جيل يتحدى القمع والموت.. قصص مثيرة من احتجاجات تشرين

Monday 17th of February 2020 08:31:50 PM ,

الحريات اولا ,

 متابعة الاحتجاج
كثيرة هي القصص المثيرة التي كشفت عنها الاحتجاجات المستمرة منذ أشهر في البلاد، بعضها انتهت بشكل مأساوي وأخرى نجا أبطالها بأعجوبة، فيما كسرت بعضها قيوداً مجتمعية فرضت منذ عقود.

ففي السادس من كانون الأول الماضي، وتحديداً عند جسر السنك وساحة الخلاني قرب ساحة التحرير وسط بغداد، كان حسن يهرول برفقة أصدقائه “الغرباء” من شارع لشارع ومن حي لحي. ولم يكن قادراً على التنقل بمفرده كونه كان ضيفاً على المظاهرات، فهو قادم من البصرة لأجل المشاركة فيها بعدما أخبر ذويه أنه مسافر برفقة أصدقائه في رحلة سياحية إلى شمالي العراق.
أثناء رحلة الهرب من نيران المسلحين المجهولين في الساحة، لم يكن “حسن” يعلم أن هذا اليوم سيخلد بوصفه يوم “مجزرة السنك” الذي انقض فيه مسلحون “مجهولون” على المتظاهرين مطلقين الرصاص الحي باتجاههم لساعات دون توقف، وكانت محصلة ذلك اليوم سقوط 24 قتيلاً وعشرات الجرحى.
“كانت عبارة انتبه لنفسك من أكثر العبارات التي ستتناهى لمسامعك في الساحة لحظة الاشتباك مع القوات الأمنية” بحسب حسن، مضيفاً أن أغلب الموجودين في الساحات كانوا متآلفين مع بعضهم رغم أنهم غرباء عن بعضهم”.
يصف حسن -الطالب في جامعة البصرة- خيمته التي اعتصم فيها مع زملائه لأيام قبل عودته إلى مدينته “كانت مجهزة بأغطية متواضعة ومدفأة مع مستلزمات للطوارئ كعلب المشروبات الغازية (بيبسي) التي صارت رفيقنا الوفي لفوائدها في إزالة تأثير قنابل الغاز المسيل للدموع بمجرد غسل الوجوه بها”.
ويرى حسن -الذي فضّل الكشف عن اسمه الأول فقط- أنه أصبح يرى الأمور بصورة مغايرة بعد احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول، وأن حلمه السابق في مغادرة العراق واللجوء لخيار الهجرة قد تغير، وبات يفكر جدياً في تأسيس حياته في بلده، بعد أن رأى أن هنالك بصيص أمل، فـ”الثورة مستمرة لم تنته بعد” حسب قوله.
وشهدت بغداد ومدن الجنوب مظاهرات نسوية حاشدة يوم 13 فبراير/شباط للتنديد بدعوات عدم الاختلاط في الاحتجاجات التي أعلنها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر فيما يعرف بميثاق الإصلاح، وتأكيد دورهن ومشاركتهن الفاعلة فيها.
وكانت المسعفة فرح القيسي ضمن المشاركين في مظاهرات العاصمة بغداد، وتقول “لم أكن أعرف ما الواجب عليّ فعله، فقد بدأت أخبار القناصين تنتشر وصار الضحايا في ازدياد، كنت أجد في نفسي القدرة على المساعدة بحكم مهنتي لكن خوف الأهل على سلامتي كان يمنعني من المشاركة في البداية”.
ولم يكن الأمر سهلاً على فرح ورفيقاتها، فهي المرة الأولى التي يبدو أن للشابات العراقيات والنساء دوراً مؤثراً في الميدان، وكانت المسعفات رأس السهم الذي كسر حاجز الخوف لدى المتظاهرات، وأزال عن الطريق سنوات طويلة من الانغلاق والتحفظ لدوافع أمنية واجتماعية.
“المرة الأولى التي استنشقت فيها الغاز المسيل للدموع كانت نهار 29 أكتوبر/تشرين الأول، عندما وصل بلاغ بوجود مصابين على جسر السنك” تقول فرح، وتضيف “كنا نهرع نحو المصابين أينما كانوا فور سماعنا صوت القنابل الدخانية التي بات صوتها بالنسبة إلينا مميزاً، رغم الخطورة طبعاً، ومعنا عُدة لعلاج الإصابات السطحية والاختناق كالنورمال سلاين والباندج والكمامات”.
وتواصل “ما زلت أتذكر وجه ذلك المتظاهر الذي لم يتجاوز 14 عاماً من عمره، وكان مصاباً بحالة اختناق شديدة، كان خائفاً مرتبكاً لأنه كان موجوداً في المظاهرة دون علم أهله”.
عدد كبير من الطلبة المتظاهرين كانوا مشاركين فاعلين في الحركة الاحتجاجية دون علم عوائلهم بسبب خطورة الوضع في ساحات الاحتجاج، مما دفع الأهالي لمنع أولادهم من المشاركة فيها، رغم أن المانع أحياناً يعود إلى تباين الرؤى بين الجيلين الجديد والأكبر سناً، وزاوية نظر كل منهما للاحتجاجات وجدواها.
مدينة الناصرية كانت من أكثر المدن بعد العاصمة بغداد التي شهدت أياماً دموية، استخدمت فيها القوات الأمنية الرصاص الحي ضد المتظاهرين لتفريقهم من الشوارع المحيطة بساحة الحبوبي المركزية في المدينة. حيث شهدت مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي أحداثاً دامية سقط فيها أكثر من 25 قتيلاً وأصيب أربعمئة آخرون حسب المصادر الحكومية.
المدون حسين الغرابي شاب من الناصرية، متزوج ويعمل محامياً، ظل موجوداً داخل خيم الاعتصام في ساحة الحبوبي وشارك في الحركة الاحتجاجية منذ بدء انطلاقها في المدينة.
حسين واحد من مئات الشباب الذين لعبوا دوراً هاماً في نقل الصورة وتداول المعلومة من فيديوهات وصور وأخبار على منصات التواصل الاجتماعي، وساهموا أيضاً في حث الناس على الخروج إلى ساحات التظاهر.
يقول حسين “فوجئت بقصص الإيثار وكم الوعي الذي لمسته لدى غالبية المتظاهرين والمعتصمين نساء ورجالاً، وكنت قد وثّقت معظمها بصور وفيديوهات نشرتها على صفحتي الشخصية على موقع فيسبوك، منها قصة السيدة التي استمرت بإعداد الطعام والخبز للمتظاهرين في الساحة لثلاثة أشهر متواصلة دون كلل في واحدة من أروع قصص التضحية”.
ويرى حسين أن أهم ميزة للاحتجاجات العراقية كان “تغلّب الروح الوطنية على مسألة العقائد لدى جمهور واسع”، ودليله على ذلك “تغطية كافة تكاليف خيم الاعتصام واحتياجات المتظاهرين من الطعام ومستلزمات المبيت من قبل العوائل أو متبرعين ينتمون لتيارات دينية معينة، في ظاهرة مشابهة لما يحدث خلال مراسيم زيارة أربعينية الإمام الحسين بن علي وما يصاحبها من سخاء في العطاء”.
ورغم أن الحركة الاحتجاجية في عموم محافظات الوسط والجنوب لم تنته بعد، ورغم عدم وجود قيادة موحدة تجمع الحراك الشعبي تحت لوائها حتى اليوم، فإن معظم المراقبين يتفقون على أن الاحتجاجات الحالية حركة شعبية لن يعود فيها العراق إلى ما كان عليه قبل انطلاقها.