التصعيد يعود للواجهة.. ساحات الاحتجاج تنتظر نهاية مهلة الناصرية

Thursday 16th of January 2020 08:22:16 PM ,

الحريات اولا ,

 متابعة: الاحتجاج
وسط تصاعد الغضب الشعبي، واستمرار عمليات اغتيال واختطاف النشطاء في ساحات التظاهر، بدأ العد التنازلي لانتهاء المهلة التي حددها المحتجون في 13 كانون الثاني بعنوان "مهلة الناصرية"، للحكومة من أجل الاستجابة لمطالبهم. يقترب من الانتهاء، دون أن تلتفت أو تتخذ حكومة رئيس مجلس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي أي إجراء لاحتواء موجة التصعيد التي وعد بها المحتجون.

التحق المحتجون في ساحات التظاهر بمحافظات واسط، وكربلاء، والديوانية، والبصرة، وبغداد بمحافظة ذي قار التي تعد أولى المحافظات التي أمهلت القوى السياسية أسبوعًا واحدًا لاختيار رئيس للحكومة المؤقتة، قبل انتهاء المهلة في 19 كانون الثاني من الشهر الجاري.
وتتمثل الخطوات التصعيدية التي عد لها المحتجون في حال لم تستجب الحكومة لمطالبهم، بقطع الطرق الرئيسة الرابطة بين محافظات الوسط والجنوب لعرقلة نقل المنتجات النفطية ووصول البضائع من ميناء البصرة إلى وسط وشمال البلاد، فضلًا عن إعادة غلق الدوائر الحكومية التي أعلن عن إعادة افتتاحها، وتنظيم وقفات احتجاجية أمام منازل أعضاء مجالس النواب، بحسب الناشط في تظاهرات ذي قار، حسين الغرابي.
يقول إن "المهلة التي حددتها الناصرية، أصبحت ملزمة لجميع المحافظات الأخرى التي نسقنا معها من أجل اتّباع نفس الخطوات التصعيدية التي سنتبعها في حال لم تستجب الحكومة لمطالبنا"، مبينًا أن "المهلة تنتهي الأحد المقبل 19 كانون الثاني، والتصعيد سيبدأ في اليوم التالي المصادف 20 كانون الثاني".
أشار إلى أن "الخطط التصعيدية كثيرة، واحدة منها قطع الطريق الدولي الرابط بين الناصرية والمثنى والديوانية وبابل وبغداد، الذي تبناه الدكتور الناشط علاء الركابي ومجموعة من الشباب"، موضحًا "نحن أيضًا أعددنا لخطوات تصعيدية لا نستطيع الإعلان عنها في الوقت الحالي"، مستدركًا "لكن نؤكد للسياسيين بأنها ستكون كبيرة ومفاجئة لهم في حال لم يستجيبوا لمطالب المتظاهرين".
الغرابي كشف عن "وجود تنسيق مع المحافظات المحتجة الأخرى من أجل التصعيد والاتفاق على أن يكون يوم الاثنين المقبل"، مؤكدًا أن "التصعيد المقبل سيجبر الحكومة على الاستجابة لمطالبنا التي تتضمن اختيار رئيس مجلس الوزراء وفق المواصفات التي حددتها ساحات التظاهر، وحل مجلس النواب وتحديد موعد الانتخابات المبكرة، فضلًا عن التعهد بمحاسبة قتلة المتظاهرين".
في ذات الوقت أعلن معتصمو ساحة التحرير وسط بغداد، تأييدهم للمهلة التي وضعها المعتصمون في الناصرية للحكومة من أجل الاستجابة لمطالبهم.
قال المعتصمون في بيان تلقت (الاحتجاج) نسخة منه "نُعلنُ تأييدنا الكامل للمهلة التي وضعها ثوار ذي قار الشجعان لتنفيذ مطالبهم الحقة، وسنكون في بغداد على الموعد مع أخوتنا في باقي المحافظات لإعلاء صوت الوطن بوجه محاولات التملص من تنفيذ مطالبنا المشروعة الهادفة لبناء عراق موحد ذي سيادة يحمي مصالح وأمن مواطنيه".
ورفضًا لمحاولات تسويف التجاوب مع المطالب، يقول الناشط في تظاهرات الديوانية، حسين المحنا إن "المتظاهرين حاولوا في الكثير من الأحيان إيصال رسالتهم إلى الحكومة من خلال ساحات الاحتجاج، إلا أنها قوبلت بالمماطلة والتسويف، ولم نلمس أي جدية من قبل الحكومة خلال الأيام الماضية، بل وجدنا التحريض والتجييش للرأي العام ضد المتظاهرين عبر المنابر الرسمية والمتحزبة".
من جهة اخرى اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الخميس، قوات مسلحة غير محددة، بالتعاون مع قوات الأمن الوطنية والمحلية العراقية، في تنفيذ سلسلة من عمليات القتل "الوحشية" في منطقة الاحتجاج الرئيسة ببغداد في 6 كانون الأول 2019. وجاء في تقرير المنظمة الذي اطلعته عليه (الاحتجاج) امس الخميس: "تشير التقديرات إلى سقوط ما بين 29 و80 قتيلا و137 جريحا. قُطعت الكهرباء عن المنطقة خلال الهجوم، ما جعل من الصعب على المتظاهرين تحديد هوية القَتَلة والفرار إلى بر الأمان. انسحبت الشرطة والقوات العسكرية عندما بدأت الميليشيا مجهولة الهوية، التي ارتدى بعض عناصرها زيا موحدا، بإطلاق النار.
تأتي عمليات القتل هذه بعد ثلاثة أشهر من الاحتجاجات في بغداد وجنوبي العراق، والتي وصل عدد القتلى فيها إلى 511، وفقا لوزارة الصحة. بالنظر إلى مستوى عمليات القتل غير القانوني التي ترتكبها قوات الدولة، على دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيران، التي تقدم تدريبات إلى قوات الجيش والشرطة وتدعمها، أن توقف هذه المساعدات إلى أن تتخذ السلطات إجراءات فعالة لوقف أعمال القتل غير القانونية بحق المتظاهرين، منها مساءلة المعتدين. يجب أن يعقد "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" في جنيف جلسة خاصة بشأن قتل المتظاهرين في العراق".
وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش "لا يمكن للولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيران أن تتصرف بازدواجية، فتدعو الحكومة العراقية إلى احترام حقوق المحتجين وتدعم القوات العراقية التي تقتل المتظاهرين أو تقف متفرجة. مع استمرار قتل المتظاهرين يوما بعد يوم، على هذه الدول إنهاء الدعم".
فيما قال خمسة شهود على عمليات القتل لـ"هيومن رايتس ووتش" عبر الهاتف إنه في 6 كانون الأول كان هناك حوالي ألف متظاهر في ساحة الخلاني ببغداد، على بعد 600 متر شمال ميدان التحرير، في مرآب السنك المكون من خمسة طوابق قبالة ساحة الخلاني، الذي شغلوه منذ 16 تشرين الثاني. حوالي الساعة 7:30 مساء، قالوا إنهم رأوا سبع شاحنات "بيك آب" تسرع إلى ساحة الخلاني ثم تتباطأ، وبينما كانت المركبات تسير ببطء في الميدان، فتح مسلحون يرتدون زيا أسود عاديا ولباسا مدنيا النيران من بنادق "كلاشنيكوف"(AK-47) ومدافع رشاشة من طراز "بي كي"(PK) فوق المتظاهرين، قبل إنزال الرشاشات وإطلاق النار عليهم مباشرة. في ذلك الوقت، قال الشهود إن المحتجين كانوا يتجمعون سلميا ولم يهددوا بأي أعمال عنف.
قال الشهود إنهم رأوا حوالي 20 عنصرا من الشرطة الاتحادية وقوات الأمن العراقية كانوا يحرسون نقطتَي تفتيش في الساحة يغادرون بالسيارات عند وصول المسلحين. بعد حوالي تسع ساعات، الساعة 4:30 صباح 7 كانون الأول، غادر المسلحون، وفي غضون بضع دقائق، عادت قوات الأمن.
قال شهود عيان إن الكهرباء في ساحة الخلاني ومرآب السنك توقفت لمدة ساعة تقريبا مع بدء إطلاق النار، وفي ساحة التحرير لبضع دقائق، ما أدى إلى إطفاء إنارة الشوارع. قال أحدهم: "كل ما كنا نستطيع رؤيته هو ضوء الرصاص". الكهرباء في مناطق مجاورة مباشرة للساحات لم تنقطع.
قال الشهود إنه بعد إطلاق النار على الناس في الميدان، توجه الرجال في شاحنات البيك آب إلى مرآب السنك. قال متظاهر إنه كان في الطابق الأول من المرآب مع حوالي 150 متظاهرا آخرين عندما سمع صوت إطلاق نار. ثم رأى نحو 30 رجلا بملابس مدنية يحملون السواطير والعصي يقتحمون المبنى. بعد بضع دقائق، رأى خمس شاحنات صغيرة تنسحب إلى الخارج، ويدخلها رجال يرتدون زيا أسود يحملون أسلحة. بينما كان يهرب عبر الدرج وخرج من المبنى، قال إنه رأى رجالا مسلحين يفتحون النار على المتظاهرين داخل المبنى ويطعنون الآخرين. رأى ما لا يقل عن سبعة محتجين جرحى.
قال متظاهر في الطابق الثاني إنه سمع صرخات من الطابق الأول، ورأى المسلحين يظهرون ويطعنون المحتجين الذين حاولوا الوقوف في طريقهم. قال: "رأيت كثيرا من الناس يصابون، ولكن كل ما كان يمكنني التفكير فيه هو كيف أخرج نفسي من هناك".
المتظاهر الذي كان في الطابق الأول قال إنه عندما خرج اختبأ خلف كتلة خرسانية، وعندما نظر إلى الوراء، رأى مسلحا يرمي متظاهرا من الطابق الثالث، وآخرين يشعلون إطارات لإغلاق مخارج الطوارئ. قال شهود آخرون خارج المرآب إنهم رأوا حرائق قادمة من المرآب. قال المحتج من الطابق الأول: "ما يزال خمسة من أصدقائي مفقودين، ولا أعرف إن كانوا قد ماتوا أو احتُجزوا. رأيت المسلحين يحملون الجثث في حافلاتهم وشاحناتهم قبل ساعة واحدة من المغادرة عند 4:30 صباحا".
قال متظاهر كان خارج المرآب إنه رأى 10 متظاهرين على الأقل يتعرضون لإطلاق النار من حوله. قال هو وطبيبان موجودان في ساحة الخلاني إنهم رأوا عربات توك توك (عربات آلية صغيرة) تُستخدم كسيارات الإسعاف حاولت ثلاث مرات الاقتراب من الجرحى لإجلائهم. في كل مرة قام مسلحون داخل المرآب بإلقاء قنابل "مولوتوف" لإيقافها. قالوا في النهاية إن مجموعة أكبر من المتظاهرين هرعوا إلى الجثث ونقلوا الجرحى.
قالت ويتسن "هناك أدلة قوية على توكيل السلطات العراقية جهات أخرى للقيام بالعمل القذر نيابة عنها، إذ غادر عناصرها مع بدء عمليات القتل وعادوا للمساعدة في الاعتقالات. سواء وقفت القوات العراقية وسمحت لهؤلاء المسلحين بمهاجمة المحتجين أو ارتكبت جرائم القتل بنفسها، فإنها مسؤولة".
راجعت هيومن رايتس ووتش 11 مقطع فيديو من تلك الليلة، والتي بدا أنها تدعم عديدا من جوانب شهادات الشهود.
وفقا لـ"المفوضية العليا لحقوق الانسان – العراق"، أدى الهجوم إلى مقتل تسعة محتجين على الأقل وإصابة 85 مدنيا آخرين. مع ذلك، قال مصدر طبي موثوق ببغداد، وقد رصد عدد القتلى والجرحى في مستشفيات المدينة، إنه أكد مقتل 29 شخصا على الأقل في الهجوم، بسبب الطعن وجروح الرصاص، و137 جريحا آخرين. قال رائد في السلك الطبي بالجيش لصحيفة "ذا تايمز" اللندنية إن ما يصل إلى 80 أو 85 قتلوا.
كما اعتقلت القوات المسلحة بعض المحتجين، ومكانهم مجهول. قال أحد الأطباء الحاضرين إنه رأى مسلحين يعتقلون ثلاثة متظاهرين، واحتجزوهم في خيمته الطبية ثماني ساعات، ثم أخذوهم. يبدو أن فيديو نُشر على "فيسبوك" في 8 كانون الأول يظهر قيادة قوات عمليات بغداد في نفس الخيمة الطبية وهي تطلق سراح نحو ثمانية رجال مكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين. يقول الأسرى إنهم تعرضوا للإيذاء الجسدي، ويخبرهم أحد العناصر أنهم احتجزوا من قبل "جماعة مسلحة تابعة لاحد الاحزاب"، وأن القيادة موجودة هناك لمساعدتهم.
واضاف التقرير لقد اتخذت الحكومة بعض الخطوات المحدودة نحو المساءلة، لكنها لم تبذل أي جهود جادة لتهدئة الانتهاكات ضد المحتجين. في 1 كانون الأول، أدانت المحكمة الجنائية في واسط عنصرَيْ شرطة لاستخدامهما القوة المفرطة وقتل المتظاهرين، وأصدرت محاكم جنوبية أخرى أوامر اعتقال ضد عناصر في النجف وذي قار بتهمة استخدام القوة المفرطة وإصدار أوامر أدت إلى مقتل محتجين. على حد علم هيومن رايتس ووتش، لم تتخذ السلطات القضائية بعد إجراءات ضد العناصر في بغداد. مع ذلك، في 8 كانون الأول، أقالت الحكومة قائد قيادة عمليات بغداد اللواء قيس المحمداوي.
تتحمل الحكومة العراقية المسؤولية الرئيسة عن حماية حق العراقيين في الحياة. ينبغي لها أن تحدد على وجه السرعة الجماعات وقوات الأمن التي شاركت في عمليات القتل هذه أو نسقتها وأن تعلن مرتكبيها. يجب أن تعوض ضحايا جميع عمليات القتل غير القانونية.
قالت ويتسن "يقول شاهد تلو الآخر إن قوات الأمن الرسمية غادرت الساحة بينما كان رجال يحملون رشاشات يسرعون في إطلاق النار على المتظاهرين. يبدو أن السلطات سمحت بقطع الكهرباء، حيث أغرقت المتظاهرين بالظلام دون أن يضيء السماء أي شيء غير طلقات الرصاص".