بعد خمسة أشهر على الاحتجاجات.. ما أسباب البقاء والانسحاب؟

Sunday 8th of March 2020 07:31:22 PM ,

الحريات اولا ,

 رحمة حجة
في تغريدة لها قبل أيام، أشارت الناشطة العراقية في ساحة التحرير بان، إلى قلّة عدد المتظاهرين المتواجدين هناك، متسائلة عن السبب، هل هو "الملل"؟، وتأتيها إجابات متنوعة في التعليقات.

وكانت الإجابات بين التوكيد على "الملل" و"عودة الناس لأعمالهم" إذ لا يمكن التواجد بشكل مستمر وترك العمل فالجميع يحتاج إلى الحفاظ على الدخل المالي، وبين نفي هذا الشيء بدليل المظاهرات الحاشدة التي تخرج في بغداد والمدن الأخرى بمجرّد الدعوة لمليونية، وتطرقوا للجرحى والتهديدات ومحاولة تشويه التظاهرات من خلال أتباع التيار الصّدري، وغير ذلك.
اخذتلي صفنة بتحرير بعيد عن خلاني وعن اي هوسة بزاوية عل حافة عالية كدام المطعم و وراية النصب وطلعت صور بداية المظاهرات وقارنت ..!معقولة الناس ملت؟ معقولة بس احنة الي دنحاول نجي والي ديباتون بعدنة عدنة إصرار؟زين حيجي يوم وترجع الاعداد مثل قبل ومنبقى وحدنة ..هواي تأذي من تصفنلهة..
والحياة اليوم في محيط ساحة التحرير، لا تبدو تماماً قبل شهرين أو أربعة، حيث عادت حركة السير بفتح الجسور، ، وهو ما أصاب العديد من المتظاهرين بالإحباط، والخوف على الاحتجاجات من أن تخمد دون تحقيق شيء، كأنها لم تكن!
ومنذ أول تشرين الأول 2019، والحكومة العراقية عبر قواها النظامية ومن خلال غض النظر عن المليشيات المسلحة التابعة للأحزاب، خصوصاً الموالية لإيران، تواصل قمع التظاهرات، فقُتل أكثر من 600 شخص، وأصيب أكثر من 20 ألفاً، وتم اختطاف المئات، لا يزال عدد منهم مفقوداً.
يقول الشاب الناشط في تنظيم التبرعات العينية للمتظاهرين، معمّر الزاخولي، إنه يشارك منذ 25تشرين الأول ، وسيبقى حتى تحقيق المطالب، مضيفاً "العدد ليس مهماً، وأثبتت تجارب أمم أخرى أن شخصاً واحداً أحياناً يُحدث التغيير. يكفي تواجد عدد من المتظاهرين 100 أو 500 مثلاً، مؤمنون بالقضية وقادرون على الاستمرار".
ومن خلال التواصل مع عدد من المتظاهرين، بعضهم لم يتوقف عن التظاهر أو الذهاب لساحة التحرير منذ بداية التظاهرات، وآخر انسحب بإرادته أو مُجبراً، نتعرّف إلى الأسباب التي دفعتهم لذلك.

بان ليلى: لا خيار آخر
تقول بان ليلى (30 عاماً) لـ"الاحتجاج": "لا خيار آخر سوى الاستمرار، لقد جربنا الحكومات المتعاقبة منذ زوال النظام البعثي، لم يتغيّر عليها شيء، حفظنا أفعالها. وإن عدنا لبيوتنا فمصيرنا معروف، ستتم تصفيتنا".
وتؤكد "يجب أن نبقى حتى تحقيق المطالب وإحداث التغيير. والتغيير قد يعوّض الذين فقدوا أحبابهم نتيجة عمليات القمع المستمرة بحقنا".
وتتظاهر بان التي التي درست "علم إنسان" وتعمل باحثة اجتماعية في مجال الطفولة، منذ 27 تشرين الأول الماضي. تقول "تظاهرنا عام 2011 وقمعتنا حكومة نوري المالكي، ثم تظاهرنا في 2015، فخذلتنا قيادة التظاهرات آنذاك ودعمت مقتدى الصّدر الذي ركب الموجة في حينه، ولم يتحقق شيء. لكن هذه المرة مختلفة، لقد صمدنا".
"أحياناً أعتقد أن صبري نفد، ومؤخراً شعرت بحزن كبير وبكيت كثيراً على الشهيد مختار وهو أخ صديقتي... أتساءل لماذا يحدث كل ذلك؟! فأقول لنفسي: هذا هو التغيير وهذه الثورة، يمكن أن أصاب أنا أيضاً بمكروه أو غيري لاحقاً، لكن الثورة ستستمر".

ومثل غالبية المتظاهرين، تحلم بان بحياة كريمة وحرّة، تشعر فيها بالأمان حين تمشي في الشارع أو تعبّر عن رأيها، تقول "بلدنا ليس فقيراً، بل غنيّ بالموارد الطبيعية والكفاءات البشرية، لكن الفساد حرمنا من التمتع بخيراتها".
ما العراق الذي تحلمين به؟ تقول بان لـ"الأحتجاج": "يحترمني كامرأة ولا أعامَل فيه كمواطن درجة ثانية، ولا يمكن فيه لأحد أن يطعن بشرفي، ففي بلدي تخشى النساء نشر صورها بأريحية في مواقع التواصل، لأنها قد تُستغل للطعن والإساءة لها في صفحات الخصوم".
وتتابع القول "نريد تعليماً أفضل، ونظاماً أقل فساداً، نريد لزراعتنا واقتصادنا النهوض. بغداد كانت منارة نريدها أن تعود كذلك، كما لا نريد أن تتحكم في شؤون العراقيين وسياساتهم أي دولة".

مريم: ما أعوفها
في 27تشرين الاول 2019 أيضاً، انضمت مريم فاروق (21 عاماً) للتظاهرات، وهي طالبة تحليلات مرضية، بدأت المشاركة من الحرم الجامعي ثم انطلقت مع بقيّة الطلبة إلى ساحة التحرير، بعد أربعة أيام فقط، ولا تزال مشاركة لغاية اليوم.
وقررت مريم المشاركة رافضة ما يجري من قتل وقمع لباقي المتظاهرين، تقول لـ"الاحتجاج": "كنت أرى أبناء بلدي يُقتلون، منذ 1 تشرين الأول ثم يوم 25 ويوم 27 كان أول شهيد وهو صفاء السراي، بعدها ازداد القمع بأبشع أنواعه".
ولمست مطالب المتظاهرين وتضحياتهم جرحها بمقتل والدها، توضح مريم "استشهد والدي قبل 16 عاماً، ولغاية الآن لم تقم الحكومة بإيجاد القاتل ومحاسبته".
وحصلت على تدريب في الإسعافات الأولية كي تساعد المصابين، فأصبحت مسعفة، ومن خلال تواجدها في ساحة التحرير قامت بتوثيق مجريات الأحداث هناك، ويتابعها الآلاف في مواقع التواصل.
وما زالت مريم مستمرة في التظاهر، تقول "شهدت مقتل الشباب والأطفال في ساحة التحرير، ليس من المعقول بعد كل ما جرى أن أتراجع. لن نتركهم" مضيفة "بعد هذه الفواجع ما اقدر أعوف التحرير أو أعوف ساحة التظاهر، ما نقبل يروح دمهم هدر".

صلاح لم ينسحب، ولكن...
يشارك صلاح في التظاهرات منذ 1 الاحتجاج، وهو مستمر لغاية اليوم، لكن لديه ملاحظات على الوضع القائم في ساحة التحرير.
يقول صلاح (32 عاماً) "كان لدي مطالب عديدة بصورة عامّة يتفق عليها جميع المتظاهرين مثل إزالة الأحزاب التي تحكم البلاد عن طريق إزالة حكومة عادل عبد المهدي فهي حكومة فاسدة، وأردنا إلغاء المحاصصة الطائفية وتغيير قانون الانتخابات وتغيير المفوضية العليا للانتخابات وتحديد موعد انتخابات مبكرة بإشراف لجنة أممية ومحاسبة القتلة".
من خلال تواجده في ساحات التظاهر، كان صلاح ينقل المستجدات لمحطات تلفزة عراقية، وعبر مواقع التواصل يحاول إيصال صوت العراقيين للدول العربية والغربية.
"لكن مطالب وتوجهّات متظاهري التحرير، تغيّرت" يقول صلاح. ويوضح: "بدأت الأحزاب الفاسدة تتدخل في الساحة ويوجد أشخاص يساومون الحكومة. مثلاً في النجف، يوجد نائب ثري جداً وزع ملايين الدولارات على المتظاهرين الذين قاموا بقطع الطرق وحرق المقرات وحرق إطارات جديدة، الإطار الواحد ثمنه نصف مليون دينار عراقي (420$"."
وتتراوح أسعار الإطارات في العراق بين 16 دولاراً و700 دولار، ويعتمد هذا التفاوت في الأسعار على تاريخ الصّنع والبلد المصدر والشركة المصنّعة، حسب نشطاء عراقيين في تويتر.
ويرفض صلاح بعض أشكال التظاهر، مثل "قطع الطرق وحرق الإطارات وحرق المقرات الحزبية وتدمير ممتلكات عامة وتعطيل المدارس عن الدوام"، يقول "أرفض قطع الطرق فلا يتأذى منه سوى المواطن البسيط بينما السياسيون والأثرياء لا يتأذّون".
وهو المتظاهر في ساحة التحرير، يصفها بالقول "توجد أحزاب قريبة من المتظاهرين مثل التيار الصدري، وأخرى تعمل على تشويه صورتهم وهي أحزاب كردية وسنية وشيعية (مثل: تحالف القوى في المناطق السنيّة، وعائلة الكربولي والبزاز والبرزاني) وأخرى تحاول ركوب الموجة مثل حزب الدعوة بزعامة حيدر العبادي".
لكن الكثير من المتظاهرين يرفضون تدخلات التيار الصدري ويعتبرونه متورطاً في قتل المتظاهرين في ساحة التحرير والنجف، فلماذا تراه نصيراً لهم؟ يقول صلاح: "بعد التقصّي وسؤال أكثر من شخص من خارج المتظاهرين وأصحاب القبعات الزرق عرفت أنه ليس المسؤول عن عمليات القتل. لا يمكن أن يكون الصّدر. 40% من المتظاهرين من الصدريين".
ويعتقد صلاح أن "بعض المندسين أِعلوا الشجار بين المتظاهرين والصدريين في التحرير".
أما عن سبب استمراره في التظاهر، يقول صلاح "وفاءً لدماء الشهداء التي نزفت في ساحة التحرير، وحتى تحقيق المطالب التي لم تتحقق حتى الآن" مضيفاً "سنستمر حتى آخر نفس ونرفض زج بعض الخيم التي لا تمت للإصلاح أو التغيير بصلة".

محمد: الوثبة السبب
يقول محمد السّراي (31 عاماً): "أنا وأصدقائي كنّا من أوائل المشاركين في التظاهرات، وخرجنا رفضاً لفساد الطبقة السياسية الحاكمة وثرائها على حساب المال العام وانحسار فرصة تحسن الأوضاع وبلوغ مرحلة انعدام الثقة بين السلطة والشعب، وارتفاع معدلات البطالة وتراجع الأمن والخدمات وانخفاض مستوى التعليم وتدخل دول الجوار بالشأن الداخلي، وغيرها من الأمور".
"صحيح أننا توقفنا عن التظاهر، إلا أننا ما زلنا ندعم المتظاهرين السلميين" يقول محمد، موضحاً "توقفنا عن الخروج معهم من تاريخ حادثة الوثبة بعد تعليق جثة لمقتول في وسطها وانتشار ثقافة العنف و الرد بالمثل ودعوات للتصيعد وقطع الطرق وحرق الإطارات والاعتداء على الأجهزة الأمنية والمرور وإجبار الجامعات والمدارس على التعطيل الإجباري وحرق المقرات والاعتداء على منازل المسؤولين وحرق الدور وكثير من الأمور التي حالت بيننا وبين التظاهر".
يضيف محمد "ومن أبرز الأسباب تحكّم بعض الفضائيات التابعة لجهات سياسية فاسدة بسير التظاهرات واستغلال المتظاهرين من أجل التسقيط السياسي وكذلك تسلل بعض الشواذ (المثليين) إلى الساحات".

ما الذي جرى في ساحة الوثبة؟
سراج الشمري (30 عاماً)، وهو موظف حكومي، خرج من ساحات التظاهر بعد حادثة الوثبة أيضاً.
يقول "علّقوا فتى مراهقاً بعد قتله أمام أنظار المحتجين، لكنهم لم يحرّكوا ساكناً".
إلا أنه عاد بعد فترة "آملاً أن تتحسن أحوال التظاهرات"، مؤكداً "الثورة الآن ليست مثل بدايتها، تغيّر الكثير، واستغلت أحياناً لصالح أميركا، وتم تخريب ممتلكات عامة وخاصة، كما دخل العديد من المندسين على الخط".
ويؤكد سراج "مقتل متظاهر في ساحة التحرير بسبب شجار نشب بين عدد من المتظاهرين استخدموا السكاكين والقامات (سيوف)" ووصفههم بـ"المخربين والعصابات".
ويقول ": "السلميّون أصبحوا قلّة قي ساحة التحرير، وصار أي منّا يخاف النوم وحده ليلاً، لذا نحاول البقاء في مجموعات".

مارشال: تركتها مُجبراً
شهد محمد مؤيد الملقب بـ"مارشال" الأيام الصعبة الأولى من التظاهرات العراقية، حين تعرض المتظاهرون للقتل واستخدام القوة المفرطة من قبل قوات حكومية، وعاش أصعب لحظاته.
يقول مارشال (23 سنة) وهو طالب تحليلات مرضية: "كنتُ مسعفاً، أذهب لساحة التحرير ومحيطها، وأرى الناس تهتف (بالروح بالدم نفديك يا عراق) و(سلمية)، وكانوا يموتون في الشارع، وتزامن ذلك مع قطع الإنترنت والتعتيم الإعلامي".
يتابع: "اليوم الذي غيّر حياتي، كان 4 أكتوبر، كان قطع الطرق في مكان، واحد فقط مفتوح لساحة التحرير وهو شارع مول النخيل، وهذا اليوم أسمينها (يوم القنّاص)، كان الشارع خالياً، سوى من المتظاهرين المختبئين خلف الجدران، اختبأت أيضاً خلف حاجز كونكريتي، فمن يرفع رأسه يُقتل".
"سألت الشباب حولي ماذا يعملون فكان معظمهم عمّالة في الأشغال الشاقة (يضطرون لها بسبب الفقر والعوز)، أعمارهم بين 15 و25 عاماً، أي أنهم لم يروا شيئاً من حياتهم بعد" يقول مارشال، متابعاً "وعلى بعد 10 أمتار سقط متظاهر أمامنا، فطلبت من الناس إحضاره لي كي أسعفه، لكنهم قُتلوا قبل الوصول إليه، حينها قفلت على القضية".
انتهت الموجة الأولى من التظاهرات في 7 أكتوبر، وفي 25 من الشهر ذاته عادت للتجدد، حينها شارك مارشال مرة أخرى.
وطيلة مدة مشاركته في ساحة التحرير، كان المسؤول عن الدعم المالي والإعلامي في اتحاد طلبة بغداد، وأعضاء الاتحاد هم ممثلو الطلبة من جميع الكليات والجامعات لتنظيم الحراك الطلابي الداعم للثورة.
وبسبب نشاطه المتواصل في جمع التبرعات المالية من خلال طلبة الجامعات في بغداد والداعمين للتظاهرات من العراقيين، أصبح مارشال وجهاً معروفاً في الساحة وفي وسائل الإعلام أيضاً، إلا أن هذا عرّضه للتهديدات بالاعتقال والقتل.
يقول مارشال "وصلني تهديد قوي عبر مكالمة هاتفية، اتهمني بتمويل الإرهاب، خفت كثيراً، فقمت بتحويل لتبرعات إلى أشخاص آخرين في الساحة كي أبعد العيون عنّي".
واستمر الدعم حتى دخول مليشيات سرايا السلام، التابعة للتيار الصّدري، الذين احتلوا مكاناً في ساحة التحرير، وسيطروا على مبنى المطعم التركي وقاموا بتهديد العديد من الشبان المتظاهرين، وفق ما يقول مارشال.
ويوضح: "في يوم ترشيح محمد توفيق علاوي من قبل السرايا، كنت أصمم 40 لافتة لاتحاد الطلبة بعنوان (محمد توفيق علاوي مرفوض من قبل الشعب)، وفي هذا الوقت كانت السرايا تهدد وتضرب وتختطف أي شخص يرفض مرشحها، ثم وصلوا إلي".
أما الحدث الفاصل، الذي دفع مارشال لمغادرة ساحة التحرير ثم السفر خارج العراق، هو وصول جماعة تبحث عنه بالاسم لخيمته تتقصد إيذاءه، لكن علمه المسبق بذلك أنجاه منها.
يقول مارشال "أريد العودة، لكن في ذلك مخاطرة كبيرة، لذلك ما زلت أمارس نفس العمل، وهو جمع التبرعات وأقوم بإيصالها للمتظاهرين".
وبسبب اضطراره للسفر، خسر مارشال سنة جامعية، ولا يعرف إلى متى يبقى خارج العراق ومتى يعود لاستكمال دراسته.