التك تك من مصدر عيش الفقراء إلى رمز للاحتجاجات

Wednesday 8th of January 2020 07:42:31 PM ,

الحريات اولا ,

 رامي فارس اسعد
كان حيدر حميد يتحدث بحماسة وأنا أجلس خلفه في عربة التك تك كيف استطاع هو وزملاؤه من اصحاب عربات التوك توك وفي يوم واحد من نقل اكثر من 20 متظاهراً بعد اصابتهم بجروح وحالات اختناق بسبب القنابل الدخانية والسامة والرصاص الحي الذي اطلقته من قبل قوات الامن على المتظاهرين في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد.

وأضاف ” شكلنا أنا وبعض أصدقائي ممن يملكون عربة التوك توك فريق عمل منذ الأيام الأولى للتظاهرات، كانت مهماتنا تتركز على نقل الجرحى والمصابين وأحياناً نقل الشهداء الذين سقط بعضهم نتيجة رصاص قناص مجهول أو قنابل دخانية وسامة كانت تطلق نحوهم بصورة مباشرة ومن مسافات قريبة وأحياناً نعمل على نقل بعض المتظاهرين من والى ساحة التحرير بسبب قطع أغلب الطرق المؤدية نحو ساحة التحرير مركز التظاهرات حيث نستطيع أن ننتقل بسهولة عبر الدرابين الضيقة والتي من الممكن المرور من خلالها بواسطة التو ك توك لصغر حجمها”.
و(التك تك) تسمية تطلق على عربة نارية ميكانيكة شبيه الى حد ما بالدراجة النارية، ذات ثلاث عجلات، تستخدم غالباً للنقل من والى مسافات قريبة وهي وسيلة نقل رخيصة نسبياً مقارنة بوسائل النقل الأخرى وتتسع لراكبين في المقعد الخلفي.
وانتشرت عربة التك تك بشكل كبير منذ ستينيات القرن الماضي في الدول الآسيوية كالهند وباكستان والفلبين وبنغلادش وتايلند والصين وفيتنام وكذلك في دول امريكا الجنوبية في بيرو والسلفادور وكوبا. ومع دخول العالم الألفية الثانية نراها تنتشر بشكل واضح في الدول العربية وتحديداً في مصر والسودان والعراق.
وللتك تك خلفية تاريخية إذ تعد عربة التوك توك نسخة حديثة عن عربة (الركشة) اليابانية التي كانت سائدة آنذاك في اليابان وفيما بعد في الصين، و(الركشة) عبارة عن عربة يجرها إنسان وتسير على عجلتين وكثيراً ما كنا نشاهدها في الأفلام اليابانية والصينية القديمة ولها نصيب أيضاً في الادب العالمي، وما زلت أذكر رواية (فتى عربة الركشة ) للكاتب الصيني لاو شو إذ تسرد فيها الكاتب قصة شاب صيني فقير وكفاحه المستميت في العيش والحصول على حياة كريمة.
تطورت الركشة لتصل من آلة يجرها الإنسان الى آلة مركبة على محرك مكيانيكي يعمل بالوقود لتصل الى الشكل المتعارف عليه حالياً.
شكلت مركبة التوكتوك علامة فارقة في انتفاضة تشرين ، فمنذ انطلاقها قبل شهرين من الآن أصبح لشباب التوك توك مكانة مميزة وخاصة في قلوب جميع العراقيين نظراً للخدمات الانسانية والتضحيات التي قدمها وما يزال هولاء، ليصبح التوك توك رمزاً وعلامة فارقة في الثورة العراقية الكبرى بعد أن كان مصدر عيش الكثير من العوائل العراقية ووسيلة عمل للكثير من الشباب الخريجين الذين لم يحظوا بفرصة عمل واحدة في دولة تعتبر من أغنى دول العالم.
أحد شباب التك تك أكد لي أثناء حديثي معه أن الكثير من الناس كان ينظر للتوك توك مصدر ازعاج وارباك لحركة المرور داخل بغداد.
نقل مصابين
ويضيف بعد ” اندلاع التظاهرات في ساحة التحرير تغيرت نظرة الكثيرين نحو صاحب التو ك توك بعد شاهدوا بأعينهم البطولات التي قام بها من نقل المصابين والجرحى الى المستشفيات القريبة من ساحة التحرير وذلك لصعوبة دخول سيارات الاسعاف الى مناطق الاحتجاج”.
وكانت قوات الامن قد لجأت لغلق أغلب الطرق الرئيسية المؤدية الى ساحة التحرير في محاولة منها لتضييق الخناق على المتظاهرين وللحد من اتساع رقة التظاهرات التي أخذت تتـــــــسع في أكثر مناطق بغداد مع توافد الآلاف من ابناء المحافظات الجنوبية الى بغداد.
ويروي لي كرار عبد الرضا سائق توك توك من بغداد عن تعرض زملائه للتهديد والاعتقال، “كثير من الأحيان تعرضنا للتهديد والاعتقـــــــــال من قبل القوات الأمنية المرابطة على مداخل ساحة التحرير بل أن بعض زملائي تم اعتقالهم والاعتداء عليهم دون أسباب واضحة كل ما كنا نقوم به هو إسعاف المتظـــــــــاهرين لأنهم أبنـــــــاء العراق لم يخرجوا لتهديد الأمن أو الاخلال بالنظام إنما خرجوا للمطالبة بحقهم المشروع تحت راية العراق التي جمعتهم من كل حدب وصوب بعد حاول السياسيين وسراق المال العام تفرقتهم وبث الفتنة فيما بينهم على مدار أعوام”. ويبلغ سعر التو ك توك في العراق مليون دينار عراقي أي ما يعادل 800 دولار امريكي حسب أسعار الصرف وقد انتشر بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة في شوارع بغداد والمحافظات الجنوبية بالتزامن مع انتشار الفقر والبطالة، وبحسب آخر إحصائية لوزارة التخطيط العراقية فإنَّ مجموع السكان تحت مستوى خط الفقر يبلغ 22.5% من إجمالي الشعب العراقي البالغ 38 مليون نسمة في ظل عجز واضح من قبل الدولة في توفير فرص العمل واعتمادها الكلي على واردات النفط.
وغالبية أصحاب التك تك هم شباب بعمر الورود لا خبرة لهم في هذا المجال، أنهكت طفولتهم بالفقر والحرمان.
سرمد من حي الدورة ببغداد سائق تك تك قال “نتيجة لتردي الأوضاع المعيشية دفعني الحال للعمل حمالاً في سوق الشورجة بعد وفاة والدي ومع توفر عربات التوك توك في الأسواق اشتريت واحدة وبدأت العمل عليها رغم المردود المالي القليل”.
ويؤكد انه “ومع قلة المردود المالي فأنا انظر بفخر للتوك توك لأني من خلاله ساهمت في انقاذ الكثير من المتظاهرين السلميين الذين خرجوا للبحث عن مستقبلهم في العراق، وهذا التوك توك الذي واجه رصاص الحكومة وسياراتهم المضللة سيبقى رمزاً للتظاهرات العراقية”.
وأضاف أن “الحكومة كانت وما تزال تحارب أصحاب التوك توك حتى قبل اندلاع التظاهرات عبر قرارات الهدف منها الحد من حركتهم ومنعها نهائياً ”. وكانت مديرية المرور العامة قد أصدرت جملة من القرارات تمنع سير التوك توك في بغداد للحفاظ على جمالية العاصمة. ومع تراجع حدة العنف في سوح التظاهرات يواصل سائقو التوك توك تقديم الخدمات للمتظاهرين في ساحة التحرير من نقل المتظاهرين من والى الساحة وايصال المواد الغـــــذائية والطبية وكل تلك الخدمات مقدمة مجاناً وفي سبيل خدمة التظاهرات السلمية ودوام تواصلها لحين ساعة التغيير في العراق وتحقيق مطالب المتظاهرين.