغي، وعرفت المحلة بأشهر مطعمين للكباب بالكرخ هما (مطعم كباب الحاج مهدي ومطعم كباب الحاج قاسم) وقد اندثرا عام 1981 بسبب شق شارع حيفا وبناء العمارات السكنية فيه.

شقاوات أيام زمان

كان من ابرز شقاوات المنطقة المرحوم عباس بن شكر الذي كان شخصا مهذبا طيبا مدافعا عن أبناء المنطقة وقتله غيلة المدعو عبد الرحمن ابو عوف في الثامن من شباط 1968 لتصفية حساب معه بداعي الانتقام إذ كان عباس رحمه الله قد امسك بـ(أبو عوف) يوما من أيام عام 1963 الذي كان مترصدا لقتل عباس في سوق الشواكة إلا أن عباسا لجسارته وجرأته المعهودة تمكن منه وانتزع مسدس ابو عوف من يديه وسلمه إلى مركز الشرطة ومن شقاوات المنطقة أيضاً المرحوم سيد كاظم الذي رد اعتداء عدد من شقاوات المناطق الأخرى الذين هاجموه بينما كان جالسا في مقهى سيد محمد في الشارع العام وتمكن من قتل احدهم وجرح الباقين وسجن اثر ذلك خمس عشرة سنة.

هذا جزء من تأريخ المحلة الكرخية، وما علق في الذاكرة، رحم الله الجميع ورحمنا..