من تاريخ الموصل الحديث..شخصية موصلية رئيسا لبلديتها في الثلاثينيات

Sunday 2nd of February 2020 07:10:52 PM ,

ذاكرة عراقية ,

محمد صالح البدراني
يعد خير الدين حسن محمود العمري (1308-1371هـ/1890-1951م) من شخصيات الأسرة العمرية التي كان لها دور سياسي واضح . ولد خير الدين العمري في الموصل سنة (1308هـ/1890م) وفيها اكمل تعليمه الابتدائي والاعدادي سنة (1325هـ-1907) ، مال خير الدين العمري منذ شبابه إلى العمل في حقل السياسة ،

وكان موجودا في استانبول حينما قام الانقلاب الدستوري العثماني سنة (1326هـ/1908م) ، ولكنه لم يمكث هناك طويلا فعاد إلى الموصل في السنة ذاتها .
وبدأ يراقب اعمال الاتحاديين وسياساتهم ولم يتأثر بطروحاتهم وبدأ يجهر بالوقوف ضد سياستهم المعادية للعروبة، لا سيما بعد ان ترأس ادارة جريدة النجاح الموصلية لتكون المنبر الذي يطرح من خلال كتابته فيها افكاره واراءهُ المعادية لسياسة الاتحاديين. انضم العمري إلى حزب الحرية والائتلاف فرع الموصل ، نشر في جريدة النجاح العديد من المقالات المؤيدة لسياسة الحزب ، وبذلك اصبحت النجاح تنطق باسم حزب الحرية والائتلاف المعارض لسياسة الاتحاديين.
لقد تعرض خير الدين العمري إلى الاعتقال جراء موقفه المعارض ، بتهمة باطلة فاودع السجن ، والجدير بالذكر ، ان خير الدين العمري لم يكن معارضا للدولة العثمانية والسلطان بل كان معارضا لسياسة الاتحاديين ، وكان يدعو في طروحاته السياسية إلى الرابطة العثمانية .
عندما احتلت الموصل بيد قوات الاحتلال البريطاني (1337هـ/1918م) ، فصل خيرالدين من وظيفته في جريدة الموصل ومطبعة الولاية انذاك ، وانضم في تلك الفترة سنة (1339هـ/1919م) إلى النادي العلمي الذي كان واجهة للعمل القومي ولكنه اغلق من لدن القوات المحتلة . وحينما اراد المحتل ان يكسب شرعيته عمل على اجبار الناس على كتابة بعض المضابط التي تؤيد سياسته ، ولكن خير الدين العمري ، وبما يمتلكه من روح وطنية ، عمل بالضد من ذلك واقدم على جمع مضابط ترفض الاحتلال وحملها إلى سوريا من اجل توضيح حقيقة الامر لاعضاء جمعية العهد في بلاد الشام . ولكن السلطات المحتلة واعوانها علمت بامر هذه المضابط ، وبفضل ذكاء خير الدين العمري ، استطاع ان يتجاوز المفرزة التي تبعته واعترضت طريقه عند مدينة تلعفر وأوصل المضابط الى بلاد الشام .
ولما اعتلى الامير فيصل الاول عرش العراق (1340-1352هـ/1921-1933م)، اصبح خير الدين العمري من امناء الملك ، وذلك لان الملك فيصل كان يتوسم الخير فيه ، وفي مكوثه في بغداد تعرف خير الدين العمري على شخصيات سياسية معروفة آنذاك منهم عبد المحسن السعدون وغيره ، وقد ربطته بالسعدون علاقة صداقة متينة كانت وراء انضمامه إلى حزب التقدم الذي تأسس في بغداد في سنة (1343هـ/17 اذار1924م) ، وكان اغلب اعضائه من (نواب البرلمان العراقي) الذي بدأ اعماله في (1344هـ/16 تموز 1925م) كأول برلمان عراقي ، وكان السعدون رئيس للحكومة في وزارته الثانية ، وشغل خير الدين العمري النيابة في البرلمان عن الموصل لدورتين .
كان لخير الدين العمري موقف واضح من مشكلة الموصل ، وعلى الرغم من الموانع التي كانت تحول دون الظهور بشكل علني عندما قدمت لجنة الاستفتاء في (1344هـ/ايلول 1925م) إلى الموصل من اجل دراسة المشكلة ورفع تقرير إلى عصبة الامم ، لانه ، وكما اسلفنا ، كان من امناء الملك فيصل الاول ، على الرغم من ذلك استطاع السفر نحو الموصل بطلبه اجازة مرضية ، وانضم على الفور إلى جمعية الدفاع الوطني التي تشكلت في سنة (1344هـ/1925م) للدفاع عن عروبة وعراقية مدينة الموصل . وكذلك كان متابعا للمشكلة بشكل مباشر وهو في بغداد ويظهر ذلك من الرسائل التي كان يبعث بها إلى ابن خاله سالم نامق اغا السعرتي في الموصل موضحا ومتابعا للمشكلة اولا باول إلى ان انتهت المشكلة في (1345هـ/حزيران 1926م) بابقاء الموصل ضمن وطنها الحبيب العراق . كان خير الدين العمري وطيلة فترة مكوثه في بغداد يراسل ابن خاله سالم نامق السعرتي ، وفيما يتعلق بمشكلة الموصل ، هناك رسائل لخير الدين العمري يتناول فيها مشكلة الموصل منها ، رسالة مؤرخة في 16 ايلول 1925 ، واخرى بتاريخ 11 آب 1925 ، واخرى بتاريخ 17 آب 1925 ، ضمن مجموعة رسائل بحوزة خير الدين حسن خير الدين العمري.
عين خير الدين العمري في (1351هـ/تشرين الثاني1932م) رئيسا لبلدية الموصل ، وفي هذا المنصب ظهرت مقدرة وكفاءة العمري الادارية ، اذ تعد فترة بقائه في رئاسة بلدية الموصل من اهم الدورات الرئاسية التي جاءت إلى بلدية الموصل في تاريخ العراق المعاصر والموصل انذاك ، فقد نهض خير الدين العمري بكافة مرافق واقسام البلدية وبعث فيها الروح والحياة بعد ان دب الخمول والكسل اوصالها وجهازها الاداري .
وانجز خير الدين العمري خلال فترة رئاسته لبلدية الموصل العديد من المشاريع الخدمية والتي استحق ان يكافأ عليها باقامة نصب تذكاري له في حديقة الشهداء في الموصل لما قام به من انجازات خدم بها مدينة الموصل ، كما سمي احد شوارع الجانب الايسر من الموصل باسمه .
واهم المشاريع التي قام بها : فتح وتبليط الطرق الجديدة وتبليط الازقة داخل المدينة القديمة بالقير بدل القالديرم وتحسين وتوسيع الطرق القائمة كافة ، وفتح الشوارع الجديدة وتخطيط القسم الجديد من المدينة وهو القسم المبتدئ من شارع حلب الحالي وإلى المطار وما يسمى الآن الدواسة والمنطرد وغيرها ، وكذلك انشاء الاقسام البلدية في بنايات حديثة موزعة على المدينة ، وردم الخنادق من باب الجديد فباب البيض والى تل كناس والمشفى الجديد ، وفتح الشوارع الحالية من باب الجديد إلى المستشفى (شارع ابن الاثير) ، هدم انقاض باب الجديد وفتح شارع الفاروق وفتح شارع الصديق في الموصل إلى المحطة ، وانشاء ابنية املاك للبلدية كالاقسام البلدية وبناية البنك الشرقي القديم في باب الطوب وبناية سينما غازي القديمة والمحلات التجارية فيها ودار ضيافة ، وبهو البلدية والمتحف الحالي والحدائق المحاطة به وغيرها من الابنية ، وانشاء حديقة الشهداء ، وتنظيم حديقة الشعب في الساحل الايسر من مدينة الموصل وتنظيم حدائق وسطية في الشوارع وتشجير الشوارع سنويا ، وتوسيع مشروع الماء وتعميمه على الدور ، وجعل دائرة طبيب البلدية خاضعة لمراقبة الادارة من حيث التطبيقات واعطاء تقارير عنها الى البلدية ، وقامت البلدية بدور (مديرية الاعاشة) اثناء الحرب العالمية الثانية (1358-1365هـ/1939-1945م) إذ قامت بانشاء الافران وتوزيع الخبز والصمون على الاهالي باسعار مناسبة وقامت بتوزيع السكر بالبطاقات على الاهالي لمعاونة دائرة التموين انذاك ، وانشاء اول مشروع للكهرباء عائد لبلدية الموصل بعد ان كان الكهرباء اهليا ففي (1352هـ/5 تموز 1933م) انجز المشروع واصبحت مدينة الموصل مضاءة ليلا بشكل جيد بعد ان كانت حالة الكهرباء يرثى لها .
عن: رسالة (الاسرة العمرية في الموصل دراسة في دورها السياسي والثقافي)