امرأة تقتحم وكرا للرجال

Wednesday 4th of November 2020 07:11:12 PM ,
4804 (عراقيون)
عراقيون ,

د. علي العكيدي

كان للذكور والأناث الذين جاهدوا من اجل الحصول على تعليم عالي في العراق مطلع العشرينيات والثلاثينيات ومابعدها دورا كبيرا بتطوير البلد قبل ان يتراجع في عقد الثمانينات نتيجة للحروب التي مر بها.

ومن هنا فقد أشارت المصادر الى ان النساء قد قادن حركة نسوية نشطة للحصول على حريتهن ومساواتهن بالرجال من ناحية التعليم، الذي كان حكرا على الرجال فقط قبل عقود من الان، ومن بين تلك النساء الكثيرات والنشطات والمتمكنات كانت المحامية القديرة صبيحه الشيخ داوود، التي دخلت كلية الحقوق عام 1936م وهي بمثابة وكر للرجال اذا لم تدخلها انثى حتى تلك السنه التي بلغ عدد طلابها حواي المائتي طالب.

في عام 1912م ولدت صبيحه الشيخ داود، في بغداد من عائلة بغدادية متنورة، كان والدها الشيخ أحمد الشيخ داود، من رواد الحركة الفكرية في بغداد واحد من وزراء الوزارة السعدونية الثانية 1928-1929 اذ كان وزيرا للاوقاف فيها، التحقت المرحومة صبيحه الشيخ داود في أول مدرسة أهلية للبنات فتحت في بغداد وكان ذلك عام 1919م، بدات الشيخ داود نشاطها الفكري مبكرا، ففي عام 1922 وبالتحديد في 24/شباط أقيم مهرجان سوق عكاظ في بغداد برعاية الملك فيصل الاول وهنا كان للمرحومة صبيحه دورا مهما اذ مثلت دور الخنساء في مشهد تمثيلي وهي تركب جملا وتنشد شعرا للخنساء نال اعجاب الملك فيصل الاول الذي أجلسها بجانبه وهي لم تبلغ العاشرة من عمرها . فكان لذلك الموقف اثرا ايجابيا في سفر حياتها .

تتحدث الدكتورة إنعام مهدي في كتابها حفريات في الذاكرة العراقية وهي تتناول جزء من حياة صبيحه الشيخ داود فتقول تعد " صبيحة الشيخ داود من اوائل الفتيات اللواتي تحدين التقاليد فتجسد ذلك باكمالها لدراستها الابتدائية والمتوسطة،ثم دخلولها دار المعلمات الابتدائية وتخرجت منها، وكانت من الطلبة المتفوقين الذين حظوا برعاية الملك فيصل الاول، الذي خصص لهؤلاء جوائز للتفوق.

بعد اكمالها لدراستها أبدى الملك فيصل الاول رغبة بارسالها الى الولايات المتحدة الامريكية لاكمال دراستها لاكنها رفضت، ولم تقدم صبيحة الشيخ داود، فيما بعد مبررا لرفضها هذا، كما تقول الدكتورة إنعام، واختارت اكمال دراستها في العراق، اذ قررت دخول كلية الحقوق عام 1936 فكانت اول فتاة مسلمة تدخل الكلية، باستثناء فتاتين مسلمتين دخلتا كلية الطب في العام نفسه هما سانحة امين زكي ونورة زيتون الرمضاني. وقد كانت تجربة صبيحة الشيخ داود متميزة وصعبة في الوقت ذاته".

كتاب [اول الطريق الى النهضة النسوية في العراق] هو واحد من مؤلفات المرحومة صبيحة الشيخ داود، تحدثت فيه عن تجربتها الشخصية في مجال التعليم وهي تخترق الطرق للوصول الى مبتغاها العلمي والثقافي في مجتمع ذكوري، يقدس الذكر، ويقلل من شان الانثى بكل ما اوتي من قوة واصرار، تحدثت في كتابها أعلاه الذي طبعته عام 1958 عن بداية تجربتها الجامعية وهي تدخل كلية الحقوق عام 1936 م فتقول " عند قبولي في كلية الحقوق اخذتني والدتي في السيارة واوصلتني الى مدخل الكلية وانا ارتدي العباءة وعلى وجهي البرقع الاسود، فلما بلغنا باب الكلية وجدنا الطلاب متجمهرين على جانب الطريق وتاملت والدتي الطلبة فلاحظنا على وجوه بعضهم دلائل الاستنكار وعلى وجوه البعض الاخر دلائل الرضا والقناعة، فدفعتني بيدها قائلة اذهبي وحافظي على هدوء أعصابك. انترعت البرقع عن وجهي وبقيت اتمسك بالعباءة واشد عليها بيدي بقوة على الرغم من اني كنت ارتدي ملابس محافظة جدا جعلت هيئتي اقرب الى هيئة راهبة، اكمام طويلة وملابس سوداء وعباءة سوداء ثم تكمل حديثها عن تلك الايام بان والدتها بعد ان حثتها على التقدم وجهت كلامها الى الطلبة المتجمهرين قائلة " اعتقد انكم ستعاملون اختكم معاملة طيبة فانا اتركها امانة لديكم واعتقد انها ستكون عند حسن ظنكم ولن تتركوها ان شاء الله تندم على هذه التجربة " . وكان لهذه الكلمات كما تذكر صبيحة الشيخ داود اثر طيب لدى الطلبة ورد بعضهم بكلمات طيبة وحماسية ".

ان الموقف اعلاه هو بحد ذاته ثورة اجتماعية ونفسية واجتماعية كبيرة قامت بها المرحومة صبيحة ضد معالم التراجع والتخلف وتقديس الذكور، فقدمت للمجتمع العراقي سلوك انثوي يُقتدي به واثبتت للمجتمع ان الانثى انسان له ماللذكور من خصائص وامنيات وعليه ماعلى الذكور من واجبات تجاه الوطن والانسانية بشكل عام على حد سواء.