هديب الحاج حمود.. النشأة والمؤثرات

Wednesday 12th of February 2020 07:18:08 PM ,

عراقيون ,

توفيق التميمي
هديب الحاج حمود ... المولود بين عروش العنبر في الشامية مسقط راسه وفي قرية ايشان التي حملت اسمه لاحقا في 7 اب 1919 ، والتابعة لقضاء الشامية التابع لمتصرفية لواء الديوانية ، وسط هذه المملكة تلقن هديب دروسه في نصرة الفلاحين الذين شاطروه مرابع الطفولة ضد ملاكي الارض الذين كان واحدا منهم ،وهناك لهج بحب هذه الارض التي تناغمت مع سواعد هؤلاء الفلاحين فعزفت الحان العنبر وحكايات بطولة لاتنسى .

هناك ولد هديب ...وهناك كانت مدرسته الابتدائية ...وهناك كانت مؤثراته الاولى التي صقلت شخصية اليساري المتعاطف مع قضايا الفلاحين والمحامي الذي انصف المظلومين والوزير الذي ارتبط اسمه باول قانون للاصلاح الزراعي في العراق لاحقا ، والديمقراطي الذي لن يتخلى عن حلمه الديمقراطي حتى وهو في خريف عمره.

الحاج حمود قدوته
غير شامية العنبر وعطر مضايفها و قصص بطولات فلاحيها المنسيين ، كان هناك الامام هديب الابن البكر للحاج حمود البدن شيخ عشيرة الحميدات سيرة اب تتوهج في روح الفتى وهو يطول قامة ويزداد وعيا، سيرة اب علمته ان الفلاح انسان مثله له كرامة لاتحتمل اهانات السوط ولايجرح كبرياءها فضاضة المالك بالوراثة والنصيب ،من حنو الاب الملاك وعطفه على فلاحيه اهتدى هديب لنصرة هؤلاء الفلاحين ،وتعلم ان الفلاح اخوه بالانسانية والقدر فنذر رسالته الحياتية لتحسين احوالهم وتحقيق احلامهم البسيطة والمشروعة. والده حمود البدن كان اميا لايعرف القراءة والكتابة الا انه كان يتصف بالحنكة والاقدام التي وعى هديب دروسها جيدا والاهم من ذلك كان لايتورع ان يقود عشيرته الحميدات منذ حركات الجهاد ضد البريطانيين عام 1915حتى احداث ثورة العشرين والتي كانت الشامية واحدة من مسارحها البطولية ... وكان الحاج حمود والد هديب احد ابرز الشيوخ الذين حاول الملك فيصل الاول استمالته في صراعه مع خصومه لولادة المملكة العراقية المستقلة (عندما كنت صغيرا صحبت والدي مرتين لاستقبال فيصل الاول في منطقة الفلوجة بمناسبة عودته من السفر خارج العراق وكان حشد المستقبلين يضم المئات من رؤساء العشائر وقد اعتاد الملك على استقبالهم في البلاط الملكي في اليوم الثاني ويقيم لهم وليمة كبيرة لشكرهم على حفاوة الاستقبال ) .

تعليم الفلاح
بين حقول الرز الشاسعة ومضافة ابيه الحاج حمود كان هديب يقضي مرابع طفولته الاولى ويرسم احلامه الصغيرة ، ولان الاب الحكيم كان يدرك مواهب ابنه في عشق القراءة والشغف بالتعليم ، ولان ملاكي الارض كانوا يتباهون بتعليم ابنائهم في خيرة المدارس وافضلها ،فارسل الحاج حمود ولده لاول مدرسة ابتدائية عرفتها الشامية بين اعوام 1926و 927وهناك في صفوفها سيلتقي التلميذ النابه بمعلم قادم من بغداد اسمه عبدالكريم قاسم سيعلمه في درس اللغة الانكليزية ولكن لم يخطر ببال التلميذ ان معلمه هذا سيكون اول زعيم عراقي يحكم البلاد وان تلميذه هديب سيكون وزيرا للزراعة في حكومته الاولى .

زعامة العشيرة والارض
عندما اغمض الحاج حمود عينيه في صيف عام 1936 كان على هديب ابنه البكر ان يرث الزعامة العشائرية ويتقمص دورها ويكتسي ملامحها القاسية ويخلع ملابس الافندية ويرتدي العقال والكوفية بالطريقة الفراتية وهو يشغل مكان ابيه في مضافته الواسعة ، كان عليه ان يترك صفوف المدرسة التي كان ينتقل بينها من تفوق لاخر ، وتوديع ايام المدرسة الى المهمات الجديدة التي خلفها رحيل الاب ،ولكن اصر هديب ان يجمع المقودين العشيرة والارض من جهة ودراسته من الجهة الاخرى، فاكمل امتحاناته الثانوية خارجيا بتفوق حتى كان تسلسله الثاني على مدارس العراق .

محنة هديب
بدأت محنة هديب الحاج حمود في حيرته بين ترجمة افكاره للاشتراكية التي قرأها في كتب مترجمة كانت تصل لقريته سرا و بين ان يمارس دوره كزعيم قبلي وملاك لارض شاسعة ومن عليها من خيرات و فلاحين يعملون لاصلاحها وزراعتها . يسأل مؤرخو سيرته من اين اتته هذه القوة ليمسح عن وجهه ملامح الشيخ القاسية ويرسم بدلا عنها ابتسامات الرحمة وكلمات العطف والمؤازرة لفلاحي ارضه ، وكيف تجرأ هذا الملاك الجديد على خرق نواميس مشايخ منطقته وملاكيها ، ويغير من قوانين توارثوها اباً عن جد وعززتها سياسات استعمارية ومصالحها، حقا انها محنة ما بعدها محنة ولكن كانت قوة الافكار الاشتراكية التي تلقاها واعجب بها ووهجها في عقله وقلبه كافية ليواجه كل العقبات والصعاب فيترجمها واحدة بعد الاخرى ليكون بطلا تولستوويا عراقيا وسط الفرات الاوسط وحقول عنبره (كان على هديب الحاج حمود بعد وفاة والده عام 1936 ان يتعامل مع هذا الواقع بوصفه ملاكا للاراضي وشيخا من شيوخ عشيرته غير ان اراء هديب الاصلاحية ودراسته للقانون ومطالعته للفكر اللبرالي وافكار الاهالي والشعبية ثم انتماءه للحزب الوطني الديمقراطي منذ تاسيسه نيسان 1946 جعله يظهر بمظهر اخر مختلف عن اقرانه رؤساء الحميدات فكان من مزاياه ارتداء الملابس البسيطة ومساعدة الفلاحين في حراثة الارض وزراعتها واكل طعامهم مخالفا بذلك الانظمة العشائرية واثار بهذا السلوك حفيظة شيوخ المنطقة واعمامه بالذات) من كتاب هديب الحاج حمود ودوره السياسي 1946-1963 من تاليف د زينة شاكر سلمان الميالي (اطروحة دكتوراه من جامعة بغداد) وكان لتصاعد حركات التحرر الوطني بعد الحرب العالمية الثانية تاثيرها العميق في بلورة المطالب السياسية والدعوة للاصلاح السياسي بين النخبة المثقفة التي كان هديب وزملاؤه في المقدمة منها . وكان بين رموز هذه الحركات غاندي وسوكارنو وتيتو تلك التي ادت دورا في مقارعة الاستقلال وتعلمت منها دروسا في الوطنية والشجاعة والثبات على المبادئ ،حاول هديب من خلال متابعته لحركة التحرر العالمية وابطالها ورموزها من مقاربة سيرتهم الثورية واخلاقياتهم مع نفسه حينما وضعها في اختبار بين الانحياز للفلاحين وحقوقهم واعانتهم ماليا وانسانيا وبين اقتفاء اثر ملاكي الارض والاقطاعيين الذين ينتسب اليهم هديب بالوراثة والقدر ،فاستلهم من هؤلاء دروس الايثار والتضحية في قصة كفاحه من اجل تحرير الفلاحين وانصافهم وكذلك في قصة النضال الوطني من اجل الاستقلال والسيادة .

اصلاح زراعي مبكر
يقول حنا بطاطو :
((اما وزير الزراعة هديب الحاج حمود فكان يملك حوالي عشرة الاف دونم من اراضي زراعة الرز الخصبة في محافظة الديوانية ،وكان معجبا بليو تولستوي ويعامل فلاحيه منذ ما قبل الثورة بطريقة مثالية ويعطيهم كمكافأة 60% من انتاج الارض مسببا بذلك توترا كبيرا في العلاقات الزراعية المحلية )).