من تاريخ النشاط الصحي في العراق..وجهاء بغداد يؤسسون جمعية لحماية الاطفال

Sunday 8th of March 2020 08:04:20 PM ,

ذاكرة عراقية ,

د. اياد يونس عريبي
تميز المجتمع العراقي بكثرة الامراض المستوطنة والوافدة التي اثرت كثيراً على المستوى الصحي , وجعلت نسبة الوفيات تزداد بشكل مضطرد ولاسيمابين الاطفال، كما ان انتشار الامية بشكل مخيف بين صفوف المواطنين عامل اخراسهم في اضعاف المستوى الصحي.

فضلا عن ذلك انخفاض المستوى المعاشي للمواطنين بشكل عام مما حال دون استقرارهم في مساكن جيدة ذات مواصفات صحية ، مع ملاحظة قلة المستشفيات وافتقارها الى الشرطين الطبي والصحي قياسا الى عدد السكان ، فكانت تظهر نسبة الوفيات كبيرة جدا قياسا الى نسبة الولادات, كما كان القطاع التعليمي متخلف جداً, وكانت كفة الاميين هي الارجح ، اذ ان الاغلبية الساحقة من المواطنين محرومة من حق التعليم نتيجة عدم اهتمام الدولة بهذا القطاع واهمالها له وعدم تخصيص ميزانية كافية لهذا الغرض.
تأسست جمعية حماية الاطفال في 20 اذار عام 1928 بعد ان تم اتفاق مجموعة من الوجهاء والاطباء على الشروع في هذا العمل الخيري ، بهدف تقليل وفيات الاطفال عامة والسعي بكل الوسائل الفنية والاجتماعية لتربيتهم بصورة صحيحة وتحسين النسل ومساعدة العائلات الفقيرة ، وكان لهذه الجمعية (19) فرعاً في جميع انحاء العراق واغلبية هذه الفروع مستوصفات خاصة بها.
كان هدف الجمعية هو التذليل من انتشار العادات القبيحة التي تأخذ ضحاياها من الارواح البشرية وعلى الاخص الاطفال ، واستشراء عادات غير جيدة مثل الجري حفاة وايديهم ووجوههم وثيابهم وسخة الى اقصى حد ، ان مجرد تعليم القواعد الصحية وضرورة النظافة بصورة عامة لا يكفي, بل يجب ان تكافح المدارس العادات القبيحة المنتشرة بين السكان واحدة واحدة واستبدالها بالعادات الصحية، وكانت غاية الجمعية كما حددتها (المادة الخامسة والرابعة والعشرون) من نظامها الاساسي "التقليل من وفيات الاطفال عامة والسعي بكل الوسائل الفنية والاجتماعية لتربيتهم بصورة صحية وتحسين النسل ومساعدة العائلات الفقيرة وذلك بتوزيع الحليب وسائر الاحتياجات اللازمة لتربية الطفلوللإرضاع الصناعي واجراء المداواة مجاناً وتوزيع الملابس على الاطفال".
من المفيد ان نذكر ان المؤسسين للجمعية هم (الحاج ياسين الخضيري , ابراهيم محمود الشابندر, طاهر محمد سليم ، حسن رضا ، سامي شوكت ،سامي سليمان ،ابراهيم عاكف الالوسي ، صائب شوكتوعبد الحميد الباجة جي) وكان غرض الجمعية هو الاخذ بكل الوسائل الممكنة لإصلاح حالة الطفل العراقي ، ولهذا فهي تقوم بالأعمال الاساسية التالية من دون انقطاع , فحص المراجعين من قبل طبيب الجمعية وتشخيص المرض واعطائهم الدواء من صيدلية الجمعية التي تحتوي على كل ما تمس الحاجة اليه من الادوية ، وفي الجمعية ممرضتان تقومان بتضميد الجروح ومداواة الاطفال بما في ذلك امراض العيون ، كما تقوم الجمعية بختن الاطفال الفقراء في كل عام على نفقتها مع اكسائهم ومعالجتهم حتى يتم لهم الشفاء , والاكساء لا ينحصر في الاطفال المختونين وحدهم بل تنتظر الجمعية بعض المواسم كالأعياد لتوزيع الملابس مجاناً على الاطفال الفقراء.
اما بالنسبة لتمويل الجمعية ، فقد استمدت الجمعية مقومات وجودها من تبرعات المحسنين وهبات الحكومة والاوقاف وامانة العاصمة والبلديات وتعهدات الاعضاء الشهرية والاعانات واليانصيب الذي كان يعد واردها الرئيس)كما واصدرت الجمعية طوابع خاصة بها, وذلك للحصول على مورد مالي شبه ثابت .
اهم اعمال الجمعية التي ابتدأت من 16 تشرين الثاني 1928 الى نهاية ايار 1929 هي معالجة المراجعين من المرضى , وكان عددهم (3791 ) طفلا , وقد وزعت الجمعية 762م من الاقمشة و206 علبة حليب , وغيرها من المساعدات التي تمكنت الجمعية من اجرائها اثناء ايام العيد , وختان الاطفال والتكفل بمصاريفهم ولوازمهم.
استنادا الى (المادة السادسة) من نظام الجمعية الاساسي تسعى الجمعية لتأسيس فروع لها خارج العاصمة وداخلها فقد افتتح فرع لجمعية حماية الاطفال في الكاظمية بتاريخ 6 حزيران 1936(كما وافقت وزارة الداخلية على فتح فروع في الوية الدليم والعمارة والكوت واربيل والديوانية والمنتفك وديالى بتاريخ 12 كانون الاول 1938, وفرع اخر في الأعظمية بتاريخ 18كانون الثاني 1939,وفرع اخر في السليمانية في 15 تموز 1944.
كان لهذه الجمعية دور فاعل في حياة المجتمع البغدادي , عن طريق نشاطاتها المتميزة، والتي تركت اثر ايجابي في نفوس الناس ، فقد اسفرت جهودها عن انشاء اربعة مستوصفات في مناطق الاعظمية والكرادة الشرقية والكرخ وباب الشيخ ، فضلا عن افتتاح مستشفى خاص لمعالجة الاطفال والنساء واشرف على افتتاحه الملك غازي عام 1936)وقد حققت الجمعية نجاحاً ملموساً في عملها الامر الذي شجع اعضاءها لتوسيع فروعها وتقديم خدماتها لأكبر عدد من الاطفال ، فافتتح لها فرع نسوي في لواء الموصل عام 1937، وكانت الهيئة التأسيسية تتكون من نساء الذوات وتراستها فخرية عمر نظمي.
امتدت نشاطات الجمعية لتشمل مناطق مختلفة من العراق ، ففي مدينة بغداد أسس فرعها النسائي مستشفى باسم (مستشفى دار الولادة ورعاية الطفل) في شارع الحريري ، وفي البصرة استقرت مستشفاها في مقر الجمعية هناك بسعة (60) سريرا ، وانجزت بناية مستشفى حماية الاطفال في مدينة السماوة على عرصة اميرية ملكت لها عام 1951 ، اما في مدينة الناصرية فقد افتتحت مستشفى عام 1956 , وكان اعتمادها على تبرعات المحسنين، وللجمعية مستشفيات في الكوت والرمادي وغيرها .
وكان اكبر مستشفياتها هو مستشفى حماية الاطفال(المركز) في منطقة باب المعظم وقد احتوى عام 1957 على (157)سريراً، وهو يقوم بوقاية ومعالجة مراجعيه من الاطفال وايواء الاطفال اللقطاء والعناية بهم، اما لقطاء الألوية الاخرى فيودعون في المستشفيات الحكومية، ومستشفيات الامومة والطفولة عند العثور عليهم، ثم يرسلون الى هذا المستشفى والمستشفى مؤجر لوزارة الصحة ببدل ايجار سنوي مقداره (1375) دينار يصرف في الغالب على توسيع بناية المستشفى وتحسينها من أجل تقديم خدمات افضل للمواطنين).
يعد الدكتور (عبد الله قصير) )الأب الروحي لجمعية حماية الاطفال والتي كان لها الدور الأساس في رعاية الطفل العراقي , وقد اسهم في رفع مستوى الطب والاطباء ورعاية الاطباء اثناء مدة عضويته في مجلس النواب , ونقابة الاطباء وقد نشر مقالات كثيرة واحاديث دورية في الاذاعة لتوعية الامهات في السبل الصحيحة للعناية بالأطفال.كما و تأسس الفرع النسوي لجمعية حماية الاطفال في بغداد في 12 اذار عام 1945، بهدف انشاء جيل صحيح التربية عن طريق العناية بالأطفال والحوامل ، وتألفت الهيئة الادارية للفرع النسوي من( الرئيسة اسيا توفيق وهبي، ونائبة الرئيسة عصمت بهاء السعيد والسكرتيرة صبيحة الشيخ داود والعضوات سرية الخوجة وشفيقة الباجة جي وسعاد العمري وممدوحة الفارس ، وناهدة الحيدري، ومائدة الحيدري ).
عن: رسالة (الجمعيات الاجتماعية والدينية والفنية واثرها الثقافي في بغداد)