في عيد المرأةالعراقية..رابطة الدفاع عن حقوق المرأة سنة1952 صفحة لامعة من صفحات نضال المرأة العراقية

Sunday 10th of March 2019 07:32:16 PM ,

ذاكرة عراقية ,

موفق خلف العلياوي
بعد رفض وزارة الداخلية لطلب الدكتورة نزيهة الدليمي ورفيقاتها بتأسيس جمعية تحرير المرأة, وجه قادة الحزب الشيوعي كوادره النسوية المتميزة, وفي مقدمتهن نزيهة الدليمي إلى العمل السريع لتأسيس رابطة نسوية سرية بإسم جديد, مهمتها نشر مبادئ وأهداف الحزب بين جماهير الشعب عن طريق العنصر النسوي, وذلك لصعوبة عمل الحزب علناً في ظل سياسة الحكومة العراقية عدم السماح لأي حزبٍ يمارس نشاطاً معارضاً لسياستها الداخلية والخارجية,

في ضوء ذلك تقرر القيام بتأسيس رابطة نسويه, هدفها الدفاع عن حقوق المرأة العراقية, كما تعنى بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تواجه فئات واسعة من المجتمع, على أن تكون أهداف هذه الرابطة ديمقراطية وليست حزبية.
بناءً على تلك المتغيرات, أقيم اجتماع موسع للنساء العراقيات في بغداد في العاشر من آذار عام 1952, أعلن فيه عن تأسيس منظمة نسويه جماهيرية تضم في صفوفها العاملات والفلاحات وربات البيوت والمثقفات على اختلاف قومياتهن, واتجاهاتهن السياسية, ومعتقداتهن الدينية, أطلق عليها (رابطة الدفاع عن حقوق المرأة), التي حددت أهدافها في النضال من أجل السلم والتحرر الوطني والديمقراطي, والدفاع عن حقوق المرأة العراقية ومساواتها, والعمل على حماية الطفولة وسعادتها, وتم انتخاب الدكتورة نزيهة الدليمي كأول رئيسة للرابطة, لدورها الفعال في مسيرة الحركة النسائية, كما إنها كانت المبادرة إلى عقد هذا الاجتماع من خلال دعواتها المتكررة إلى ضرورة إنشاء منظمة نسويه تجمع في أهدافها بين النضال الوطني التحرري والنضال من أجل حقوق المرأة وسعادة الطفولة, إدراكاً منها إلى أن تحرر المرأة لا يمكن تحقيقه دون تحرر المجتمع.
انبثقت الرابطة بشكل سري في ظروف صعبة, وفي ظل تصاعد نضال الشعب ضد محاولات الدوائر الاستعمارية, ومن يرتبط بها من الساسة لربط العراق بعجلة المعاهدات والأحلاف العسكرية . وعلى الرغم من ظروف عمل الرابطة السري, إلا إن هناك أعداد كبيرة من النساء العراقيات من مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية قد انضمت إليها. وفي الثاني والعشرين من تشرين الثاني عام 1952 انتفض الشعب العراقي ضد سياسة الحكومة القمعية, وانعدام الحريات, وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية, وكانت مطالب الجماهير تنادي بتعديل القانون الأساسي, وإلغاء الإقطاع, وتوزيع الأراضي على الفلاحين, واشتركت في هذه الانتفاضة مختلف شرائح المجتمع من فلاحين, وعمال, وطلبة من مختلف الأديان والقوميات.
لم يكن قد مضى على تأسيس رابطة الدفاع عن حقوق المرأة سوى أشهر قليلة عندما اندلعت الانتفاضة, فكان لها دورها في المشاركة فيها إلى جانب أبناء الشعب العراقي, إذ تذكر السيدة نجية حسين الساعدي (أم بشرى), وهي من عضوات الرابطة اللاتي أشتركن في الانتفاضة " بأنها وزميلاتها نزلن إلى الشارع إلى جانب المتظاهرين وكانت انطلاقتهن من سوق الصفا فير باتجاه شارع الرشيد وأطلقن شعار (عاش تضامن الجيش ويه الشعب), لكسب تضامن قوى الجيش مع المتظاهرين وإسقاط رهان الحكومة في استخدامه ضدهم)), كما تقدمت عضوة الرابطة سافرة جميل حافظ الوفد الطلابي إلى الجهات الحكومية والأحزاب الوطنية والصحف, إذ طالبوا بإطلاق الحريات الديمقراطية, وإلغاء معاهدة 1930, وأجراء انتخابات نزيهة. مع ذلك, تمكنت أجهزة الدولة من إخماد الانتفاضة بقوة السلاح, بعدها شنت حملات اعتقال شمل البعض منها العديد من النساء, كما طلبت الحكومة من عمادتي كليتي الصيدلة والكيمياء, والآداب والعلوم, بفصل الطالبات اللاتي اشتركن بشكل فاعل في الانتفاضة, من بينهن سافرة جميل حافظ من كلية الآداب والعلوم وبشرى عبد الجليل برتو من كلية الصيدلة والكيمياء.
وعلى الرغم من الإجراءات القمعية التي مارستها أجهزة النظام بحق القوى الوطنية, وفرضها قيودا ًعلى نشاطات الأحزاب والجمعيات, كونها تعد منبراً موجهاً ضد الحكومة, غير أن رابطة الدفاع عن حقوق المرأة واصلت نشاطها من زاوية لا تثير الشكوك من قبل الأجهزة الأمنية, فاتصلت الدكتورة نزيهة الدليمي بمديرية المعارف لفتح عدد من المدارس النسوية لمكافحة الأمية, إدراكاً من عضوات الرابطة بأن تلك المراكز ستسهم في تطوير واقع المرأة العراقية من خلال المحاضرات التربوية والثقافية التي تلقى عليهن.
لم تكن المدارس الرافد الوحيد لكسب النساء والتأثير بهن, فقد اعتمدت الرابطة في عملها على اللقاءات, وعقد الاجتماعات الأسبوعية لعضواتها في بيوتهن, لتوضيح أهدافها, وتوعيتهن سياسياً وثقافياً واجتماعياً, ودفعهن للمطالبة بحقوقهن وحقوق أطفالهن, وكانت العضوات ينتهزن المناسبات المختلفة لعقد الاجتماعات للتخلص من رقابة السلطة فعلى سبيل المثال كانت الدكتورة نزيهة الدليمي تحث عضوات الرابطة على حضور التجمعات النسوية فيما يسمى جلسات (شاي العباس), وفي أحدى تلك التجمعات حضرت الدكتورة نزيهة الدليمي, وعملت على جمع تواقيع من النساء الموجودات في التجمع, للمطالبة بوضع حنفية ماء للشرب في منطقة باب الشيخ, وقُدمت إلى بلدية المنطقة التي سارعت بنصب تلك الحنفية , فضلاً عن اهتمام الرابطة بالتوعية الصحية, إذ أنها طالبت بتوفير مراكز لرعاية الأمومة والطفولة, وتوفير اختصاصات طبية نسائية في المستشفيات, وفتح مستوصفات ومستشفيات للولادة والأطفال والتلقيح ضد الأمراض, وفتح دور للحضانة, وكلفت نزيهة الدليمي السيدة نجية حسين الساعدي بإقامة احتفال في الأول من حزيران عام 1953بمناسبة يوم الطفل العالمي, فقامت مع عدد من عضوات الرابطة بتزيين عدد من السيارات التي وضعت عليها اللافتات التي تشير إلى المناسبة وطافت بها في شوارع بغداد.
أسهمت الجهود التي بذلتها الدكتورة نزيهة الدليمي في مؤتمر كوبنهاكن النسوي سنة 1953, عن اختيار رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية عضواً في الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي, بل أصبحت عضواً دائماً في سكرتارية الإتحاد, وانتخاب الدكتورة نزيهة الدليمي عضواً في مجلس الاتحاد.
عقدت الرابطة كونفرسها الأول بشكل سري عام 1954, وشاركت فيه أربع وخمسون مندوبةً, يمثلن ألف عضوةٍ من مختلف مناطق العراق, إذ تروي السيدة نجية حسين الساعدي تفاصيل ذلك الكونفرس بالقول : " في تموز من عام 1954عقدنا أول كونفرس للرابطة في بساتين ضواحي بغداد وبالتحديد في جديدة الشط, وكانت عملية وصولنا إلى الكونفرس عن طريق إقامة حفلة زفاف وذلك بعمل زفة عرس شعبية وتزويق أحدى الفتيات والتصفيق والغناء عند الاقتراب من نقاط سيطرة الشرطة المنتشرة على الطريق حتى الوصول إلى مكان التجمع, وكان هذا الكونفرس برئاسة الدكتورة نزيهة الدليمي". وفي ختام الكونفرس صدرت مجموعة من القرارات, منها توسيع اللجان التابعة للرابطة, وتشكيل لجان جديدة : مثل لجنة الدفاع عن حقوق السجناء السياسيين, ولجان الحملات, فضلاً عن التأكيد على الاهتمام بمطالب الجماهير اليومية, والمساهمة الفاعلة في المؤتمرات النسوية العالمية.

عن رسالة ( نزيهة الدليمي ودورها في الحركة الوطنية والسياسية العراقية)