بعد ان كانت على مرحلتين..كيف بدأت الانتخابات النيابية المباشرة سنة 1952؟

Sunday 21st of April 2019 07:28:15 PM ,

ذاكرة عراقية ,

فاطمة عدنان شهاب الدين
في يوم 13 كانون الاول 1952 كان الوضع قد استتب وسيطرت الحكومة على الاموربعد الاحداث التي سميت بانتفاضة تشرين الثاني، فوجه رئيس الوزراء الفريق نور الدين محمودكلمة الى الشعب والجيش محاولاً بذلك اعادة الثقة ما بين الحكومة والشعب وامتصاص النقمة الشعبية عليه بعد ان سيطر على الاوضاع في البلاد ، وكبح جماح الحركة الوطنية وتفتيتها بالقوة ، فأقدم على اصدار بيان وضع فيه رغبة الوزارة بالقيام باصلاحات

واصدار تشريعات من شأنها رفع مستوى المواطنين وتحسينها كما اكد ان الحكومة مصممة على قمع العناصر الفائدة والحيلولة دون العبث بالقوانين والمحافظة على هيبة الدولة وكيانها والحفاظ على ارواح المواطنين وممتلكاتهم وستقوم في الحال بتأليف لجنة من كبار علماء القانون والادارة لاعداد قانون الانتخاب المباشر.وفي 25 تشرين الثاني قررت وزارة العدلية تأليف لجنة (اعداد قانون الانتخاب على اساس الانتخاب المباشر الذي كان احد مطالب الاحزاب السياسية الشعبية) .

قررت وزارة العدلية في الخامس والعشرين من تشرن الثاني 1952م ، بتأليف لجنة برئاسة عبد الجبار التكرلي عضو محكمو التمييز ، وعضوية كل من عبد الحميد رفعت ، وجورج جورجي ، وحمدي صدر الدين ، وموسى شاكر ، للنظر في اعداد لائحة قانون انتخاب النواب بصورة مباشرة ، على ان تجتمع فوراً ، وتنتهي مهمتها بفائق السرية .
فأجتمعت اللجنة ، واستعانت بقوانين انتخاب النواب في كل من مصر ، ولبنان ، وسوريا ، وتركيا ، وهي الاقطار المشابهة في اوضاعها العامة للعراق ، والتي اخذت بمبدأ الانتخابات المباشرة في وضع لائحة مرسوم للانتخاب يحل محل قانون الانتخاب السابق ، الذي بني على مبدأ الانتخاب بدرجتين.
وبعد ان انجزتها ، رأت الوزارة ضرورة اصدار مرسوم لاستحالة اجراء الانتخابات وفق القانون المذكور ، والشعب على ما هو عليه من اضطراب نفسي ، والحاح على ضرورة جعل الانتخابات من درجة واحدة . وهكذا اصدر المرسوم رقم 6 لسنة 1952 في 16 كانون الاول 1952م.وفي ظل اجواء الاحكام العرفية قرر نور الدين محمود اجراء الانتخابات في 17 كانون الثاني 1953 وبدأت الحكومة تمهد لاجراءها ..فاتخذت الاحزاب السياسية مواقف متباينة تجاه الانتخابات ، على الرغم من ان غالبية قادتها في المعتقل ، ومع ذلك استمرت بعض الاحزاب في عقد اجتماعاتها ، ومواصلة الحوار والاتصالات مع بقية الاحزاب الاخرى ، ولما رأى حزب الاستقلال بوادر تدخل الحكومة في الانتخابات واستغلالها للاحكام العرفية التي وعدت بالغائها . ولم تلتزم بالغائها قررت الهيئة التنفيذية للحزب مقاطعتها. باستثناء اسماعيل الغانم الذي خالف الرأي وقرر المشاركة فيها ، لما رأى اصرار الغالبية على عدم المشاركة فيها قدم استقالته من الحزب .
كما قاطعها الحزب الوطني الديمقراطي اما حزب الامة فقد قرر في البداية الاشتراك في الانتخابات وعندما لم يحصل على تأييد من الوزارة بمساعدته على الفوز قرر مقاطعتها فقد ذكر نور الدين محمود ان صالح جبر اتصل به اثناء الانتخابات وطلب منه معاونته في الفوز بالانتخابات. وكما رفض ذلك نور الدين محمود قرر صالح جبر المقاطعة . هذه المقاطعة احدثت انشقاق في صوف الحزب حيث اصر فريق من ابرز اعضائه من رؤساء العشائر الاقوياء في مناطقهم الاستمرار في الانتخابات واستقالوا من الحزب اما حزب الجبهة الشعبية المتحدة اعتبر الجو الارهابي الذي ساد البلاد في عهد الوزارة جواً ملائماً للاشتراك في الانتخابات وعدل عن مقاطعتها واشترك فيها فعلا.
اسفرت نتائج الانتخابات التي انتهت في 17 كانون الثاني 1953 والتي جرت تحت ظل حكومة نور الدين محمود من تحقيق نصر كاسح لمرشحي حزب نوري السعيد ، على الرغم من محاولات البلاط لجر هذه الانتخابات الى مصالحه الخاصة ، فقد فاز 76 نائباً بالتزكية ، و 29 نائباً بالتصويت وحصل مرشحو نوري السعيد على (67) مقعداً من مجموع (135) مقعداً ، ونال المستقلون واغلبهم يؤيدون نوري السعيد على (48) مقعداً ، كما فاز حزب الجبهة الشعبية على (11) مقعدا وحصل الاعضاء الذين انشقوا من حزب الامة الاشتراكي على ثمانية مقاعد ، وحصل على المقعد الاخير (اسماعيل الغانم) الذي كان قد استقال من حزب الاستقلال . ومما يجب ذكره ان بعض من اعضاء الوزارة فازوا في الانتخابات النيابية ، فقد فاز الخالصي في الكاظمية وعبد المجيد القصاب عن المنطقة السابعة في بغداد ونديم الباجةجي عن المنطقة العاشرة في بغداد وفاضل الجمالي عن لواء الديوانية وماجد مصطفى عن لواء السليمانية وعبد الرحمن جودة عن لواء الحلة بينما عين رئيس الوزراء واثنين من وزرائه اعضاء في مجلس الاعيان بعد استقالته من الوزارة ، وبذلك تكون الوزارة باكلمها قد دخلت في البرلمان باستثناء وزير المعارف.
لم تكن الانتخابات الجديدة بافضل من الانتخابات السابقة وان بعض الانتخابات غير المباشرة جرت بصورة احسن من الانتخابات المباشرة وارادت الطبقة الحاكمة ان تبرهن للملأ صواب وجهة نظرها وخطأ وجه نظر الاحزاب في اصرارها على مبدا الانتخابات المباشرة.
ولم تسلم هذه الانتخابات من طعون ومغامز حتى ان جميل المدفعي قال في 7 شباط 1953 ((انا اعتقد ان بعض الانتخابات غير المباشرة مرت احسن من الانتخابات المباشرة)) .
وقد علق نور الدين محمود على هذه الاقوال في مجلس الاعيان فقال "اطمئن المجلس العالي بان الانتخابات التي جرت كانت الحكومة القائمة انذاك محايدة بكل معنى كلمة الحياد ، ولم تشعر بأي ضغط عليها ، ولذلك اكرر واقول مرة ثانية بان الانتخابات لم تكن مزيفة ولا مكيفة قطعاً ، بل جرت حسب القوانين المرعية بصورة صحيحة ومتناسبة مع مستوى ثقافة الشعب".
بعد الانتهاء من عملية الانتخابات استصدرت الوزارة ارادة ملكية بدعوة مجلس الامة الى عقد اجتماعه الاعتيادي الاول من دورته الانتخابية الثالثة عشرة اعتباراً من يوم 24 كانون الثاني 1953 فاجتمع المجلس في اليوم المذكور بحسب المراسيم المعتادة وقد القي خطاب العرش ذكر فيه الاعمال التي قامت بها وزارة نور الدين محمود على الصعيدين الخارجي والداخلي . وبعد انتهاء خطاب العرش اجتمع اعضاء مجلس الاعيان وانتخبوا جميل المدفعي لرئاسة مجلس الاعيان كما اجتمع اعضاء مجلس النواب وانتخبوا الدكتور فاضل الجمالي وزير الخارجية لرئاسة مجلس النواب فصدرت الادارة الملكية باسناد منصب وزارة الخارجية بالوكالة الى علي محمود الشيخ علي وزير المالية.

عن رسالة ( نور الدين محمود ودوره العسكري والسياسي )