حوار مع السلطاني..على هامش كتاب لاركن: شاعراً لا منتمياً: التسامي بالعزلة والجنس والعادي

Wednesday 3rd of April 2019 06:53:07 PM ,

عراقيون ,

أجرت الحوار: سوزانا طربوش*
ترجمة: فيحاء السامرائي
الدراسة التي قام بها الشاعر والمترجم والصحفي فاضل السلطاني عن الشاعر فيليب لاركن والموسومة بعنوان « فيليب لاركن، شاعراً لامنتمياً: التسامي بالعزلة والجنس والمألوف» قد تعــد الوحيدة لكاتب عربي باللغة الانكليزية مؤخراً عن ذلك الشاعر.

الدراسة التي قام بها الشاعر والمترجم والصحفي فاضل السلطاني عن الشاعر فيليب لاركن والموسومة بعنوان « فيليب لاركن، شاعراً لامنتمياً: التسامي بالعزلة والجنس والمألوف» قد تعــد الوحيدة لكاتب عربي باللغة الانكليزية مؤخراً عن ذلك الشاعر.

يعيش السلطاني في لندن منذ عام 1994، حيث يشتغل مسؤولا للقسم الثقافي في صحيفة عربية رائدة هي «الشرق الأوسط»، وسبق له أن عمل رئيساً لتحرير المجلة الثقافية الدورية (أقواس) من سنة 2009-2011 وهو ما انفكّ يُسهم في رفـد صحيفة «المدى» العراقية المستقلة بقصائده لتصل الى القارئ العراقي بعد فترة انقطاع دامت سنين.
ودراسة السلطاني عن الشاعر لاركن هي أساسا رسالة لشهادة الماجستير في الأدب الحديث والمعاصر من كلية بيربك- جامعة لندن، وطبعت أطروحته تلك (دار ميرا) للنشر في مدينة ليدز البريطانية، في كتاب تضمن 84 صفحة. وعلاوة على كتابه هذا، يمكن عــد السلطاني من المترجمين القلائل لقصائد هذا الشاعر للغة العربية، إذ تضمن كتابه (خمسون عاماً من الشعر الانكليزي 1950- 2000 ) قصائد مترجمة الى هذا الشاعر مثل (حاجات) و( عالم الأدب) و(عيون جديدة كل عام) و(كيف لي أن أنام). وتضمنت تلك الأنطولوجيا المطبوعة في دمشق في عام 2008، دار المدى، المنجز الأدبي لستين شاعر بريطاني، وامتد البحث فيها مدة عشر سنوات تخللتها فترات انقطاع.
يتصدر السلطاني المشهد الثقافي العربي في بريطانيا وتنشر أشعاره المترجمة عن اللغة الإنكليزية في مطبوعات شتى كمجلة (بانيبال) المتخصصة بشؤون الأدب العربي المعاصر والشعر الحديث المترجم، وظهرت قصائده أيضا في كتاب « الشعر العراقي اليوم» الذي حرره الكاتب العراقي سعدي السماوي، وهو أول كتاب عن الشعر العراقي الحديث ظهر في الغرب، وكذلك في المجلة الأدبية الأميركية المعروفة» الشعر الحديث مترجماً»، وفي الموقع الالكتروني البريطاني» اوبن ديموكرسي»، كما وترجمت قصائد السلطاني الى اللغات الهولندية والإسبانية والكردية والفارسية.
وُلِد السلطاني في مدينة الحلة، عاصمة محافظة بابل عام 1948، العام الذي شهد العالم فيه ولادة حركة الشعر الحر، التي وصفها السلطاني بأنها « أكبرثورة في الشعر العربي الحديث منذ ما يقارب الألف عام»، وامتد تأثيرها الى بقية البلدان العربية مثل لبنان ومصر وبقية الدول الأخرى، لأن « الشعر العربي الكلاسيكي أو العمودي يلزم الشعراء بالخضوع الى قواعد صارمة تتعلق بالقافية والوزن، وبرغم أن الشعر الحر لا يفتقر الى هذين العنصرين، لكنه يتميز بوحدات بناء مختلفة، لا كما الشعر العمودي الملتزم بوحدة واحدة»، كما يذهب السلطاني.
أبرز الذين قادوا حركة الشعر الحر العراقي هما الشاعران بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي والشاعرة نازك الملائكة، متأثرين بشعراء غربيين كـ (تي اس أليوت) و(دبليو أج أودن) و(إزرا باوند) والشاعرة (أديث ستويل)، التي تأثر بها السياب بشكل بليغ وفي الخصوص بقصيدتها( مايزال المطر ينهمر) التي استوحى منها قصيدته (انشودة المطر) عام 1960.
في هذا العهد التجريبي لحركة الشعر الحر، تكشفت موهبة السلطاني كشاعر وفي سن مبكر، فكتب بعمر الحادية عشرة أول قصيدة تتناول بداهة موضوع (الحب)، وفي عمر السابعة عشرة، نُشرت له قصائد في ملاحق أدبية لصحف عــدة.
ومن يومها تعاظم توق السلطاني الى كل ما يتعلق بالشعر الجديد، وكان يستدين المال من أجل اقتناء نسخة من مجلة (الآداب) الأدبية البيروتية أنذاك، متأثراً على وجه الخصوص، بالشاعر السياب الذي يعــدُّه أعظم شاعر عربي في القرن العشرين.
درس السلطاني الأدب الانكليزي في كلية الآداب- جامعة بغداد كما ينوّه: « درست نثر وشعر كُتـّاب وشعراء كبار من بينهم اليوت وديلان توماس وغراهام غرين وهنري جيمس وآخرين غيرهم». وعقب تخرّجه عام 1971، عمل في التدريس لثلاث سنوات، ثم استقال ليتفرغ للعمل في جريدة الحزب الشيوعي العراقي (طريق الشعب)
غير أن السلطاني غادر العراق عام 1977 بعد خيبة أمله من سياسة الحزب الشيوعي العراقي في أعقاب تحالفه في جبهة سياسية مع حزب البعث العربي الاشتراكي، في الوقت الذي غدا فيه صدام حسين أقوى رجل في العراق مستهلاً ديكتاتوريته في الحكم. ويذكر السلطاني أنه في عام 1978 غادر قرابة خمسمئة مثقف من الشعراء والروائيين والتشكيليين والمفكرين العراق عقب موجة القمع، وما تلاها من حروب متعاقبة وحصار اقتصادي .
عمل السلطاني مدرساً للغة الانكليزية في المغرب، ومن بعدها في الجزائر، ونشر آنذاك بعض القصائد في مجلة الحرية الصادرة في دمشق التي كان يحرر صفحتها الثقافية الشاعر الفلسطيني غسان زقطان، كما ونشرت له دار (شرق غرب) العراقية أول مجموعة بعنوان (قصائد) عام 1982. وفي عام 1985 انتقل الى دمشق حيث صدرت مجموعته (النشيد الناقص)، ومجموعته الثالثة ( محترقاً بالمياه)، التي طبعها في بيروت عام 2000، وصدر أحدث ديوان له بعنوان( ألوان السيدة المتغيرة).
ينوّه الكاتب العراقي- الأميركي المتميز سعدي السماوي بأن السلطاني يمثل جزءا من اتجاه جديد في الادب العراقي « فيه ضرب من الخيال المعقد حيث تتواشج الوجودية مع السخرية لتنتج عاطفة غير عادية لكل البشرية».
ومن الجدير بالذكر أن الكاتب السماوي هو محرر «الشعر الحديث بالترجمة/ الشعر العراقي اليوم / الذي ترجم بعض من شعر السلطاني.
قدّم لدراسة السلطاني عن لاركن، الكاتب الصحفي أمير طاهري مشيراً في (لا ركن والسلطاني) الى ثمة ملاحظات مشتركة بينهما « ولـّدت قراءة أطروحة السلطاني لديّ متعة لسببين، أولهما لأنني أحد المعجبين بالشاعر لاركن منذ اطلاعي على شعره في الستينيات حينما كنت طالباً في لندن، وثانيهما لأني نلت شرف الصداقة بفاضل السلطاني في التسعينيات وتفضّل عليَّ كوني من بين أول المطلعين على قصائده قبل أن يخطـَّها في دواوينه المنشورة». وأضاف الطاهري بأن كلا الشاعرين « ينهلان من آفاق مختلفة، إلا أن لاركن والسلطاني يلتقيان في مفاصل مشتركة لأن كليهما نتاج حضارتين لا زالتا تتعاملان مع الشعر بأهمية بالغة» . كما ويسترعي الطاهري الانتباه الى دهشته في البداية لانجذاب جمهور واسع من البريطانيين للشعر واهتمام بريطانيا بالشعر مقارنة بنظيراتها من الدول الأوروبية كفرنسا وألمانيا « ويقول عن العراق « لا يمكن لأحد أن ينكر بأن العراق، أرض وادي الرافدين القديمة وموطن ملحمة كلكامش هي من استولدت الأدب كرد فعل على خفايا الوجود البشري وأسراره»، ويربط ذلك بالقول « من الوهلة الأولى رأيت ان عمل لاركن نسخة شعرية من (موسيقى الحجرة) ذات اللمسات اليسيرة واللحظات المتلاشية والومضات النبهة، فهو شاعر يمتلك انتقالات متينة مسبوكة بإجادة نلمسها في واحدة من قصائده القصيرة (قناعات)، ومن جهته، نأى السلطاني بنفسه عن المطامح الملحمية كما يحدث لدى العديد من مجايليه من الشعراء العرب، واقترب أكثرفي قصائده التي كتبها في العقد الماضي على وجه الخصوص، من «موسيقى الحياة البسيطة المتواضعة» كما يقول رينيه شار.
يشير فاضل السلطاني في مقدمة البحث « الى كتاب اللامنتمي (1956) لكولن ولسن، الذي صدرت ترجمته العربية عقب صدور نسخته الانكليزية واستقبلها القراء والكتاب العرب بحماس ظاهر. ويلاحظ بأن المناخ الثقافي في منتصف العشرينيات في انكلترا كان متحفظاً إزاء تقنيات السريالية ومفهوم اللاإنتماء، باستتثناء الشاعر السريالي (ديفيد كاسكوين) الذي عاش فترة في فرنسا مما حدا به أن يكون مختلفاً بطروحات له شذت عن القاعدة. انصب جهد ولسن في اللامنتمي بصورة وافية على الكُتـّاب الأجانب باستثناء ( تي إي لورنس) و (أج جي ويلز)، وقد يكون هذا السبب، كما يقول السلطاني، وراء عدم نظرة النقاد البريطانيين الى لاركن كشاعر لا منتمٍ، ما خلا في بعض الإشارات الى جوانب الانعزال والعزوبية في حياته، التي ليست لها علاقة بمفهوم اللاإنتماء بتفسيره الفكري والفلسفي، غير أن لاركن في الأصل، يضيف السلطاني، لم يكن وحيداً أو منعزلاً فحسب، فقد تبنى وجهات نظر وجودية حول الحياة والفــن والمجتمع والجنس والانعزال والذاتية والآخرين والتملك والتشكك وإدراك الذات والقلق والتردد»، ويزيد: « بالنسبة لي، أعــد لاركن شخصاً وشاعراً وجودياً بكل ما يعنيه مفهوم الكلمة وأنه كان منسجماً مع نفسه، ولم يكن، كما يشير كثير من منتقديه، فردين مختلفين أو فرداً بشخصيتين متناقضتين، ولو نجري مقارنة بين شعره ونثره ورسائله الشخصية، نستطيع أن نفطن الى وجهات نظر ورؤى متساوقة تحكم مواقفة المتناقضة ظاهريا، ومن هذا المنطلق يشكّل عمل لاركن، قصيدة ممتدة واحدة يتأمل فيها قضايا كبيرة تشغل بال الانسان وتستحوذ على اهتمامه في القرن العشرين».
ينطلق السلطاني في محاججته تلك من تحليله لباكورة قصائد لاركن عائداً لغاية عام 1930 مقارناً إياها بقصائد لاحقة «نلحظ ثمة قضايا وجودية متناسقة متلاحمة تكتنف شعره من البداية».
منظور الانعزال والإغتراب عن العالم الخارجي هو ما يميّز معظم شعره. ففي أول قصيدة منشورة ( منظر الليل الشتائي) التي نشرها في مجلة مدرسته الـ (كوفنتري) عام 1938 حينما كان بعمر ستة عشر عاماً ، نجد مايلي: ( نسيج منساق من سديم فوق الغابة والقفر / ساكن كما الموت) والبيت الختامي ( يتسلل ليل داكن / ويدع العالم وحيداً). وفي قصيدة ( تلك الأماكن المحببّة) التي كتبها عام 1954 ونشرها عام 1955، وفي قصيدة ( الأقل انخداعاً) يكتب لاركن: (كلا، أنا لم أجد/ المكان الذي يمكنني البقاء فيه/ والقول عنه/ هذا هو المكان المناسب/ وهنا ينبغي عليّ البقاء). وفي مقابلة له في صحيفة الاوبزرفرعام 1979، قال: ( بالفعل، أنا لا أدري أين أعيش). وتحمل قصيدة (الحياة ذات الثقب) عام 1974 مضمون الفكرة الرئيسة نفسها والمناجزات الضارية لقصيدة (حاجات) 1950 والمنشورة في المجلة الآنفة الذكر بالتفصيل. ولعل أكثر قصيدة تنضوي على مفهوم اللاإنتماء هي(السيد بليني) التي نشرت عام 1955 في مجلة (وتسن ودينغ). وبخصوص روايتي لاركن (جل) و( فتاة في الشتاء)، فأبطالها (جون كيم) و(كاثرين لند) كانا شخصيتين لا منتميتين مسكونتين بالتغريب.
ويذهب السلطاني أيضاً الى أن « (تيري ويلين) أشار في كتابه لعام 1986 (لاركن والشعر الانكليزي)، بأن هذا الشاعر كان قريباً من شعراء مثل (تيد هيوز) و(توم كن) و(آر أس توماس)، متماهياً معهم ليس في مدى العمق والصدق ، بل في الشكوك والتوترات السحيقة والقلق الوجودي والاستقصائي وكشف الحقائق والوقائع السوداء الكالحة في عالمنا المعاصر».
ويمضي السطاني مشيراً الى أن لاركن هو قريب الصلة بـ ( آر أس توماس) أكثر من أي شاعر انكليزي آخر في النصف الثاني من حياته في القرن العشرين وإن اختلفت مفاهيمهما ومقارباتهما، مضيفاً « تجمع كلا الشاعرين مفردات مشتركة شائعة في خطابهما الشعري مثل الانتظار والغياب والموت والفشل والمعاناة والاسترجاع والظلال». وعلى ما يبدو فهما، حسب السلطاني، إنهما كلاهما يحاكيان أفكار (كيركجارد) عن غير قصد ربما، كما في حالة لاركن، وعن وعي وإدراك كما في حالة (توماس) الذي اطلع على أعماله وأهدى قصيدة إليه». « كلاهما معنيان بثيمات الوجودية عينها كما (كيركجارد) على نحو ما « وخلافاً للاركن العلماني، كانت مقاربات توماس لاهوتية، لكن اهتمامه انصبّ مثل لاركن على حال الكائن البشري». ويبيّن السلطاني ذلك في مقارنته بين قصيدة (في الكنيسة) لتوماس مع قصيدة لاركن (الذهاب الى الكنيسة). ويأتي حماس السلطاني للاركن وأعماله لكون هذا الشاعر تخطى حدود القومية واللغة، وظفر شعره بجاذبية عالمية برغم وصمه بالانعزالية.

---------------------
* عن مجلة "حول لاركن" البريطانية