في ذكرى وفاتها..الملكة عالية في ساعاتها الاخيرة

Sunday 15th of December 2019 06:57:12 PM ,

ذاكرة عراقية ,

قاسم حلو الغرابي
يصف لنا الدكتور كمال السامرائي الساعات الاخير من حياة الملكة عالية بما نصه : " في حدود الساعة الثامنة صباحاَ من يوم 21 كانون الاول 1950, استدعيت على عجل الى حجرة الملكة وعند بابها رأيت أم عبد الاله مضطربة ووجهها شاحب وفتحت لي الوصيفة (عزة) باب الحجرة وهي تحمل بيمينها المصحف الكريم وبادرتني بهلع , ستي الملكة ولم تزد على ذلك , كانت الملكة حينئذ في حالة بين الوعي والاغماء واشارت الي بيدها أن اقترب.

قالت بصوت خافت متقطع انهضني يادكتور فعاونتني عزة , واسندناها بأيدينا لتنهض على الوسائد في فراشها وشكرتنا بعينها وتمتمت بالشهادة ثم سمعتها تقول:"لا أريد أن يشهد دكسن فرث ساعة وفاتي فأنا مسلمة والله ربي ومحمد نبيي والقران كتابي " ، وفي هذه اللحظة تقيأت وقذفت ما في جوفها على صدرها فأخذت انا المنشفة التي كانت دوما موضوعة في متناول يدها ومسحت بها فمها وصدرها مما سال عليها من القيء ولم تنسى حتى في هذه اللحظة أن تشكرني وهي في حالة شديدة من الإعياء مالم اسدلت جفنها براحة وهي تطلب مني أن ترى أمها نفيسه , وكانت أمها عند مدخل الحجرة وربما سمعت طلب الملكة فدخلت ووقفت الى سريرها فمدت الملكة يدها ببطء وجذبت يد أمها الى فمها وقبلتها , وقالت إغفري لي يا أمي اذ كنت قد غلطت معك يوماَ وغادرت الغرفة, وبعد ان التقطت الملكة انفاسها طلبت مني رؤية أختها عابدية , فدخلت عابدية ووقفت قريبة من وسادة الملكة , فطلبت منها الملكة أن تقترب منها وقالت تخطبها : إنك يا أختي كثيرة الأفضال علي في تربية فيصل وأنا اطلب منك أن تبقي أمه بعد وفاتي كما كنت أمه دوما وسكتت قليلا لتقول أريد أن أرى مقبولة فدخلت مقبولة وقبلت أختها المريضة فقالت لها : أوصيك يا أختي أن تعتني بزوجك فهو رجل طيب كما أنت طيبة وارادت أن تقول شيئا آخرا إلا أن مقبولة انسحبت وخرجت متعثرة من الحجرة .
بعد ذلك بدت الملكة وكأنها قد صحت من كابوس ودب فيها قدر من النشاط وطلبت رؤية أخيها عبد الاله فجاءها بعجلة وقلق وارتمى على قدمي أخته الملكة فسحبت الملكة رجلها وهي تقول (استغفر الله) ورأيت عبد الاله يشير الي بعينه أن أخرج من غرفتها او هكذا يخيل الي فنهضت لأخراج إلا أن الملكة , اشارت بقولها لا , أنا اريد ان يبقى الدكتور كمال شاهداً على ما اقول لك امام الله , ثم اردفت تقول له يا اخي عبد الاله كان فيصل يتيم الأب وعما قريب سيكون يتيم الام أيضا فعدني أن تكون له ابا واما لأغفر لك كل ما مضى , واراد عبد الاله ان يقاطعها الا انها ردته , بحزم , عدني امام الدكتور فهو شاهدي في دار البقاء , عدني يا عبدالاله , وكررت ذلك مرتين فتمتم بالوعد , فخرج من غرفتها وهي تشيعه بنظرات باردةثم سمعت الملكة تسأل نفسها قائلة هل أطلب فيصل لأراه , ثم اردفت لا فقد يكون نائماَ , وطلبت مني ان اناولها صورته الموضوعة في اطار فضي عند رأس سريرها فقبلتها بحنان وبسطتها على صدرها وأجهشت بالبكاء بارتياح واعقب ذلك اضطراب في تناسق انفاسها وهي أول علامات الاحتقان. واذاعت الحكومة التقرير الرسمي الصادر عن هيئة الاطباء وجاء فيه : " إن صاحبة الجلالة الملكة عالية قد اصيبت منذ عدة اشهر بورم من نوع سرطاني في أسفل البطن أدى الى انسداد في الأمعاء فأجريت لحالتها عملية أولية مستعجلة لرفع هذا الانسداد ثم أردفت بعملية ثانية وذلك بعد مرور ثلاثة اسابيع لاستئصال الورم ذاته الا إنه تبين مع الأسف إاستحالة هذا الاستئصال واستشير أشهر الأطباء للمعالجة وإنقاذ حياتها الغالية الا ان الإرادة الالهية شاءت ان تفشل كل الجهود والمحاولات وقد تحملت جلالتها آلام المرض برباطة جأش وايمان صادق , وكان صبر جلالتها باعثا للأعجاب وقد ساءت صحة جلالتها في الأيام الاخيرة الى ان اختارها الله الى جواره ففاضت روحها الطاهرة هذا اليوم 11 ربيع الاول 1370 هـ الموافق 21 كانون الاول 1950 في الساعة التاسعة والدقيقة العشرين في هدوء وسكينة وفي الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة 22 كانون الاول 1950 نقلها شقيق الملكة عالية الى مثواها الاخير في المقبرة الملكية في الأعظمية واطلقت المدافع مائة طلقة وطلقة عندما وريت التراب .
وحين فاضت روحها غلب على والدتها البكاء وقالت إن الأم لا يجوز ان تبكي على ابنتها التي ماتت نتيجة مرض اصابها في حياتها و الذي ادى الى وفاتها ، لقد افتقدتها فلم تكن لي شقيقة فحسب وانما كانت صديقة صادقة ومرشدة وفية ناصحة امينة في كل الامور فاذا أدلهم الخطب وتعقدت سبل الرجاء الهمتني البصر و الرأي السديد فافتقدت بها صديقاَ امينا وفيا واذا ما سكبت عليها الدمع فليس ذلك بدافع حنان الاخوة فقط وانما لكونها انسانا كاملا جمعت كل صفات البطولة والمثل العليا رحم الله عالية) فقد عاشت طاهرة وماتت طاهرة وسأذكرها واندبها وقد طواها الموت كما تذكر العاليات الطاهرات معتصما بقوله تعالى (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) ، وبعد فبأسم جلالة الملك المعظم و باسمي وباسم افراد اسرتنا اكرر لكم تقديري على نبل عواطفكم شاكرا اولئك الذين لازموا جلالتها وافناهم السهر في خدمتها طيلة مدة مرضها داعيا الله سبحانه وتعالى ان يحفظ لنا صاحب الجلالة المفدى ويحرسه بعين عنايته ويمده ويوفقه وان يسكن الفقيدة الغالية فسيح جناته وان يمن على الشعب العراقي النبيل بدوام العز والمجد ويلهمنا واياكم الصبر.وهكذا ماتت عالية وهي في ريعان شبابها تاركة وحيدها الملك فيصل الثاني تحت رعاية شقيقها عبد الاله الوصي على عرش العراق وتحت رحمة الأقدار. وكم كان نوري السعيد موتورا تجاه الملكة عالية حتى بعد وفاتها إذ يذكر أن بعد وفاة الملكة دخل عليه في غرفة مكتبة قصر الرحاب شخص فقال له : خابرت على إدارة السباق لكي توقف (أحداث) الخيل حدادا على وفاة الملكة عالية فقال له نوري السعيد بأستخفاف ظاهر.. شكرا يا أستاذ ثم طلب نوري السعيد الدكتور كمال السامرائي أن يدون كل ما دار من حديث بين الملكة قبل وفاتها وبين أمها واختها , فدون ذلك كمال السامرائي بدقة ونوري السعيد واقف الى جانبه وناوله التقرير وخرج الاثنان من المكتبة وفي رواية ثانية تدل على عدم ارتياح نوري السعيد للملكة عالية, حيث فجأة ظهر عند باب الصالة العام وزير الشؤون الاجتماعية ماجد مصطفى وخلفه مدير الصحة العامة الدكتور هادي الباجه جي وهو يتأبط , وقبل ان يأخذ مجلسه سأله نوري السعيد ماذا تتأبط يا دكتور هادي ,فقال الدكتور هادي خيرا ان شاء الله انها قنينة الماء الذي طلبتها الملكة من أجل هذه اللحظة , اعتدل نوري السعيد في كرسيه وقال له بتهكم (انت تريد تقول ان هذا طبك يا هادي لو تريد اهل بغداد يدكولي طبل , انا صوفتي حمرة والملكة كما قرر الاطباء ميؤس من حياتها وهنا بح صوته وقال بحنق وغضب سيقول الظلام أن نوري السعيد جاء بماء مسموم ليقتل الملكة مثلما قتل زوجها الملك غازي , طرح نوري السعيد موضوع الماء الذي في القارورة في اجتماع المجلس الوزراء بشأن أعطائه او عدم اعطائه للملكة , ثم قال اترك هذا الموضوع لقراركم ولم يطلب أعطاؤه للملكة , حين ذلك اخذ نوري السعيد سدراته وغادر قاعة الاجتماع وهو يردد (مهزلة , مهزلة).
وفي حال بدأت دار الاذاعة العراقي بالإعلان الحداد وقراءة الآيات القرآنية ثم أذيع البيان النصي الذي القي من دار الإذاعة في نفس اليوم كما قام مجلس الوزراء بإصدار نعي بوفاة الملكة.
عن: رسالة (الملكة عالية سيرتها ونشاطها الاجتماعي في العراق 1911-1950)